المنشورات
ردة
1 - التعريف:
الرِّدّة لغة: بالكسر: مصدر قولك ردَّه يَرُدُّه رَدّاً ورِدَّة. والرِّدَّةُ: الاسم من الارتداد. وهو الرجوع عن الشيء ، ومنه الردة عن الإسلام ؛ قال الله تعالى: { اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ } [ البقرة 217 ]. أي يرجع عنه(1).
وفي الاصطلاح: الردة: هي الإتيان بما يخرج به عن الإسلام ; إما نطقا , أو اعتقادا , أو شكا ينقل عن الإسلام(2).
والمرتد: هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر، قال الله تعالى: { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة آية 217 ]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( والمرتد من أشرك بالله تعالى أو كان مبغضا للرسول ولما جاء به أو ترك إنكار منكر بقلبه أو توهم أن أحدا من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار أو أجاز ذلك أو أنكر مجمعا عليه إجماعا قطعيا أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ومن شك في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهلها فمرتد وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد , ولهذا لم يكفر النبي الرجل الشاك في قدرة الله , وإعادته لأنه لا يكون إلا بعد الرسالة ومنه قول عائشة رضي الله عنها: مهما يكتم الناس يعلمه الله , قال : نعم)(3).
2 - أركان الردة:
الردة تتحقق بركنين:
الأول: الرجوع عن الإسلام، سواء كان ذلك بالاعتقاد، أو القول، أو الفعل، أو الترك، وسيأتي مزيد بيان لكل حالة من هذه الحالات.
الثاني: القصد، بمعنى أن يأتي المرتد ما تحصل به الردة من اعتقاد أو قول أو فعل أو ترك وهو يعلم أنه أمر كفري يخرجه عن الإسلام.
3 - ما تحصل به الردة:
تنقسم الأمور التي تحصل بها الردة إلى أربعة أقسام:
أ - ردة في الاعتقاد:
كمن اعتقد وجود شريك مع الله، أو جحد وجود الله، أو نفى صفة ثابتة من صفاته، أو أثبت لله الولد فهو مرتد كافر، لقوله تعالى: { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } [ النساء 48 ] ؛ وكذلك من قال بقدم العالم أو بقائه, أو شك في ذلك؛ ودليل ذلك قوله تعالى: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [القصص 88 ] ؛ ويكفر من جحد القرآن كله أو بعضه, ولو كلمة؛ وقال البعض: بل يحصل الكفر بجحد حرف واحد ؛ كما يقع الكفر باعتقاد تناقضه واختلافه, أو الشك بإعجازه، أو إسقاط حرمته، أو الزيادة فيه.
وكذلك يعتبر مرتدا من اعتقد كذب النبي صلى الله عليه وسلم في بعض ما جاء به، ومن اعتقد حل شيء مجمع على تحريمه، كالزنا وشرب الخمر، أو أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة.
ب - ردة في الأقوال:
ومن ذلك سب الله تعالى، فقد اتفق الفقهاء على أن من سب الله تعالى كفر، سواء كان مازحا أو جادا أو مستهزئا ؛ وقد قال تعالى: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ.لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } [التوبة آية 65، 66 ].
وكذلك سب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ويعتبر سابا له صلى الله عليه وسلم كل من ألحق به صلى الله عليه وسلم عيبا أو نقصا، في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو ازدراه، أو عرَّض به، أو لعنه، أو شتمه، أو عابه ، أو قذفه، أو استخف به ، ونحو ذلك.
وكذلك من سب نبيا من الأنبياء الذين أخبر الله تعالى عن نبوتهم، أو أخبر عنها نبينا صلى الله عليه وسلم.
وكذلك يعتبر مرتدا من سب الدين أو أعتقد عدم شمول الشريعة الإسلامية لجميع الأحكام، أو عدم صلاحيتها لكافة العصور، أو المجتمعات، ونحو ذلك.
ج - ردة في الأفعال:
اتفق الفقهاء على أن إلقاء المصحف في محل قذر يوجب الردة ; لأن فعل ذلك استخفاف بكلام الله تعالى، فهو أمارة عدم التصديق ؛ وكذا كل فعل يدل على الاستخفاف بالقرآن الكريم ؛ كما اتفقوا على أن من سجد لصنم، أو للشمس، أو للقمر فقد كفر؛ ومن أتى بفعل صريح في الاستهزاء بالإسلام, فقد كفر لقوله تعالى: : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } [ التوبة 65].
د - ردة في الترك:
لا خلاف في أن من ترك الصلاة جاحدا لها يكون مرتدا، وكذا الزكاة والصوم والحج; لأنها من المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة(1).
4 - التحقيق في جريمة الردة:
جريمة الردة من الجرائم الخطيرة التي تتطلب من المحقق أخذ الحيطة والحذر، فالمرتد غالباً يكون ذا فكر منحرف، طبعه الجدال والمناظرة عما يعتقده، فيجب أن تكون الأسئلة الموجهة له مركزة وموضوعية ومحصورة في التهمة المنسوبة للمرتد، سواء كانت قولية أو فعلية.
5 - إثبات الردة:
تثبت الردة بالإقرار أو بالشهادة ؛ ولإثباتها بالشهادة شرطان هما:
أ - شرط العدد: اتفق الفقهاء على الاكتفاء بشاهدين في ثبوت الردة، ولم يخالف في ذلك إلا الحسن، فإنه اشترط شهادة أربعة.
ب - تفصيل الشهادة: يجب التفصيل في الشهادة على الردة بأن يبين الشهود وجه كفره، نظرا للخلاف في موجباتها ، وحفاظا على الأرواح.
وأما إذا ثبتت الردة بالإقرار ؛ فيجب أخذ إقرار المرتد مفصلا، وواضحا، وبيان الأمر الذي حصلت به الردة.
وفي كل الأحوال إذا ثبتت الردة بالإقرار، أو بالشهادة، فإنه يستتاب، فإن تاب فهو رجوع عن الردة ؛ وإن أنكر المرتد ردته و ما شُهِد به عليه اعتبر إنكاره توبة ورجوعا عند الحنفية فيمتنع القتل في حقه ؛ وعند الجمهور يحكم عليه بالشهادة ولا ينفعه إنكاره، بل يلزمه أن يأتي بما يصير به الكافر مسلما.
6 - عقوبة المرتد:
عقوبة المرتد الأصلية القتل حدا، وهناك عقوبة تبعية لهذه العقوبة، وهي مصادرة مال المرتد فماله لا يورث بل يكون فيئا لبيت مال المسلمين ؛ وإذا سقط القتل لأي سبب شرعي، فيصار إلى العقوبة البدلية وهي عقوبة التعزير بما يراه القاضي من جلد وحبس وتوبيخ ونحو ذلك.
جاء في مطالب أولي النهى: ( وقد أجمع المسلمون على وجوب قتل المرتد ما لم يتب، وسنده ما روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { من بدل دينه فاقتلوه } رواه الجماعة(1) إلا مسلما، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل وخالد بن الوليد وغيرهم، وسواء الرجل والمرأة ; لعموم الخبر. وروى الدارقطني، أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام، فبلغ أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن تستتاب، فإن تابت وإلا قتلت)(2).
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية
المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي
الطبعة: الثانية 1427
28 يناير 2025
تعليقات (0)