المنشورات
تحكيم
1 - التعريف: -
التَّحكِيمُ في اللغة: هو تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما، قال في القاموس المحيط: حَكَّمَهُ في الأمْرِ تَحْكيماً: أمَرَهُ أن يَحْكُمَ فاحْتَكَمَ. وفي لسان العرب: حَكَّمُوهُ بينهم: أَمروه أَن يَحكمَ. ويقال حَكَّمْنا فلاناً فيما بيننا أَي أَجَزْنا حُكْمَهُ بيننا. وحَكَّمَهُ في الأمر فاحْتَكَمَ: جاز فيه حُكْمُه(1).
وفي الاصطلاح : التحكيم هو اتخاذ الخصمين حاكما برضاهما لفصل خصومتهما ودعواهما.
2 - مشروعية التحكيم:
التحكيم مشروع بالكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب الكريم فقوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } [النساء 35]. قال القرطبي : (وفي هذه الآية دليل على إثبات التحكيم، وليس كما تقول الخوارج إنه ليس التحكيم لأحد سوى الله ، وهذه كلمة حق ولكن يريدون بها باطل )(2) .
وأما السنة المطهرة: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي بتحكيم سعد بن معاذ رضي الله عنه في أمر اليهود من بني قريظة، حين جنحوا إلى ذلك ورضوا بالنزول على حكمه(3). ورضي صلى الله عليه وسلم بتحكيم الأعور بن بشامة في أمر بني العنبر ، حين انتهبوا أموال الزكاة(4).
أما الإجماع : فقد كان بين عمر وأبي بن كعب رضي الله عنهما منازعة في نخل ، فحكما بينهما زيد بن ثابت رضي الله عنه.واختلف عمر مع رجل في أمر فرس اشتراها عمر بشرط السوم ، فتحاكما إلى شريح . كما تحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم رضي الله عنهم ، ولم يكن زيد ولا شريح ولا جبير من القضاة(1).
وقد وقع مثل ذلك لجمع من كبار الصحابة ، ولم ينكره أحد فكان إجماعا.
3 - شروط التحكيم :
يشترط في التحكيم ما يأتي :
1 - قيام نزاع ، وخصومة ، بين طرفين حول حق من الحقوق الخاصة.
2 - تراضي طرفي الخصومة على قبول حكمه ، أما المعين من قبل القاضي فلا يشترط رضاهما به ، لأنه نائب عن القاضي.
3 - اتفاق المتخاصمين والحكم على قبول مهمة التحكيم.
4 - صفة من يجوز تحكيه:
قال الباجي رحمه الله: ( فأما صفة من يحكم فأن يكون رجلا حرا مسلما بالغا عاقلا عدلا رشيدا )(2).
5 - الأمور التي يجوز التحكيم فيها:
يجوز عند الحنابلة التحكيم في المال والقصاص والحدود، خلافا للجمهور.
قال في كشاف القناع: ( وإن تحاكم شخصان إلى رجل للقضاء، بينهما فحكم، نفذ حكمه في المال والقصاص والحد والنكاح واللعان وغيرها حتى مع وجود قاض فهو كحاكم الإمام، لما روى أبو شريح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: { إن الله هو الحكم فلم تكنى أبا الحكم } ؟ قال: إن قومي كانوا إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي الفريقان قال: { فما أحسن هذا، فمن أكبر ولدك } ؟، قال: شريح قال: فأنت أبو شريح } أخرجه النسائي(3).
وعنه صلى الله عليه وسلم { من حكم بين اثنين تحاكما إليه وارتضيا به فلم يعدل بينهما بالحق فعليه لعنة الله } رواه أبو بكر، ولولا أن حكمه يلزمهما لما لحقه هذا الذم ولأن عمر وأبيا تحاكما إلى زيد بن ثابت، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم، ولم يكن أحد منهما قاضيا )(1).
وقال ابن فرحون رحمه الله: (... أن الخصمين إذا حكَّما بينهما رجلا وارتضياه ; لأن يحكم بينهما ، فإن ذلك جائز في الأموال وما في معناها، ولا يقيم المحكم حدا ، ولا يلاعن بين الزوجين، ولا يحكم في قصاص أو قذف أو طلاق أو عتاق أو نسب أو ولاء، وإنما استثنيت هذه المسائل من هذه القاعدة ; لاستلزامها إثبات حكم أو نفيه من غير المتحاكمين )(2).
والذي أراه أن يكون التحكيم مقتصرا على الأموال والخلافات الزوجية دون القصاص والحدود لأنهما من الأمور التي يجب فيها الاحتياط فيكون المختص بالفصل فيهما القاضي.
وورد في المادة الثانية من نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/46 وتاريخ 12/7/1403هـ النص التالي: ( لا يقبل التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ولا يصح الاتفاق على التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف ).
6 - أثر التحكيم :
يراد بأثر التحكيم: ما يترتب عليه من نتائج، وهذا الأثر يتمثل في لزوم الحكم ونفاذه، كما يتمثل في إمكان نقضه من قبل القضاء.
قال ابن قدامة: ( وإذا تحاكم رجلان إلى رجل حكماه بينهما ورضياه، وكان ممن يصلح للقضاء ، فحكم بينهما، جاز ذلك ، ونفذ حكمه عليهما )(3).
وقال الزيلعي: ( وإذا حكم رجلان رجلا فحكم بينهما ورضيا بحكمه جاز، لأن لهما ولاية على أنفسهما فصح تحكيمهما، وينفذ حكمه عليهما، وهذا إذا كان المحكم بصفة الحاكم لأنه بمنزلة القاضي فيما بينهما فيشترط أهلية القضاء، ولا يجوز تحكيم الكافر والعبد والذمي والمحدود في القذف والفاسق والصبي لانعدام أهلية القضاء اعتبارا بأهلية الشهادة )(1).
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية
المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي
الطبعة: الثانية 1427
25 يناير 2025
تعليقات (0)