المنشورات

سحر

1 - التعريف:
السحر لغة: كل ما لطف مأخذه ودق ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: { إن من البيان لسحرا } (1) ، وسحره أي خدعه ، ومنه قوله تعالى: { )قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ } [الشعراء الآية 153] أي المخدوعين؛ وفي لسان العرب قال: الأزهري: السحر عمل تُقُرِّبَ فيه إلى الشيطان وبمعونة منه، كل ذلك الأمر كينونة للسحر، ومن السحر الأُخْذَة التي تأخذ العين حتى يُظنَّ أن الأمر كما يُرَى، وليس الأصل على ما يُرى ؛ والسحر: الأُخْذة ؛ وكل ما لطف مأخذه ودق، فهو سحر، والجمع أسحار وسُحُور، وسَحَره يَسْحَرُه سَحْراً وسِحْراً وسَحَّرَه، ورجل ساحر من قوم سحرة وسُحَّار، وسَحَّار من قوم سَحَّارين (2).
وفي الاصطلاح: عرفه العلماء كل بحسب اعتقاده في السحر، ومن ذلك:
تعريف ابن قدامة له بأنه: ( عزائم ورقى وعقد تؤثر في الأبدان والقلوب، فيمرض، ويقتل ، ويفرق بين المرء وزوجه ، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه)(3).
وعرفه الفخر الرازي بقوله: ( السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى سببه، ويتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع )(4).
والفرق بين تعريف ابن قدامة ، وتعريف الرازي ، هو: أن ابن قدامة يرى أن السحر له حقيقة، أما الرازي فيرى أن السحر لا حقيقة له.
وعرفه شيخنا صالح الفوزان حفظه الله فقال: ( السحر عبارة عن عزائم ورُقي وعقد يؤثر في بدن المسحور بالقتل أو بالمرض ، أو بالإخلال بعقله ، أو يفرِّق بين الزوجين ، أو يأخذ الزوج عن زوجته فلا يستطيع الوصول إليها)(5).
2 - بعض الألفاظ المتعلقة بالسحر:
أ - الشعوذة: 

قال ابن منظور: الشَّعْوَذَةُ: خِفَّةٌ في اليد وأَخْذٌ كالسحر يُرى الشيءَ بغير ما عليه أَصله في رأْي العين؛ ورجل مُشَعْوِذٌ ومُشَعْوَذٌ وليس من كلام البادية. والشَّعْوَذَةُ: السُّرْعَةُ، وقيل: هي الخفة في كل أَمْرٍ(1).
ب - النشرة:
النشرة ضرب من الرقية والعلاج يعالج به من كان يظن أن به مسا من الجن؛ سميت نشرة لأنه ينشر بها ما خامره من الداء، أي يكشف ويزال، قال الحسن: النشرة من السحر ؛ وفي الحديث أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن النشرة، فقال : { هي من عمل الشيطان } (2).
ج - العزيمة:
العزيمة من الرقى التي كانوا يعزمون بها على الجن، وجمعها، عزائم، يقال: عزم الراقي: كأنه أقسم على الداء، وأصلها فيما ذكره القرافي: الإقسام والتعزيم على أسماء معينة زعموا أنها أسماء ملائكة وكَّلهم سليمان بقبائل الجان، فإذا أقسم على صاحب الاسم ألزم الجن بما يريد.
ويوجد في هذا الزمان بعض الدجالين الذين يكتبون بعض الخطوط والطلاسم بماء الورد والزعفران على ورق أبيض ويبيعونها للعامة خاصة النساء ويزعمون أن فيها شفاء.
د - الرقية:
الرقية وجمعها الرقى، وهي ألفاظ خاصة يحدث عند قولها الشفاء من المرض، إذا كانت من الأدعية الشرعية التي يتعوذ بها من الآفات من الصرع والحمى، وفي الحديث { أعرضوا علي رقاكم } (3) وفي حديث آخر { لا رقية إلا من عين أو حمة } (4) ؛ ومن الرقى ما ليس بمشروع كرقى الجاهلية ، وكل ما أفضى إلى الأمور الشركية من الرقي فهو محرم.
هـ - الطلسم:
الطلسمات أسماء خاصة كانوا يزعمون أن لها تعلقا بالكواكب، تجعل في أجسام من المعادن أو غيرها، ويزعمون أنها تحدث آثارا خاصة. 

و - الأوفاق :
الأوفاق هي أعداد توضع في أشكال هندسية على شكل مخصوص، كانوا يزعمون أن من عمله في ورق وحمله يؤدي ذلك إلى تيسير الولادة، أو نصر جيش على جيش، أو إخراج مسجون من سجن ونحو ذلك ، وقد رأيتها بعيني معلقة على عضد شاب حضر إلي وأخبرني أنه حديث عهد بزواج وأنه عندما ينام مع زوجته يشعر بأن شخصاً يطرق الشباك وينادي زوجته ، فلما سألته عن هذا الخيط المربوط على عضده ، أخبرني أن أحد القراء عمله له ليكون حرزاً له ولزوجته ، فلما فتحته وجدت بداخله أرقاماً موضوعة داخل دوائر ومربعات ، ومغلفة بإحكام داخل قطعة من البلاستيك.
ز - التنجيم :
التنجيم لغة: النظر في النجوم، واصطلاحا: ما يستدل به من التشكلات الفلكية على الحوادث الأرضية كما يزعمون(1).
ح - التنويم المغناطيسي:
حالة تتم عن طريق تأثير شخص قوي على شخص أضعف منه يكون في حالة وسط بين النوم واليقظة، يتم فيها طرد كل الأفكار من ذهن الشخص الآخر وإحلال الأفكار المطلوبة محلها ويكون له تأثيراً قوياً ، وهو منتشر في هذا الزمان ، وعلمت أن بعض المتسولين يعمدون إلى هذه الطريقة مع بعض الأطفال الذين يحضرونهم إلى المساجد والأمكان التي يتسولون فيها ، ويقصدون بذلك استعطاف الناس عليهم.
ط - قراءة الكف:
هي نظرة في كف اليد يزعم من يقوم بها أن الخطوط التي في كف الإنسان إنما تولد معه وتمحى بموته، ويدعون أن خطوط اليد الطولية والعرضية والتعرجات الموجودة في الكف تحدد عمر الإنسان طولا وقصرا وتنبئ عما سيحصل لصاحبها من سعادة أو تعاسة وغيرها. فهناك خط القلب وخط المستقبل وخط العمر وخط الإنجاب أو عدم الإنجاب لكن من الواضح أن هذه الخطوط لا يمكن أن تنم عن حقيقة شخصيات البشر ولا تحدد مستقبلهم وإنما هذه الممارسة عبارة عن نوع من الدجل والخرافات، وامتصاص أموال الناس بدون وجه حق.
ي - قراءة الفنجان والودع والحجارة وغيرها: 

قد يأخذ بعض الأشخاص في التحديق في فنجان القهوة بعد أن ينتهي صاحبها من احتسائها وذلك لمعرفة المستقبل وتحديد الآمال والأحلام، وذلك دون أي أساس من الصحة، ولكن ذلك نوع من التنبؤات والادعاءات التي غالبا ما تكون غير صحيحة ولكن الذي يحدث أن الناس يكونون مهيئين لتصديق ما يقال لهم وقد وضعوا ثقتهم في هذا القارئ، العالم في نظرهم.
وكذلك من يستخدمون الودع والحجارة فيلقونها على الأرض وقراءة ما توحيه لهم أشكالها التي تشكلت بها من خلال إلقائها على الأرض ولكنهم كلهم دجالون يحفظون تلك العبارات التي يقولونها عن ظهر قلب ويذكرونها دائما وربما صدق قارئ الفنجان أو ضارب الودع مرة ولكنها لا تعدو أن تكون مصادفة بحتة والمصادفة كما هو معلوم ليست أساسا سليما للمعرفة الصحيحة.
3 - هل السحر حقيقة أم خيال ؟ 

اختلف العلماء في السحر هل له حقيقة ووجود وتأثير حقيقي، أم هو مجرد تخييل، فذهب الجمهور إلى أن السحر له حقائق؛ وذهب المعتزلة ومن وافقهم، كالفخر الرازي، إلى أنه ليس له حقيقة، وفي هذه المسألة يقول القرطبي رحمه الله: ( ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة؛ وذهب عامة المعتزلة وأبو إسحاق الإسترابادي من أصحاب الشافعي إلى أن السحر لا حقيقة له وإنما هو تمويه وتخييل وإيهام لكون الشيء على غير ما هو به وإنه ضرب من الخفة والشعوذة، كما قال تعالى: { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } [ طه الآية 66 ] ولم يقل على الحقيقة، ولكن قال { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ } ،وقال أيضا: { سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ } [ الأعراف الآية 116 ]، وهذا لا حجة فيه لأنا لا ننكر أن يكون التخييل وغيره من جملة السحر، ولكن ثبت وراء ذلك أمور جوزها العقل وورد بها السمع فمن ذلك ما جاء في هذه الآية من ذكر السحر وتعليمه ولو لم يكن له حقيقة لم يمكن تعليمه، ولا أخبر تعالى أنهم يعلمونه الناس فدل على أن له حقيقة ، وقوله تعالى في قصة سحرة فرعون: { وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } [الأعراف الآية 116] وسورة الفلق، مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من سحر لبيد بن الأعصم، وهو مما خرجه البخاري ومسلم وغيرهما، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سحر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يهوديٌ من يهود بني زريق، يقال له لبيد بن الأعصم الحديث ...، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما حل السحر: { إن الله شفاني } ، والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض، فدل على أن له حقا وحقيقة، فهو مقطوع به بأخبار الله تعالى ورسوله على وجوده ووقوعه ؛ وعلى هذا أهل الحق ولقد شاع السحر وذاع في سابق الزمان، وتكلم الناس فيه ولم يبد من الصحابة ولا من التابعين إنكار لأصله ؛ وروى سفيان عن أبي الأعور عن عكرمة عن ابن عباس قال: علم السحر في قرية من قرى مصر يقال لها الفرما فمن كذَّب به فهو كافر مكذب لله ورسوله، منكر لما علم مشاهدة وعيانا )(1).
4 - حكم عمل السحر:
عمل السحر محرم، وكبيرة من الكبائر، وقد نقل النووي وابن قدامة الإجماع على ذلك، وأدلة تحريمه كثيرة منها:
أ - قوله تعالى: { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } [ طه 69 ].
ب - قوله تعالى: { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر } [البقرة 102] ، فجعله من تعليم الشياطين ، وقال في آخر الآية: { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ } [البقرة 102]، فأثبت فيه ضررا بلا نفع.
ج - قوله تعالى حكاية عن سحرة فرعون: { إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [ طه 73 ]، فأخبر أنهم رغبوا إلى الله في أن يغفر لهم السحر، وذلك يدل على أنه ذنب.
د - قول النبي صلى الله عليه وسلم: { اجتنبوا السبع الموبقات... الشرك بالله، والسحر... } . الحديث(2). قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ( عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفرا، ومنه ما لا يكون كفرا، بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام )(3). وقال ابن قدامة: ( تعلّم السحر وتعليمه، حرام لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم)(4).
5 - أنواع السحر:
السحر له نوعان، يذكرهما العلماء ويدرجون تحت كل نوع عدة أقسام، ونكتفي هنا بذكر النوعين الرئيسيين وهما: الحقيقي، والتخيلي. 

النوع الأول: السحر الحقيقي.
وهو ما يقوم به السحرة من عقد، ثم ينفث فيها من ريقه، ويستعين على ذلك بالشيطان، قال تعالى: { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } [ الفلق 4 ]، يعني السواحر، وهذا النوع، يؤثر بإذن الله تعالى في المسحور إما قتلا، وإما مرضا، وإما تفريقا بينه وبين من يحب، وإما أن يمنعه عن زوجته، فلا يستطيع الوصول إليها ؛ وهذا من النوع الذي سُحر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأثر فيه بإذن الله تعالى، وصار يخيل إليه صلى الله عليه وسلم، أنه يفعل الشيء، وهو لم يفعله، ورقاه جبريل فشُفي بإذن الله، وهذا النوع هو الذي أنكرته المعتزلة ومن وافقهم.
النوع الثاني: السحر التخيلي:
وهذا النوع ليس له حقيقة، وإنما هو خيال وشعوذة، وهو ما يسمى بالقُمْرة، فالساحر يخيِّل للناس شيئا وهو ليس حقيقة، كأن يخيِّل للناس أنه دخل في النار، وليس كذلك، ويخيِّل للناس أنه يمشي على حبل، وليس كذلك، ويخيِّل للناس أن السيارة تمشي على بطنه، وليس كذلك، ويخيِّل للناس أنه يطعن نفسه بالسلاح ولا يؤثر فيه، وليس كذلك، والحقيقة أنه عمل شيئا من التخييل ، والقُمرة ، كما قال تعالى في قوم فرعون: { سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } [الأعراف 116] سحروا الأعين فقط وذلك بما يعملونه من الحيل، ويجعلون في العصي التي معهم مواد تحركها، وتجعل العصي كأنها حية ، وهو ليس كذلك ، كما قال تعالى عن موسى ، عليه السلام: { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } [طه 66 ]، حشوها بشيء من الزئبق وشيء من الأمور التي لا يراها الناس، وظنوا أنها تتحرك(1).
وهذا النوع من السحر كثير في هذا الزمان، ويطلقون عليه اسم السيرك.
6 - أسباب انتشار السحر والسحرة في العصر الحاضر:
أولا: بالنسبة للمشتغلين بالسحر: 

إن من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار السحر والسحرة، الابتعاد عن الدين الإسلامي، فالناس كلما ابتعدوا عن دين الله تفشى فيهم الظلم، وظهرت فيهم الأمراض القلبية، والمفاسد الاجتماعية، والشعوذة، والسحر واحد من بين هذه المصائب التي ابتليت بها الأمة، فقد انتشر السحر، والسحرة بين الناس، وكثر المخادعون الدجالون الذين يوهمون الناس أن لهم قدرة في علاج بعض الأمراض، وخدعوا السذج من الناس بما ظهروا به من مظهر أهل الصلاح والتقوى، ولبَّسوا عليهم الحق بالباطل بما يهمهمون به من نغماتهم الخفية التي يدعون كذباً أنها من القرآن، وما علموا أن القرآن يلعنهم.
وحقيقة هؤلاء، أعني المشتغلين بأعمال السحر، أنهم أناس ابتعدوا عن الدين، هدفهم الأول والأخير هو جمع المال بأية طريقة كانت، سواء أدى ذلك إلى شفاء المريض أم إلى هلاكه، وسواء أدى ذلك إلى جمع الأسر أو إلى شتاتها.
ثانيا: بالنسبة للمترددين على السحرة:
يجمع بين المشتغلين بأعمال السحر وبين المترددين عليهم، جامع رئيسي وهو الابتعاد عن دين الله كما أسلفنا، فالإنسان الذي يعرض عن ذكر الله، يعيش في ضيق وفي نكد، ويجد الشيطان في جوفه مرتعاً خصباً لخلوه من ذكر الله، قال تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } [ طه 124] وقال تعالى: { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف 36 ].
وهناك أسباب أخرى تدع ضعاف الإيمان إلى التردد على السحرة والمشعوذين، يمكن إيجازها في الآتي:
1 - طلب الشفاء وعلاج بعض الأمراض، وهذا الجانب بكثرة.
2 - الحب والغرام، فالذاهب إلى الساحر يطلب منه أن يعطف عليه من يحب، ظنا منه أن الساحر يستطيع ذلك.
3 - يذهب بعض ضعاف الإيمان إلى السحرة من أجل طلب إخبارهم بما سيكون لهم في المستقبل، ظناً منهم أن الساحر يستطيع ذلك. 

4 - أهداف متنوعة كطلب المظلوم الانتقام ممن ظلمه أو طلب التاجر تيسير ترويج وبيع تجارته(1).
7 - التحقيق في جريمة السحر:
التحقيق في جريمة السحر يحتاج لعناية فائقة من جانب المحقق، فهو يحتاج إلى الدقة في فهم الألفاظ والمعاني، والمعرفة بأحكام السحر ومدلولاته، وألفاظه، حتى لا يشتبه الأمر عليه، فيعتقد ما ليس بسحر سحرا، ويضاف إلى ذلك أمر أخر وهو أن يكون المحقق قوي الإيمان بالله تعالى حتى لا يتوهم أن الساحر الماثل أمامه يستطيع أن يضره بشيء من سحره.
8 - بم يثبت السحر:
تثبت جريمة السحر بطريقين من طرق الإثبات، وهما البينة ، والإقرار.
9 - جناية الساحر:
إذا جنى الساحر بسحره على إنسان فجنايته جناية عمد، ويجب فيها ما يجب في جناية العمد من القصاص أو الدية، فإذا سحر شخصا فجُّنَّ، فعليه الدية، وإن مات قُتل به.
10 - عقوبة الساحر:
قال الجصاص بعد أن نقل أقوال السلف في عقوبة الساحر:
( اتفق هؤلاء السلف على وجوب قتل الساحر، ونص بعضهم على كفره واختلف فقهاء الأمصار في حكمه على ما نذكره ; فروى ابن شجاع عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال في الساحر: يقتل إذا علم أنه ساحر ولا يستتاب، ولا يقبل قوله، إني أترك السحر وأتوب منه، فإذا أقر أنه ساحر فقد حل دمه، وإن شهد عليه شاهدان أنه ساحر فوصفوا ذلك بصفة يعلم أنه سحر قتل ولا يستتاب)(2).
وقال الإمام مالك رحمه الله: ( الساحر الذي يعمل السحر، ولم يعمل ذلك له غيره، هو مثل الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه: { وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ } [ البقرة 102 ]، فأرى أن يقتل ذلك، إذا عمل ذلك هو بنفسه )(3). 

وقال الإمام الشافعي رحمه الله: ( والسحر اسم جامع لمعان مختلفة، فيقال للساحر صف السحر الذي تسحر به، فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه فإن تاب، وإلا قتل وأخذ ماله فيئا، وإن كان ما يسحر به كلاما لا يكون كفرا وكان غير معروف، ولم يضر به أحدا نهي عنه فإن عاد عزر، وإن كان يعلم أنه يضر به أحدا من غير قتل فعمد أن يعمله عزر، وإن كان يعمل عملا إذا عمله قتل المعمول به، وقال عمدت قتله قتل به قودا إلا أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا ديته حالة في ماله، وإن قال: إنما أعمل بهذا لأقتل فيخطئ القتل ويصيب، وقد مات مما عملت به ففيه الدية، ولا قود، وإن قال قد سحرته سحرا مرض منه، ولم يمت منه أقسم أولياؤه لمات من ذلك العمل، وكانت لهم الدية، ولا قود لهم مال الساحر، ولا يغنم إلا في أن يكون السحر كفرا مصرحا، وأَمْرُ عمر أن يقتل السحار عندنا، والله تعالى أعلم إن كان السحر كما وصفنا شركا، وكذلك أمر حفصة، وأما بيع عائشة الجارية، ولم تأمر بقتلها فيشبه أن تكون لم تعرف ما السحر فباعتها لأن لها بيعها عندنا وإن لم تسحرها، ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك ما تركت قتلها إن لم تتب أو دفعتها إلى الإمام ليقتلها إن شاء الله تعالى ، وحديث عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم على أحد هذه المعاني عندنا، والله تعالى أعلم )(1). 

وقال ابن قدامة رحمه الله: ( وحد الساحر القتل ؛ روي ذلك عن عمر، وعثمان ابن عفان، وابن عمر، وحفصة ، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز ؛ وهو قول أبي حنيفة ومالك. ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر ؛ وهو قول ابن المنذر، ورواية عن أحمد قد ذكرناها فيما تقدم، ووجه ذلك، أن عائشة رضي الله عنها، باعت مدبرة سحرتها، ولو وجب قتلها لما حل بيعها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث; كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق } (1)؛ ولم يصدر منه أحد الثلاثة، فوجب أن لا يحل دمه. ولنا ما روى جندب بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { حد الساحر، ضربه بالسيف } (2) ؛ قال ابن المنذر: رواه إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف ؛ وروى سعيد، وأبو داود في كتابيهما عن بجالة قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية، عم الأحنف بن قيس، إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر؛ فقتلنا ثلاث سواحر في يوم، وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعا، وقتلت حفصة جارية لها سحرتها؛ وقتل جندب بن كعب ساحرا كان يسحر بين يدي الوليد بن عقبة ؛ ولأنه كافر فيقتل ; للخبر الذي رووه )(3). 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وجوز طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما: قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وكذلك كثير من أصحاب مالك. وقالوا: إنما جوز مالك وغيره قتل القدرية لأجل الفساد في الأرض; لا لأجل الردة ; وكذلك قد قيل في قتل الساحر ; فإن أكثر العلماء على أنه يقتل وقد روي عن جندب رضي الله عنه موقوفا ومرفوعا: { إن حد الساحر ضربه بالسيف } رواه الترمذي. وعن عمر وعثمان وحفصة وعبد الله بن عمر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم: قتله. فقال بعض العلماء: لأجل الكفر وقال بعضهم: لأجل الفساد في الأرض. لكن جمهور هؤلاء يرون قتله حدا. وكذلك أبو حنيفة يعزر بالقتل فيما تكرر من الجرائم إذا كان جنسه يوجب القتل كما يقتل من تكرر منه اللواط أو اغتيال النفوس لأخذ المال ونحو ذلك )(1).
وقال ابن حزم، بعد أن بيَّن أقوال العلماء في حكم الساحر: ( الساحر ليس كافرا كما بينا، ولا قاتلا، ولا زانيا محصنا، ولا جاء في قتله نص صحيح فيضاف إلى هذه الثلاث، كما جاء في المحارب، والمحدود في الخمر ثلاث مرات. فصح تحريم دمه بيقين لا إشكال فيه )(2).
وقال الإمام الشنقيطي رحمه الله: ( والأظهر عندي أن الساحر الذي لم يبلغ به سحره الكفر ولم يقتل به إنسانا أنه لا يقتل لدلالة النصوص القطعية والإجماع على عصمة دم المسلمين عامة إلا بدليل واضح، وقتل الساحر الذي لم يكفر بسحره لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتجرؤ على دم مسلم من غير دليل صحيح من كتاب أو سنة مرفوعة غير ظاهر عندي والعلم عند الله تعالى مع أن القول بقتله مطلقاً قوي جداً لفعل الصحابة له من غير نكير )(3). 












مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية

المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي

الطبعة: الثانية 1427

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید