المنشورات

إكراه

1 - التعريف:-
في اللغة: الإكراه الإجبار وهو الحمل على فعل الشيء كارها، وكَرِهَ من كراهة وكراهية بالتخفيف وهي ضد الطواعية والكُره بالضم المشقة والكَره بالفتح تكليف ما يكره فعله وقيل هما لغتان في المشقة(1).
وفي اصطلاح الإكراه: هو إجبار أحدٍ على أن يعمل عملاً بغير حق من دون رضاه بالإخافة ويقال له المكرَه ( بفتح الراء ) ويقال لمن أجبره : مُجْبِر , ولذلك العمل : مكره عليه , وللشيء الموجب للخوف: مكره به(2).
وفي المصطلح الجنائي: هو أن يحمل إنسان إنسانا آخر ماديا أو معنويا على تحقيق سلوك إجرامي معين، ما كان ليقبله أو يحققه إذا ما تحققت له حرية الاختيار الكاملة(3).
2 - شروط تحقق الإكراه:-
1 - قدرة المكرِه - بكسر الراء - على إيقاع ما هدد به، لكونه متغلبا ذا سطوة وبطش، وإن لم يكن سلطانا ولا أميرا، ذلك أن تهديد غير القادر لا اعتبار له.
2 - خوف المكرَه - بفتح الراء - من إيقاع ما هدد به، حتى ولو كان مؤجلا؛ والمقصود بخوف الإيقاع غلبة الظن، ذلك أن غلبة الظن معتبرة عند عدم الأدلة، وتعذر التوصل إلى الحقيقة.
3 - أن يكون ما هدد به قتلا أو إتلاف عضو، ولو بإذهاب منفعته.
4 - أن يكون المكَره ممتنعا عن الفعل المكره عليه لولا الإكراه.
5 - أن يكون محل الفعل المكره عليه متعينا.
6 - ألا يكون للمكره مندوحة عن الفعل المكره عليه، فإن كانت له مندوحة عنه، ثم فعله لا يكون مكرها عليه.
3 - أقسام الإكراه: -
ينقسم الإكراه إلى: إكراه بحق ، وإكراه بغير حق، وبيان ذلك:
أ - الإكراه بحق:
هو الإكراه المشروع ، أي الذي لا ظلم فيه ولا إثم. وهو ما توافر فيه أمران:
الأول: أن يحق للمكره التهديد بما هدد به.
الثاني: أن يكون المكره عليه مما يحق للمكره الإلزام به. 

وعلى هذا فإكراه المرتد على الإسلام إكراه بحق، حيث توافر فيه الأمران، وكذلك إكراه المدين القادر على وفاء الدين، وإكراه المولي على الرجوع إلى زوجته أو طلاقها إذا مضت مدة الإيلاء. والعلماء عادة يقولون إن الإكراه بحق، لا ينافي الطوع الشرعي وإلا لم تكن له فائدة، ويجعلون من أمثلته إكراه المدين والمحتكر على البيع ، وكذلك من له أرض بجوار المسجد أو المقبرة أو الطريق يحتاج إليها من أجل التوسيع، ومن معه طعام يحتاجه مضطر.
ب - الإكراه بغير حق:
الإكراه بغير حق هو الإكراه ظلما، أو الإكراه المحرم، لتحريم وسيلته، أو لتحريم المطلوب به. كالإكراه على ارتكاب فعل محرم مثل القتل أو شرب الخمر.
وهذا النوع يقسمه فقهاء الحنفية إلى إكراه ملجئ وغير ملجئ. 

فالإكراه الملجئ عندهم: هو الذي يكون بالتهديد بإتلاف النفس أو عضو منها، أو بإتلاف جميع المال، أو بقتل من يهم الإنسان أمره. وحكم هذا النوع أنه يعدم الرضا ويفسد الاختيار ولا يعدمه. أما إعدامه للرضا، فلأن الرضا هو الرغبة في الشيء والارتياح إليه، وهذا لا يكون مع أي إكراه. وأما إفساده للاختيار دون إعدامه، فلأن الاختيار هو: القصد إلى فعل الشيء أو تركه بترجيح من الفاعل، وهذا المعنى لا يزول بالإكراه، فالمكره يوقع الفعل بقصده إليه، إلا أن هذا القصد تارة يكون صحيحا سليما, إذا كان منبعثا عن رغبة في العمل, وتارة يكون فاسدا، إذا كان ارتكابا لأخف الضررين، وذلك كمن أكره على أحد أمرين كلاهما شر، ففعل أقلهما ضررا به، فإن اختياره لما فعله لا يكون اختيارا صحيحا, بل اختيارا فاسدا. والإكراه غير الملجئ هو: الذي يكون بما لا يفوت النفس أو بعض الأعضاء، كالحبس لمدة قصيرة، والضرب الذي لا يخشى منه القتل أو تلف بعض الأعضاء. وحكم هذا النوع أنه يعدم الرضا ولكن لا يفسد الاختيار، وذلك لعدم اضطرار المكره إلى الإتيان بما أكره عليه، لتمكنه من الصبر على تحمل ما هدد به بخلاف النوع الأول(1).
4 - الإكراه على الانتحار:
إذا أكره شخص غيره إكراها ملجئا ليقتل الغير نفسه , بأن قال له: اقتل نفسك وإلا قتلتك , فليس له أن يقتل نفسه , وإلا يعد منتحرا وآثما , لأن الْمُكْرَهَ عليه لا يختلف عن الْمُكْرَهِ به , فكلاهما قتل , فلأن يقتله الْمُكْرِهُ أولى من أن يقتل هو نفسه. ولأنه يمكن أن ينجو من القتل بتراجع المكرِه , أو بتغير الحالة بأسباب أخرى , فليس له أن ينتحر ويقتل نفسه(2).
5 - الآثار المترتبة على الإكراه:- قال ابن حزم رحمه الله: ( الإكراه ينقسم قسمين: إكراه على كلام، وإكراه على فعل: فالإكراه على الكلام لا يجب به شيء, وإن قاله المكره, كالكفر, والقذف, والإقرار, والنكاح, والإنكاح, والرجعة, والطلاق, والبيع, والابتياع, والنذر, والإيمان, والعتق, والهبة, وإكراه الذمي الكتابي على الإيمان, وغير ذلك ; لأنه في قوله ما أكره عليه إنما هو حاك للفظ الذي أمر أن يقوله, ولا شيء على الحاكي بلا خلاف ومن فرق بين الأمرين فقد تناقض قوله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى } (1) فصح أن كل من أكره على قول ولم ينوه مختارا له فإنه لا يلزمه. والإكراه على الفعل ينقسم قسمين:
أحدهما: كل ما تبيحه الضرورة، كالأكل والشرب فهذا يبيحه الإكراه ; لأن الإكراه ضرورة، فمن أكره على شيء من هذا فلا شيء عليه ; لأنه أتى مباحا له إتيانه.
والثاني: ما لا تبيحه الضرورة، كالقتل، والجراح، والضرب، وإفساد المال، فهذا لا يبيحه الإكراه، فمن أكره على شيء من ذلك لزمه القود والضمان ; لأنه أتى محرما عليه إتيانه )(2). 














مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية

المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي

الطبعة: الثانية 1427

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید