المنشورات

بلاغ

1 - تعريف البلاغ:
البلاغ في اللغة له عدة معان منها: الإيصال، والكفاية، وبلغت الخبر، أي أوصلته(1).
وفي المصطلح الجنائي: هو إيصال خبر وقوع الحادثة إلى السلطة المختصة كتابة أو شفاهة، سواء كان ذلك عن طريق المجني عليه أو غيره.
2 - تلقي البلاغات:
البلاغات والشكاوى التي تنقل إلى جهات الاختصاص هي في حد ذاتها أخبار؛ والشريعة الإسلامية أوجبت التثبت من الأخبار المنقولة حتى لا يظلم بريء، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات الآية 6]
وفي صحيح البخاري، عن أبي مليكة، أن امرأتين كانتا تخرزان في بيت أو في حجرة، فخرجت إحداهما وقد أُنفذ بأشفى(2) في كفها، فادعت على الأخرى، فرفع إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال ابن عباس: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم؛ ذكروها بالله، واقرأوا عليها { إن الذين يشترون بعهد الله } ؛ فذكروها فاعترفت ؛ فقال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: اليمين على المدعى عليه )(3). 

وذكر ابن القيم رحمه الله، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه فلما لم يساعدها احتالت عليه فأخذت بيضة فألقت صفرتها، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها ؛ ثم جاءت إلى عمر صارخة فقالت هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي وهذا أثر فعاله ؛ فسأل عمر النساء فقلن له إن ببدنها وثوبها أثر المني، فهم بعقوبة الشاب فجعل يستغيث ويقول يا أمير المؤمنين تثبت في أمري فوالله ما أتيت فاحشة وما هممت بها فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت. فقال عمر: يا أبا الحسن: ما ترى في أمرهما ؟ فنظر علي إلى ما على الثوب ؛ ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصب على الثوب فجمد ذلك البياض، ثم أخذه واشتمه وذاقه فعرف طعم البيض وزجر المرأة فاعترفت(1).
3 - اهتمام الأنظمة السعودية بتمحيص البلاغ:
اهتمت الأنظمة السعودي بتمحيص البلاغ عند وروده ومن ذلك:
1 - ما جاء في المادة ( 27 ) من نظام الإجراءات الجزائية بالنص التالي: على رجال الضبط الجنائي كل حسب اختصاصه أن يقبلوا البلاغات والشكاوى التي ترد إليهم في جميع الجرائم، وأن يقوموا بفحصها وجمع المعلومات المتعلقة بها في محضر موقع عليه منهم.وتسجيل ملخصها وتاريخها في سجل يعد لذلك، مع إبلاغ هيئة التحقيق والادعاء العام بذلك فوراً..
2 - ما جاء في المادة ( 6 ) من لائحة أصول الاستيقاف أنه إذا قدمت إخبارية أو شكوى ضد شخص فلا يقبض عليه حتى تتوافر أدلة ضده.
3 - ما جاء في المادة ( 6 ) من نظام مكافحة التستر أن من قدم بلاغا كاذبا عن قضايا التستر وكان قصده سيئا يحال للمحكمة لتعزيره وللمدعى عليه المطالبة بحق التعويض عن الضرر.
4 - كما صدرت تعليمات الوزارة المعممة برقم 28س / 4247 وتاريخ 22/12/1398هـ بوضع قواعد يسار عليها في هذا الشأن وهي كما يلي(2): 

أولا: ما كان من الشكاوى من شخص ضد شخص آخر بدعوى حق خاص فتحال للمحكمة للنظر فيها بالوجه الشرعي وإذا لم يثبت الشاكي صحة ما ادعى به وظهر للقاضي بطلان دعواه فيحال للادعاء العام لتقرير ما يجب بحقه وردعه عن التمادي في الادعاءات الكاذبة.
ثانيا: الشكاوى ضد مسؤولي الدولة يطلب من الشاكي ما يبرر شكواه ومن ثم ينظر فيها بعد أخذ التعهد اللازم عليه بتحديد نقاط شكواه ومسئوليته عما ورد فيها؛ واستعداده لإثباتها وعندئذ يحقق فيها فإذا ظهر أنه كاذب يؤدب بما يراه ولي الأمر وفقا للأمر الملكي رقم 2331/3/ع في 24/12/89 هـ والذي جاء فيه أنه إذا تقدم أحد بشكوى ضد الإمارات فلا ترسل الشكوى لها بل يرسل أناس موثوق بهم فأما أن يثبت ما يقول وإلا يؤدب ؛ وتأيد بالأمر السامي رقم 1609 في 25/1/1401هـ وكتاب الوزارة رقم 7083 في 20/2/1401هـ.
ثالثا: إذا كانت الشكوى مقدمة لأمير المنطقة ضد أحد المسؤولين بالمنطقة سواء كانوا أمراء المراكز أو غيرهم من الموظفين الآخرين ففي هذه الحالة تقبل شكوى الشاكي على أن يطلب منه تحديد نقاط شكواه وتركيزها وإثباتها فيما بعد ؛ ويؤخذ عليه التعهد اللازم وإذا لم يثبت التحقيق أقواله فيما بعد ويتبين أنه كاذب يؤدب بما يردعه.
رابعا: يطلب من أي شخص يتقدم بشكوى ضد ممثلي الحكومة تحديد نقاط الشكوى ويؤخذ عليه الإقرار اللازم بأن ما جاء في شكواه صحيح ولا يقوم على أغراض شخصية فإذا ثبت أنه غير محق يجازى بما يردعه.
كل هذه الإجراءات السابقة احترازا من أن يتقدم أحد ببلاغ كاذب، يشغل به الجهات الأمنية، ويكون سببا في إزعاج راحة برئ.
4 - الإجراءات الواجبة عند تلقي البلاغات:
أ - الإجراءات الواردة في نظام الإجراءات الجزائية:
بينت المادة ( 27 ) من النظام الإجراءات الواجب على رجال الضبط اتباعها عند تلقي البلاغات على النحو التالي: 

1 - على رجال الضبط الجنائي كل حسب اختصاصه أن يقبلوا البلاغات والشكاوى التي ترد إليهم في جميع الجرائم.
2 - فحص البلاغات وجمع المعلومات المتعلقة بها في محضر موقع عليه منهم.
3 - تسجيل ملخصها وتاريخها في سجل يعد لذلك.
4 - إبلاغ هيئة التحقيق والادعاء العام بذلك فوراً.
5 - يجب أن ينتقل رجل الضبط الجنائي بنفسه إلى محل الحادث للمحافظة عليه، وضبط كل ما يتعلق بالجريمة، والمحافظة على أدلتها، والقيام بالإجراءات التي تقتضيها الحال.
6 - عليه أن يثبت جميع هذه الإجراءات في المحضر الخاص بذلك.
ب - الإجراءات الواردة في نظام مديرية الأمن العام:(1)
1 - على رجال الضبط إبلاغ أقرب مركز شرطة عن أي حادث جنائي.
2 - على مركز الشرطة الذي يرد إليه البلاغ المبادرة بتدوين البلاغ بمحضر يفتح لهذا الغرض؛ ولا يجوز التأخير في تدون البلاغ بحجة أن الواقعة خارج الاختصاص المكاني لمركز الشرطة الذي ورد إليه البلاغ.
3 - تجب العناية في قيد البلاغات عن غياب الأشخاص وخاصة الغلمان والمردان والنساء، وذلك بتسجيل اسم ولقب وعنوان المبلغ وعلاقته بالغائب، وأخذ أوصاف الغائب منه، ووقت غيابه وما معه من أشياء، وتعميم ذلك عل كافة المراكز الأمنية والجهات ذات العلاقة.
4 - على رئيس المركز أو الضابط الذي يتلقى البلاغ إشعار مرجعه بذلك فورا.
ج - في مشروع اللائحة التنظيمية لهيئة التحقيق والادعاء العام :
ورد في (11) من مشروع لائحة هيئة التحقيق والادعاء العام ما يلي:
1 - يبادر المحقق فور إبلاغه عن وقوع جريمة بتمحيص مضمون البلاغ أو الشكوى. 

2 - إذا اتضح للمحقق من البلاغ توفر ما يدل على وقوع جريمة مضى في إثبات وقت تسلمه للبلاغ وتاريخه في السجل المعد لقيد البلاغات عن الحوادث، ومن ثم يبدأ الإجراءات التي يتطلبها التحقيق ويعطى لكل قضية رقما متسلسلا في سجل خاص ويعتبر هذا الرقم خاصا بملف القضية وتفرعاتها.
3 - إذا ورد للمحقق بلاغ أو شكوى ضد موظف أو أحد العاملين بالدولة بسبب فعل وقع منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، فعليه المبادرة بسماع أقوال المبلغ أو الشاكي وشهوده، وأخذ موافقة وزير الداخلية على الاستمرار في التحقيق بناء على اقتراح رئيس الهيئة.
4 - تخطر الجهة التي يتبعها الموظف بالتهمة المسندة إليه واليوم المحدد لسؤاله.
5 - يجب على المحقق أن يفرد سجلا يوميا لتسجيل جميع أعمال التحقيق التي قرر إجراءها خلال الأيام المقبلة والقضايا الخاصة بها، وسجلا بأسماء الموقوفين وتاريخ توقيف كل منها لملاحظة استمرار التوقيف أو إنهائه وإثبات مدته فيه.
6 - يحال للمحكمة المختصة كل شخص شهد ارتكاب جريمة أو علم بوقوعها ولم يبلغ عنها تواطؤا مع المتهمين وكل من قدم بلاغا كاذبا عن جريمة أو تسبب في مباشرة تحقيق باختلاقه أدلته.
5 - الإبلاغ عن الجرائم:
أولا: الإبلاغ عن جرائم الحدود:
المبلغ إما أن يكون محتسبا أو غير محتسب، والمحتسب هو من يأمر بالمعروف إذا ظهر تركه وينهى عن المنكر إذا ظهر فعله. قال تعالى: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [سورة آل عمران 104] وهذا وإن كان واجبا على كل مسلم فهو متعين على المحتسب بحكم ولايته، لكن غيره فرض عليه على سبيل الكفاية. 

وما لم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يبلغ عنها ولا أن يتتبع ما اختفى منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: { اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها ، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله } (1).
لكن إن غلب على الظن أن شخصا استتر ليفعل جريمة فيها انتهاك حرمة يفوت استدراكها كما لو علم أن رجلا خلا بامرأة ليزني بها أو رجل ليقتله، فيجوز في مثل هذه الحال إبلاغ السلطة عنه حذرا من فوات ما لا يستدرك من ارتكاب المحارم وفعل المحظورات. 












مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية

المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي

الطبعة: الثانية 1427

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید