المنشورات

حد

1 - التعريف: -
الحَدُّ في اللغة: المنع ، وحُدُود اللَّه تعالى محارمه ، وهي: الأشياء التي بيَّن تحريمها وتحليلها ، وأَمر أَن لا يُتعدى شيء منها فيتجاوز إلى غير ما أَمر فيها أَو نهى عنه منها ، ومنع من مخالفتها ، واحِدُها حَدّ ؛ قال تعالى: { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا } [ البقرة الآية 187] ، وسمي الحد بذلك لأنه يمنع المحدود وغيره من المعاودة (1).
والحد في الاصطلاح: عقوبة مقدرة شرعا في معصية، لتمنع من الوقوع في مثلها(2).
وعرف الحد أيضاً بأنه: عقوبة مقدرة، شرعت لصيانة الأنساب، والأعراض، والعقول، والأموال، وتأمين السبل(3).
2 - فضل إقامة الحدود:-
الحدود شرعها الله سبحانه وتعالى رحمة بعباده، ومقاصد الشريعة الإسلامية تقتضي إقامة الحدود وإعلانها بين الناس، إذ بإقامة الحدود يعم الأمن والرخاء، وتحفظ الأنساب والأموال، وقد أمر الله تعالى، بإقامة الحدود، وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } [ النور 2 ]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم)(4)، وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ( حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا )(5).
3 - شروط إقامة الحد:
يشترط لإقامة الحدود عموما الشروط التالية:-
1 - الأهلية ويقصد بها ( العقل، والبلوغ، الرضا ). 

2 - الإقامة في دار الإسلام، لكن لو ارتكب المسلم الجريمة الموجبة للحد خارج البلاد الإسلامية ثم عاد لبلاد المسلمين، فإن الحد يقام عليه.
3 - الصحة، إذا كان الحد غير القتل، لأن المريض غالبا لا يحتمل الجلد، فيؤجل الحد حتى يزول المرض ، أما إن كان المرض لا يرجى برؤه ، فإنه يحتال لإقامة الحد عليه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ، في المريض الذي زنا: (خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة واحدة )(1).
4 - انتفاء الحمل، واستغناء المولود عن أمه التي سيقام عليها الحد، لما ثبت من قصة الغامدية.
5 - انتفاء الشبهة، لما رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة )(2).
6 - العلم بالتحريم، لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( لا حد إلا على من علمه )(3).
4 - الحدود المقدرة شرعا:
الحدود المقدرة شرعا سبعة هي: -
1 - حد الزنا. 2 - حد القذف. 3 - حد شرب المسكر.
4 - حد السرقة. 5 - حد الحرابة. 6 - حد الردة.…
7 - حد البغي.
( ينظر ما يتعلق بهذه الحدود في مصطلحاتها )
5 - الفرق بين الحد والقصاص:-
هناك بعض الفروق بين الحد والقصاص ومنها: -
1 - لا تجوز الشفاعة في الحدود وتجوز في القصاص.
2 - لا يصح العفو في جرائم الحدود ويصح في القصاص.
3 - الحدود حق لله تعالى ـ باستثناء حد القذف ـ والقصاص حق لآدمي.
6 - الفرق بين الحد والتعزير:
1 - الحد عقوبة مقدرة من حيث الجنس والقدر والصفة، والتعزير عقوبة غير مقدرة لا جنسا، ولا قدرا ولا صفة. 

2 - يشترط في إقامة الحدود التكليف، بأن يكون المجرم بالغا عاقلا، ولا يشترط ذلك في التعزير، فقد يعزر الصبي، والمجنون، لكن يعتبر تعزيرهما تعزير تأديب لا تعزير عقوبة.
3 - موجبات العقوبة الحدية معينة، وموجبات التعزير لا حصر لها.
4 - لا تقام الحدود مع الشبهة، بخلاف التعزير فإنه ينفذ مع الشبهة.
7 - طرق إثبات جرائم الحدود:
جرائم الحدود تثب بطريقين، الإقرار، والشهادة، إذا استوفيا شروطهما وأركانهما، وانتفت موانعهما هذا باتفاق العلماء.
8 - مسقطات الحدود:
يسقط الحد بالأمور التالية: -
1 - الرجوع عن الإقرار بارتكاب الجريمة الموجبة للحد، لما جاء في قصة ماعز رضي الله عنه، عندما هرب، وتبعه الصحابة فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال: ( هلاَّ تركتموه.... ).
2 - رجوع الشهود عن شهادتهم.
3 - دعوى الإكراه.
9 - الشفاعة في الحدود:
تحرم الشفاعة وقبولها في حد من حدود الله تعالى، بعد أن يبلغ الإمام، لقوله صلى الله عليه وسلم لصفوان ابن أميه: ( فهلاَّ قبل أن تأتيني به )(1).
ولما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر مرفوعا: ( من حالة شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد لله في أمره )(2).
ولما جاء في الصحيحين من خبر شفاعة أسامة بن زيد رضي الله عنه في المخزومية، التي سرقت، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتشفع في حد من حدود الله )(3). وسيأتي مزيد بيان لهذه المسألة إن شاء الله: في مادة: شفاعة.
10 - ضابط بلوغ الحدود للسلطان: 

المقصود بالسلطان الإمام أو نوابه، ومن نواب الإمام في هذا الشأن أمراء المناطق، والقضاة، فإذا بلغتهم قضايا الحدود حرمت الشفاعة فيها ، وكذلك الحال بالنسبة لرؤساء هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورؤساء مراكز الشرطة، ورؤساء الجهات الحكومية الأخرى المختصة بالضبط الجنائي.
جاء في المدونة: ( قلت: أرأيت القذف , أتصلح فيه الشفاعة بعدما ينتهي إلى السلطان؟ قال: قال مالك: لا تصلح فيه الشفاعة إذا بلغ السلطان أو الشرط أو الحرس. قال : ولا يجوز فيه العفو إذا بلغ الإمام إلا أن يريد سترا.
قال مالك: والشرط والحرس عندي بمنزلة الإمام , إذا وقع في أيديهم لم تجز الشفاعة بعد , ولا يجوز لهم أن يخلوه فإن عفا المقذوف عن ذلك بعد بلوغ السلطان لم يجز عفوه عند مالك إلا أن يريد سترا ) (1).
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن ذلك بما نصه:
هل الهيئة - هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - نائبة عن السلطان، بمعنى أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع ) هل إذا وصلت القضية إلى الهيئة لا يجوز لهم أن يتنازلوا عنها، أو تستر، أم لابد من رفع كل قضية يقبض عليها، وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله بما نصه : ( رؤساء الهيئات الذي يظهر لي أنهم سلطان مثل الأمراء، إذا بلغتهم القضية عليهم أن يرفعوها لمراجعهم، أما الأعضاء فليسوا سلطانا، العضو مثل الجندي ليس بسلطان إذا رأى الستر فليستر، إلا إذا عُمِّد من جهة مرجعه بأن مهما وجد فليرفع، فعليه التنفيذ، وأما إذا لم يعمَّد ورأى أن الستر فيه مصلحة فلا بأس أن يستر، ولكن لأجل المصلحة، لا لأجل الدنيا وحطامها ونحو ذلك من الاعتبارات )(2).
11 - درء الحدود بالشبهات: 

الحد عقوبة من العقوبات التي توقع ضررا في جسد الجاني وسمعته، ولا يحل استباحة حرمة أحد، أو إيلامه إلا بالحق ولا يثبت هذا الحق إلا بالدليل الذي لا يتطرق إليه شك، فإن تطرق إليه شك كان ذلك مانعا من اليقين الذي تنبني عليه الأحكام ؛ ومن أجل هذا كانت التهم والشكوك لا عبرة لها ولا اعتداد بها، لأنها مظنة الخطأ ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا ) رواه ابن ماجة(1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ) رواه الترمذي(2).
ومن الشبهات التي يدرأ بها الحد على سبيل المثال: دعوى الاغتصاب ، ووطء الرجل لامرأة زفت إليه وتبين أنها ليست زوجته، أو دعوى الإكراه ، ونحو ذلك.
12 - من له حق إقامة الحدود:
اتفق الفقهاء على أن الحاكم أو من ينيبه عنه هو الذي يقيم الحدود، وأنه ليس للأفراد أن يتولوا هذا العمل من تلقاء أنفسهم، وذلك لأنه يفتقر إلى اجتهاد ولا يؤمن فيه الحيف، فوجب تفويضه للإمام، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقيم الحدود في حياته، وكذلك خلفاؤه من بعده، ويقوم نائب الإمام مقامه، لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة العسيف: (... واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها )(3)، فاعترفت فرجمها أنيس رضي الله عنه، بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك لأمره صلى الله عليه وسلم للصحابة، برجم ماعز رضي الله عنه.
13 - إقامة الحد على من جاء تائبا:
اتفق العلماء على أن حد الحرابة لا يقام على من جاء تائبا قبل القدرة عليه، واختلفوا فيما عدا ذلك من الحدود. 

قال ابن القيم رحمه الله: ( المسلك الوسط أن الإمام مخير بين إقامة الحد وتركه فيمن جاء تائبا، كما أقامه النبي صلى الله عليه وسلم على ماعز، والغامدية، وقال لصاحب الحد الذي اعترف به اذهب فقد غفر الله لك )(1).
14 - إقامة الحد على غير المسلم:
قال ابن القيم - رحمه الله - : ( ثبت في الصحيحين والمسانيد أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ) ؛ قالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق يا محمد، إن فيها الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما(2). فتضمنت هذه الحكومة أن الإسلام ليس بشرط في الإحصان، وإن الذمي يحصن الذمية وإلى هذا ذهب أحمد والشافعي )(3).
وقال سيد سابق رحمه الله: ( كما لا تشترط الحرية في إقامة الحد، فإنه لا يشترط الإسلام كذلك، فالكتابيون من اليهود الذين يتجنسون بجنسية الدولة المسلمة، ويعيشون معهم مواطنين - الذميين - مثل الأقباط في مصر، وكذلك الكتابيون الذين يقيمون مع المسلمين بعقد أمان إقامة موقوتة - المستأمنين - مثل الأجانب، هؤلاء يقام عليهم الحد إذا شربوا الخمر في دار الإسلام لأن لهم مالنا وعليهم ما علينا )(4). والذي عليه العمل اليوم أن من ارتكب جناية موجبة للحد، من الكفار الذين يقيمون بديار المسلمين، يعاقب، فمن العلماء من يرى أنها عقوبة حدية، ومنهم من يرى أنها تعزيرية.
15 - مكان إقامة الحدود: 

تقام الحدود في الأماكن العامة كالساحات القريبة من الأسواق، أو من المساجد، لكي يحضرها الناس ويشاهدوا إقامة الحد، ليكون الزاجر ابلغ وأعم ؛ وتحرم إقامة الحدود في المساجد، لحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار وأن تقام فيه الحدود )(1).
16 - صفة تنفيذ عقوبة الحد: ( أنظر كل حد في مادته).
17 - إعلان إقامة الحدود:-
الحدود من جملة العقوبات التي فرضها الله تعالى لتكون زواجر رادعة عن ارتكاب المحظورات، قال تعالى: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة 179 ] ؛ ومن مقاصد الشريعة الإسلامية محاربة الجريمة قبل وقوعها، وهذا يتحقق بإعلان العقوبات والحدود، وقد قال الله سبحانه وتعالى عن عقوبة الزنا: { èô‰pkôuٹّ9ur عَذَابَهُمَا ×pxےح!$sغ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ النور 2 ] ؛ فدل ذلك على جواز إعلان عقوبة الحدود.
18 - تداخل الحدود:
إذا اجتمعت حدود لله تعالى من جنس واحد، كأن يزني الشخص مرارا، أو يسرق مرارا، أو يشرب الخمر مرارا، فإنه يحد عن هذا الفعل المتكرر وهو من جنس واحد مرة واحدة، قال ابن المنذر: (وأجمعوا أن السارق إذا سرق مرات، إذا قدم إلى الحاكم في آخر السرقات، أن قطع يده يجزي من ذلك كله)(2) ؛ لأن الغرض من العقوبة الزجر وهو حاصل بحد واحد.
وإن كانت الحدود من أجناس مختلفة، ولم يكن فيها قتل، كمن زنى وهو غير محصن، وشرب الخمر، وسرق، فلا تتداخل، بل يجب إقامتها كلها، ابتداء بالأخف فالأخف، فيحد للشرب أولا، ثم يجلد للزنا، تم يقطع للسرقة. 

وإن كان فيها قتل، كأن يكون الزاني في المثال السابق محصنا، استوفي القتل وحده، لقول ابن مسعود رضي الله عنه: ( إذا اجتمع حدان أحدهما القتل، أتى القتل على الآخر )(1).
وتستوفى حقوق الآدمي كلها سواء كان فيها قتل أو لم يكن فيها، ويبدأ وجوبا بغير القتل، بالأخف فالأخف. ( راجع التفصيل في مصطلح: تداخل) 















مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية

المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي

الطبعة: الثانية 1427

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید