المنشورات

تفتيش

1 - التعريف:
التفتيش في اللغة: هو الاستقصاء في الطلب والبحث، يقال: فتَّش الرجلُ الشيءَ، أي تصفحه، وفتش عنه، أي سأل واستقصى في الطلب(1).
وفي اصطلاح الفقهاء: لا يخرج معنى التفتيش عن البحث والاستقصاء.
وفي المصطلح الجنائي: هو البحث لضبط أدلة الجريمة وكل ما يفيد في كشف الحقيقة من أجل إثباتها أو إسنادها للمتهم سواء كان محله شيئا أو مكانا أو شخصا.
2 - مشروعية التفتيش في الشريعة الإسلامية:
حرمت الشريعة الإسلامية دخول المساكن، أو حتى النظر إليها من غير إذن ساكنيها وذلك من أجل حماية المساكن وحفظ كرامة الأشخاص، وصيانة للأعراض والأموال، وقد وردت نصوص شرعية كثيرة في ذلك، ومنها قوله تعالى: { )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ النور 27-28 ]. 

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: { من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم ففقأوا عينه فلا دية ولا قصاص } رواه مسلم(1). وبناء على هذا الأصل العظيم في الشريعة الإسلامية فإنه لا يجوز لآحاد الناس دخول المساكن بغير إذن أهلها، ولا يجوز لهم تفتيشها، ولا تفتيش الأشخاص لأي سبب من الأسباب، لكن للسلطة العامة عند الضرورة ومقتضى المصلحة العامة دخول المنازل وتفتيشها، وتفتيش الأشخاص، بشرط أن يأذن ولي الأمر، أو من يفوضه ؛ وقد وردت بعض الأحاديث، والآثار وأقوال العلماء الدالة على مشروعية التفتيش للمصلحة العامة ومن ذلك: ما جاء في الصحيحين: { أن سعد بن معاذ حكم في بني قريظة, فقتل مقاتلتهم, وسبى ذراريهم فكان يُكشف(2) عن مؤتزر المراهقين , فمن أنبت منهم قتل, ومن لم ينبت جعل في الذراري } .وما رواه الطبراني من حديث أسلم الأنصاري قال: ( جعلني النبي صلى الله عليه وسلم على أسارى قريظة فكنت أنظر في فرج الغلام, فإن رأيته قد أنبت ضربت عنقه,وإن لم أره قد أنبت جعلته في مغانم المسلمين )(3). ضعفه الحافظ ابن حجر(4). وما ورد عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، أنه قال للظعينة التي حملت كتاب حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، فأنكرته: ( لتخرجن الكتاب أو لأجردنك ) فلما رأت الجد أخرجته من عقاصها(5). قال ابن القيم رحمه الله: ( وعلى هذا: إذا ادعى الخصم الفلس, وأنه لا شيء معه, فقال المدعي للحاكم: المال معه وسأل تفتيشه وجب على الحاكم إجابته إلى ذلك, ليصل صاحب الحق إلى حقه؛ وقد كان الأسرى من قريظة يدعون عدم البلوغ فكان الصحابة يكشفون عن مآزرهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلمون بذلك البالغ من غيره)(1).
وقال الحطاب: ( حكى ابن سهل أنه شاهد الفتوى بطليطلة إذا ادعى الطالب تفتيش مسكن المطلوب عند ادعائه العدم ، فالحق أن يفتش مسكنه فما ألفى فيه من متاع الرجل بيع عليه وأنصف الطالب منه وأنه أنكر ذلك على أكثرهم فلم يرجعوا عنه ؛ وأنه سأل عن ذلك ابن عات فأنكره وأنكر أيضا ابن مالك وقال: أرأيت إن كان الذي يلفى ببيته ودائع قال: وأعلمت ابن القطان بعمل أهل طليطلة فلم ينكره وأنا أراه حسنا فيمن ظاهره الإلداد والمطل )(2).
3 - أنواع التفتيش:
التفتيش له أنواع متعددة منها (3):
* أولا: التفتيش الوقائي:
وهو إجراء لا يتعلق بالتحقيق، وإنما هو إجراء المقصود منه تجريد الشخص مما يحمله من أسلحة وأدوات قد يستخدمها في الاعتداء على نفسه أو على غيره.
* ثانيا: التفتيش الإداري:
وهذا النوع من التفتيش ليس له علاقة بجريمة أو بأدلة معينة وإنما هو تفتيش تقتضيه الظروف مثل تفتيش المساجين قبل دخولهم مقر السجن، أو تفتيش مأمور الجمارك لأمتعة المسافرين أو القادمين داخل الدوائر الجمركية، ومثل تفتيش العاملين في المصانع والشركات عند الدخول والانصراف، فإذا أسفر عن ضبط أشياء تعد حيازتها جريمة، أو تكون جريمة تهريب، أو تكشف الحقيقة في جريمة وقعت، نشأت بذلك حالة تلبس بالجريمة، وكان التفتيش والضبط بشأنها صحيحا.
* ثالثا: التفتيش بحكم الضرورة:
وهذا النوع من التفتيش تفرضه الضرورة للقيام به، كما في الحالات التالية: 

1 - قيام رجل الإسعاف بالبحث في ملابس المصاب أو المغمى عليه للتعرف على شخصيته، وحفظ متعلقاته الشخصية، أو الأشياء ذات القيمة قبل نقله إلى المستشفى.
2 - إذا تطلب الأمر تفتيش سيارة ذات لون وأوصاف معينة، واتضح أن من بين السيارات التي ينطبق عليها الأمر بالتفتيش، سيارة بحوزة قائدها مواد ممنوعة مثل المخدرات، أو أسلحة غير مرخصة ففي هذه الحالة التفتيش صحيح، والأدلة حتمية على صاحب السيارة حتى لو لم يكن له علاقة بالجريمة المعمم عنها، والتي هي موضوع التفتيش.
* رابعا: التفتيش الجنائي:
وهذا التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق، الذي يتم بناء على جريمة قد وقعت بالفعل ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المسكن المراد تفتيشه، نصت على ذلك المادة ( 80 ) من نظام الإجراءات الجزائية بالنص التالي: ( تفتيش المساكن عمل من أعمال التحقيق، ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المسكن المراد تفتيشه بارتكاب جريمة، أو باشتراكه في ارتكابها، أو إذا وجدت قرائن تدل على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة.وللمحقق أن يفتش أي مكان ويضبط كل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة بما في ذلك الأوراق والأسلحة، وفي جميع الأحوال يجب أن يعد محضرا عن واقعة التفتيش يتضمن الأسباب التي بني عليها ونتائجه، مع مراعاة أنه لا يجوز دخول المساكن أو تفتيشها إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاما وبأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام ).
والهدف من هذا النوع من التفتيش جملة أمور منها:
1 - ضبط الآثار المتخلفة عن ارتكاب الجريمة، مثل الملابس الملوثة بالدماء.
2 - ضبط الأشياء المستخدمة في الجريمة، كالأسلحة، والعصي، والطلقات، ونحو ذلك.
3 - البحث عن المسروقات، أو الأشياء الممنوعة. 

4 - البحث عن الأدلة المادية التي يستند عليها في توجيه الاتهام، كضبط النقود المسلمة قيمةً لمخدر في جيب المتهم، أو في منزله، أو في سيارته.
4 - ضوابط التفتيش الواردة في نظام الإجراءات الجزائية:
التفتيش الجنائي إما أن يكون على الأشخاص أو على المنازل وبيان ذلك كما ورد في نظام الإجراءات الجزائية على النحو التالي :
* أولا - تفتيش الأشخاص:
وهو إما أن يكون على الشخص المتهم أو على غير المتهم.
ونظام الإجراءات بعد أن بيَّن في المادتين (2، 40) حرمة الأشخاص، وعدم جواز القبض عليهم أو تفتيشهم إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاما بيَّن الأحوال التي يجوز لرجل الضبط الجنائي فيها تفتيش الأشخاص هي:
أ- تفتيش المتهم:
1 - يجوز لرجل الضبط الجنائي في الأحوال التي يجوز فيها القبض نظاماً على المتهم أن يفتشه ويشمل التفتيش جسده وملابسه أمتعته. وإذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش من قبل أنثى يندبها رجل الضبط الجنائي.( م/42 )
2 - إذا قامت أثناء تفتيش منزل متهم قرائن ضده، أو ضد أي شخص موجود فيه على أنه يخفي معه شيئاً يفيد في كشف الحقيقة جاز لرجل الضبط الجنائي أن يفتشه. ( م/44 )
ومن ذلك يتبين أن لرجل الضبط الجنائي تفتيش المتهم بشرطين :
الأول : أن يجوز القبض عليه نظاما، وتعليل ذلك أنه إذا جاز القبض على الشخص جاز تفتيشه من باب أولى.
الثاني: أن تقوم قرائن أثناء تفتيش منزل المتهم أنه يخفي معه أشياء تفيد في كشف الحقيقة.
ب - تفتيش غير المتهم :
يجوز لرجل الضبط الجنائي تفتيش الشخص غير المتهم بشرطين:
الأول: أن تقوم قرائن أثناء تفتيش منزل المتهم أن هذا الشخص يخفي معه أشياء تفيد في كشف الحقيقة. ( م/44 )
الثاني: أن يتضح من أمارات قوية أن هذا التفتيش سيفيد في التحقيق. (م/54 ) 

أما المحقق فله تفتيش المتهم وغير المتهم إذا اتضح من أمارات قوية أنه يخفي أشياء تفيد في كشف الحقيقة، ويراعى في التفتيش حكم المادة الثانية والأربعين. (م/81 )
* ثانيا - تفتيش المساكن :
وهذا التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق، الذي يتم بناء على جريمة قد وقعت بالفعل ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المسكن المراد تفتيشه بارتكاب جريمة، أو باشتراكه في ارتكابها، وقد وضع نظام الإجراءات الجزائية لتفتيش المساكن ضوابط منها:
1 - تشمل حرمة المسكن كل مكان مسور أو محاط بأي حاجز، أو معد لاستعماله مأوى. ( م/40 )
2 - تفتيش المساكن عمل من أعمال التحقيق، ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المسكن المراد تفتيشه بارتكاب جريمة، أو باشتراكه في ارتكابها، أو إذا وجدت قرائن تدل على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة. ( م/80 )
3 - للمحقق أن يفتش أي مكان ويضبط كل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة بما في ذلك الأوراق والأسلحة، وفي جميع الأحوال يجب أن يعد محضرا عن واقعة التفتيش يتضمن الأسباب التي بني عليها ونتائجه، مع مراعاة أنه لا يجوز دخول المساكن أو تفتيشها إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاما وبأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام. ( م/80 )
4 - يجب أن يكون التفتيش نهاراً من بعد شروق الشمس وقبل غروبها في حدود السلطة التي يخولها النظام، ولا يجوز دخول المساكن ليلاً إلا في حال التلبس بالجريمة. ( م/51 )
5 - يجب على المحقق وعلى كل من وصل إلى علمه بسبب التفتيش معلومات عن الأشياء والأوراق المضبوطة أن يحافظ على سريتها وألا ينتفع بها بأي طريقة كانت أو يفضي بها إلى غيره، إلا في الأحوال التي يقضي النظام بها، فإذا أفضى بها دون مسوغ نظامي أو انتفع بها بأي طريقة كانت تعينت مساءلته. ( م/60 ) 

6 - يتم تفتيش المسكن بحضور صاحبه أو من ينيبه أو أحد أفراد أسرته البالغين المقيمين معه، وإذا تعذر حضور أحد هؤلاء وجب أن يكون التفتيش بحضور عمدة الحي أو من في حكمه أو شاهدين، ويمكن صاحب المسكن أو من ينوب عنه من الاطلاع على إذن التفتيش ويثبت ذلك في المحضر. (م/46)
7 - لا يجوز لرجل الضبط الجنائي الدخول في أي محل مسكون أو تفتيشه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً ، بأمر مسبب من هيئة التحقيق والادعاء العام. (م/41 )
8 - في ماعدا المساكن يكتفى في التفتيش بإذن مسبب من المحقق. ( م/41)
9 - إذا رفض صاحب المسكن أو شاغله تمكين رجل الضبط الجنائي من الدخول أو قاوم دخوله، جاز له أن يتخذ الوسائل اللازمة المشروعة لدخول المسكن بحسب ما تقتضيه الحال. ويجوز دخول المسكن في حالة طلب المساعدة من الداخل، أو حدوث هدم أو غرق أو حريق أو نحو ذلك، أو دخول معتد أثناء مطاردته للقبض عليه. ( م/41 )
10 - إذا لم يكن في المسكن المراد تفتيشه إلا المتهمة وجب أن يكون مع القائمين بالتفتيش امرأة. ( م/52 )
11 - لا يجوز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع المعلومات عنها، أو التحقيق بشأنها ومع ذلك إذا ظهر عرضاً في أثناء التفتيش وجود أشياء تعد حيازتها جريمة، أو تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى، وجب على رجل الضبط الجنائي ضبطها وإثباتها في محضر التفتيش. (م/45)
12 - قبل مغادرة مكان التفتيش توضع الأشياء والأوراق المضبوطة في حرز مغلق، وتربط كلما أمكن ذلك، ويختم عليها، ويكتب على شريط داخل الختم تاريخ المحضر المحرر بضبطها، ويشار إلى الموضوع الذي حصل الضبط من اجله. (م/49).
13 - إذا وجد رجل الضبط الجنائي في منزل المتهم أوراقا مختومة أو مغلقة بأي طريقة فلا يجوز له أن يفضها، وعليه إثبات ذلك في محضر التفتيش وعرضها على المحقق المختص. ( م/48 )
14 - يجب أن يتضمن محضر التفتيش ما يأتي: 

(1) اسم من قام بإجراء التفتيش ووظيفته وتاريخ التفتيش وساعته.
(2) نص الإذن الصادر بإجراء التفتيش، أو بيان الضرورة الملحة التي اقتضت التفتيش بغير إذن.
(3) أسماء الأشخاص الذين حضروا التفتيش وتوقيعاتهم على المحضر.
(4) وصف الأشياء التي ضبطت وصفاً دقيقاً.
(5) إثبات جميع الإجراءات التي اتخذت أثناء التفتيش، والإجراءات المتخذة بالنسبة للأشياء المضبوطة. ( م/47) 











مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية

المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي

الطبعة: الثانية 1427

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید