المنشورات
دعوى
1 - التعريف:
الدَّعْوَى في اللغة: اسمٌ لما يَدَّعيه الشخص، يقال: دعوى فلان كذا، أي قوله، وجمعها دعاوى، ودعاوٍ(1).
وفي الاصطلاح: الدعوى: قول مقبول عند القاضي يقصد به قائله طلب حق معلوم قبل غيره حال المنازعة، أو دفعه عن حق نفسه(2).
وفي القانون الوضعي: هي الحق الذي يعود لكل ذي مطلب بأن يتقدم به إلى القضاء للحكم له بموضوعه(3).
2 - حكم الدعوى:
لما كانت الدعوى في حقيقتها إخبارا يقصد به طلب حق أمام القضاء، وهي تحتمل الصدق والكذب، فمن البدهي أن تكون محرمة إذا كانت دعوى كاذبة، وكان المدعي يعلم ذلك، أو يغلب ذلك على ظنه.
أما إذا كان يغلب على ظنه أنه محق في دعواه، فهي عندئذ تصرف مباح، فله أن يرفعها، إلا إذا كان يقصد بها الضرار، فتكون محرمة، كما لو كان يعلم أن غريمه لا ينكر حقه، وأنه على استعداد لتوفيته إياه، فيرفع الدعوى للتشهير به، فتكون محرمة.
3 - أركان الدعوى:
أركان الدعوى عند جمهور الفقهاء هي(4):
1 - المدعي: هو من يلتمس بقوله أخذ شيء من يد غيره، أو إثبات حق في ذمته.
2 - المدعى عليه: هو من ينفي دعوى المدعي.
3 - المدعى به: هو الحق الذي يطالب به المدعي، فهو موضوع الدعوى.
4 - القول الذي يصدر عن المدعي: وهو طلب حق لنفسه أو لمن يمثله.
4 - أنواع الدعاوى باعتبار صحتها:
* أولا: الدعوى الصحيحة: وهي الدعوى المستوفية لجميع شروطها، وتتضمن طلبا مشروعاً، وهذه الدعوى يترتب عليها جميع أحكامها، فيكلف الخصم بالحضور، وبالجواب إذا حضر، وتطلب البينة من المدعي إذا أنكر خصمه، وتوجه اليمين إلى المدعى عليه إن عجز المدعي عن البينة.
* ثانيا: الدعوى الفاسدة: وهي الدعوى التي استوفت جميع شروطها الأساسية، ولكنها مختلة في بعض أوصافها بصورة يمكن إصلاحها وتصحيحها، كأن يدعي شخص على آخر بدين ولا يبين مقداره، أو يدعي عليه استحقاق عقار ولا يبين حدوده ؛ وترجع أسباب الفساد في الدعوى إلى تخلف أحد شرطين هما:
أ - شرط المعلومية: معلومية المدعى، كما في المثالين السابقين، أو معلومية سبب الاستحقاق فيما يشترط فيه ذكره من الدعاوى.
ب - الشروط المطلوبة في التعبير المكون للدعوى، كما لو كانت الدعوى في طلب عين من الأعيان، ولم يذكر المدعي فيها أنها بيد المدعى عليه، أو يكون متردداً في الألفاظ التي يستعملها، كأن يقول: أشك أو أظن أن لي على فلان ألف درهم مثلا. ففي جميع هذه الحالات لا ترد الدعوى، وإنما يطلب من المدعي إكمال ما ينقصها، فإن فعل ذلك نظرت دعواه، وطلب الجواب من خصمه، وإلا فترد إلى أن يصححها.
وهذا الاصطلاح في تسمية هذه الأنواع من الدعاوى بالفاسدة اختص به فقهاء الحنفية. غير أن فقهاء الشافعية ذكروا هذا النوع من الدعاوى، وجعلوا له الأحكام ذاتها، إلا أنهم يسمونها بالدعاوى الناقصة. والدعوى الناقصة عندهم هي: كل دعوى يفتقر الحاكم في فصل الخصومة معها إلى شيء آخر.
* ثالثا: الدعوى الباطلة: وهي الدعوى غير الصحيحة أصلا، ولا يترتب عليها حكم؛ لأن إصلاحها غير ممكن. وتعود أسباب البطلان في الدعاوى إلى فقد أحد الشروط الأساسية المطلوبة فيها. ومن أمثلة الدعوى الباطلة الدعوى التي يرفعها الشخص، ولا يكون له في رفعها صفة، كأن يكون فضولياً، فلا تسمع دعواه وتكون باطلة ؛ وكذلك الدعوى المرفوعة على من ليس بخصم، والدعوى المرفوعة ممن ليس له أهلية التصرفات الشرعية، والدعوى التي لا تستند إلى حق ولو في الظاهر، كمن يطلب في دعواه الحكم على آخر بوجوب إقراضه مالا لأنه معسر، ودعوى ما ليس مشروعا، كدعوى المطالبة بثمن خمر، أو خنزير، أو ميتة(1).
5 - أقسام الدعاوى عند ابن تيمية:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الدعاوى قسمان: دعوى تهمة، وغير تهمة. فدعوى التهمة: أن يدعي فعلا يحرم على المطلوب يوجب عقوبته ; مثل قتل ; أو قطع طريق أو سرقة ; أو غير ذلك من أنواع العدوان المحرم كالذي يستخفي به بما يتعذر إقامة البينة عليه في غالب الأوقات في العادة. وغير التهمة: أن يدعي دعوى عقد من بيع أو قرض أو رهن أو ضمان أو دعوى لا يكون فيها سبب فعل محرم ; مثل دين ثابت في الذمة من ثمن بيع أو قرض أو صداق أو دية خطأ أو غير ذلك. فكل من القسمين قد يكون دعوى حد لله عز وجل محض كالشرب والزنا ؛ وقد يكون حقا محضا لآدمي: كالأموال ؛ وقد يكون فيه الأمران كالسرقة وقطع الطريق. فهذان القسمان إذا أقام المدعي فيه حجة شرعية وإلا فالقول قول المدعى عليه مع يمينه; لما روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ; ولكن اليمين على المدعى عليه } (1)، وفي رواية في الصحيحين عن ابن عباس: { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه } (2)، فهذا الحديث نص أن أحدا لا يعطى بمجرد دعواه... )(3).
6 - دعوى الحسبة:
الدعوى هي طلب شخص حقه من آخر في حضور الحاكم كما سبق، فهي أصلا تحتاج إلى طالب وهو المدعي، ومطالب به وهو المدعى به، ومطلوب منه وهو المدعى عليه. وإذا كان المدعى به من حقوق العباد فلا تتحقق الدعوى بغير الطلب من مدع معين كما هو الأصل. أما إذا كان من حقوق الله تعالى كالحدود والتعدي على ما يرجع منافعه للعامة، فلا تحتاج إلى مدع خاص، وتقبل فيها شهادة الحسبة(1). قال الدكتور/ عبد الكريم زيدان: ( وفي نطاق القضاء يراد بدعوى الحسبة، تلك الدعوى التي يتقدم بها الشخص إلى القاضي دون أن يطلب بها حقاً خاصا لنفسه، وإنما يطلب بها حقا لله تعالى، ويكون هو مدعياً وشاهداً في آن واحد في هذه الدعوى، كما لو ادعى شخص بأن فلانا طلق زوجته ثلاثا وهو لا يزال يعاشرها معاشرة الأزواج ويطلب التفريق بينهما )(2).
7 - ذكر السبب في الدعاوى الجنائية:
لم يختلف الفقهاء في وجوب ذكر السبب في الدعوى الجنائية، ففي دعوى القتل مثلا يشترط ذكر القتل وهل هو عن عمد أو عن خطإ ، وإلا فإن الدعوى لا تكون صحيحة حتى يصححها صاحبها، وسبب ذلك أن الفائت بالقتل ونحوه من الجنايات لا يعوض، وقد يحكم بشيء لا يمكن رده بعد الحكم، ولأن الأحكام الصادرة في هذه الدعاوى تتعلق بالأصول التي جاء الإسلام لحفظها، وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فلا يجوز التهاون في أمرها، ولأن الحدود والقصاص تدفع بالشبهات، وعدم التفصيل في دعواها يورث شبهة، فلا تقبل.
8 - الدعوى الكيدية: ( أنظر مصطلح: كيد )
9 - الدعوى العامة:
الدعوى العامة هي: المطالبة بحق عام لا يخص شخص بعينه، بل يشترك فيه كافة المجتمع كالدعوى على شارب الخمر، وعلى متعاطي المخدرات، وفي جرائم القتل بعد سقوط القصاص، والدعوى على كل من ارتكب جريمة تشكل خطرا على الأمن العام، فالحق المتعلق بهذه الجرائم هو حق عام لكل أفراد المجتمع.
قال الدكتور/ سعد بن ظفير: ( إن الذي يتولى إقامة الدعوى بحقوق الله تعالى هو الحاكم المسلم ، أو نائبه، ورجال الحسبة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو غيرهم ممن يدخلون تحت هذا المصطلح.فقد أناط الشرع الإسلامي مهمة إقامة الحدود بهم لاعتبارات هامة، ويتضمن هذا التكليف إقامة الدعوى بها. والذي يتولى هذه السلطة اليوم هو ما اصطلح على تسميته بالمدعي العام أو نائب المدعي العام ، كما هو الاصطلاح في المملكة العربية السعودية، وبعض البلاد العربية الأخرى ؛ أو النيابة العامة كما هو الحال في بعض القوانين العربية )(1).
وقد نصت الفقرة ( ج ) من البند أولا من المادة الثالثة من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام على اختصاص الهيئة بالادعاء أمام الجهات القضائية وفقا للائحة الهيئة التنظيمية. وبينت ( المادة الستون ) من مشروع اللائحة التنظيمية لهيئة التحقيق والادعاء العام مهام المدعي العام على النحو التالي:
1 - يتولى المدعي العام مباشرة دعوى الحق العام أمام الجهات القضائية المختصة بنفسه في المواعيد التي تحددها، وتقديم أدلة إثبات الجريمة وطلب إدانة المتهم وتوقيع العقوبة اللازمة عليه.
2 - يباشر المدعي العام دعوى الحق العام بموجب لائحة يبرز فيها الوقائع الثابتة في القضية، والأوصاف الجرمية، وأدلتها والدور الجرمي لكل متهم، والإشارة للنصوص الشرعية، أو النظامية للعقوبة المنطبقة وطلب إنزالها بحق المتهمين، وتكون هذه اللائحة مستندة إلى الاستدلالات، أو إلى قرار الاتهام أو إلى الأمرين معا.
3 - على المدعي العام التصدي لكل ما يدفع به المتهم أو وكيله للتنصل من التهمة، أو الطعن في التحقيقات أو تجريح الأدلة.
4 - إذا ظهر أثناء نظر الدعوى أدلة نفي مؤكدة فلا يجوز للمدعي العام أن يطلب البراءة للمتهم بل يترك الأمر للمحكمة.
10 - رفع الدعوى الجنائية :
ورد في الفصل الأول من الباب الثاني من نظام الإجراءات الجزائية ، بيان كيفية رفع الدعوى الجزائية على النحو التالي:
1 - تختص هيئة التحقيق والادعاء العام وفقاً لنظامها بإقامة الدعوى الجزائية ومباشرتها أمام المحاكم المختصة. ( م/16 )
2 - للمجني عليه أو من ينوب عنه، ولوارثه من بعده ، حق رفع الدعوى الجزائية في جميع القضايا التي يتعلق بها حق خاص، ومباشرة هذه الدعوى أمام المحكمة المختصة.وعلى المحكمة في هذه الحالة تبليغ المدعي العام بالحضور.(م/17)
3 - لا يجوز إقامة الدعوى الجزائية أو إجراءات التحقيق في الجرائم الواجب فيها حق خاص للأفراد إلا بناءاً على شكوى من المجني عليه أو من ينوب عنه أو وارثه من بعده إلى الجهة المختصة ، إلا إذا رأت هيئة التحقيق والادعاء العام مصلحة عامة في رفع الدعوى والتحقيق في هذه الجرائم. (م/18 )
4 - إذا تبين للمحكمة في دعوى مقامة أمامها أن هناك متهمين غير من أقيمت الدعوى عليهم ، أو وقائع أخرى مرتبطة بالتهمة المعروضة فعليها أن تحيط من رفع الدعوى علماً بذلك، لاستكمال ما يلزم لنظرها والحكم فيها بالوجه الشرعي، ويسري هذا الإجراء على محكمة التمييز إذا ظهر لها ذلك. ( م/20 )
11 - لائحة الدعوى العامة:
يقوم المدعي العام بتقديم دعواه مكتوبة، بصحيفة تسمى ( لائحة الدعوى العامة ) ويجب أن تشتمل هذه اللائحة على بيانات أساسية، مثل:
1 - البيانات المتعلقة بالمتهم: اسمه، وعمره، وجنسيته، ورقم هويته، وبيان إن كان موقوفا أو مطلقا، وتاريخ توقيفه، وبيان حالته - في جرائم الزنا - إن كان محصنا، أو غير محصن، وفي جرائم الحدود، تبين الديانة.
2 - مضمون الدعوى: وهو بيان نوع الدعوى التي يدعي بها ضد المتهم.
3 - الوقائع: وتشمل كيفية القبض على المتهم، والتحقيق معه، وإنكاره أو إقراره، وشهادة الشهود، وتفصيل الأدلة، والقرائن، المستند عليها في توجيه الاتهام، وما انتهى إليه التحقيق.
4 - ذكر موجز للأدلة المستند عليها مرتبة حسب الأقوى فالأقوى.
5 - السوابق: فتبين السوابق الموجودة على المتهم، ويلاحظ أنها لا تدخل ضمن الأدلة.
6 - الطلب: ويتضمن نوع العقوبة التي يطالب المدعي العام بإيقاعها على المتهم، سواء كانت حدية أو تعزيرية.
7 - تختم لائحة الدعوى العامة باسم وتوقيع المدعي العام.
12 - انقضاء الدعوى الجنائية:
بيَّن نظام الإجراءات الجزائية في المادتين (22، 23 ) كيفية إنقضاء الدعوى الجزائية على النحو التالي:
* تنقضي الدعوى الجزائية العامة في الحالات الآتية:
1 - صدور حكم نهائي.
2 - عفو ولي الأمر فيما يدخله العفو.
3 - ما تكون التوبة فيه بضوابطها الشرعية مسقطة للعقوبة.
4 - وفاة المتهم.
ولا يمنع ذلك من الاستمرار في دعوى الحق الخاص.
* وتنقضي الدعوى الجزائية الخاصة في الحالتين الآتيتين:
1 - صدور حكم نهائي.
2 - عفو المجني عليه أو وارثه.
ولا يمنع عفو المجني عليه، أو وارثه من الاستمرار في دعوى الحق العام.
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية
المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي
الطبعة: الثانية 1427
28 يناير 2025
تعليقات (0)