المنشورات
سرقة
1 - التعريف:
السرقة في اللغة: أخذ الشيء من الغير خفية ؛ قال ابن فارس: السين والراء والقاف أصلٌ يدلُّ على أخذ شئ في خفاء وسِتر. يقال سَرَق يَسْرِق سَرِقةً، والمسروق سَرَقٌ، واستَرَق السّمع، إذا تسمَّع مختفياً(1).
وفي الاصطلاح: هي أخذ العاقل البالغ نصابا محرزا، أو ما قيمته نصاب، ملكا للغير، لا شبهة له فيه، على وجه الخفية(2).
2 - حكم السرقة:
السرقة محرمة لأنها اعتداء على حقوق الآخرين، وأخذ لأموالهم بالباطل، وفيها إفساد للدين، والأخلاق والضمير، ويترتب عليها إخلال شديد بأمن البلاد والعباد، وزعزعة الاقتصاد العام بهز الأمن والثقة وهي محرمة بالكتاب والسنة، الإجماع. قال تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) } [ المائدة 38 ].
وفي صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا } (3).
وفي الصحيحين ، عنها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسامة: { أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فخطب، فقال: أيها الناس، إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد } متفق عليه(4). وقد أجمع الفقهاء على تحريم السرقة.
3 - الجرائم المشابهة للسرقة:
أ - الاختلاس:
الاختلاس: خطف الشيء بسرعة والهرب به.
قال الخليل: الخَلْسُ والاختلاسُ: أخذ الشَّيْء مُكابَرَةً، تقول: اختلستُه اختلاساً واجتذاباً(1). وقال ابن منظور: الخَلْسُ: الأَخذ في نَهْزَةٍ ومُخاتلة؛ خَلَسَه يَخْلِسُه خَلْساً و خَلَسَه إِياه، فهو خالِسٌ و خَلاَّس؛ قال الهذلي:
يا مَيُّ إِن تَفْقِدي قوماً وَلَدْتِهم أَو تَخْلِسِيهم فإِن الدَّهرَ خَلاَّس(2)
والمختلس: هو الذي يأخذ المال جهرة معتمدا على السرعة في الهرب؛ فالفرق بين السرقة والاختلاس هو أن السرقة عمادها على الخفية، والاختلاس يعتمد على المجاهرة. قال البهوتي: ( والاختلاس نوع من الخطف والنهب، وإنما استخفى في ابتداء اختلاسه والمختلس الذي يخطف الشيء ويمر به )(3).
والمختلس يعاقب بعقوبة تعزيرية يقدرها القاضي، وليس عليه قطع، لحديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع } . ( راجع مصطلح: اختلاس)
ب - النهب:
النهب: أخذ المال بالقهر والغلبة ؛ يقال: نهب الشيء نهبا، أخذه قهرا ؛ والنهب: الغارة ؛ والغنيمة: الشيء المنهوب(4).
قال ابن عابدين: ( النهب والاختلاس، أخذ الشيء علانية، إلا أن الفرق بينهما من جهة سرعة الأخذ في جانب الاختلاس، بخلاف النهب فإن ذلك غير معتبر فيه)(5). ومن هذا يتبين أن الفرق بين النهب والاختلاس والسرقة يعود إلى صفة الأخذ، وهو الخفاء في السرقة، والعلانية في النهب والاختلاس ولهذا لا قطع على المنتهب والمختلس للحديث السابق، ويعاقب المنتهب بعقوبة تعزيرية يقدرها القاضي، ويجب عليه رد ما انتهبه.
ج - الغصب:
الغصب في اللغة: أخذ الشيء ظلما مجاهرة.
وفي الاصطلاح: هو الاستيلاء على مال الغير قهرا بغير حق(6).
فالفرق بين الغصب والسرقة: أن الغصب يتحقق بالمجاهرة، في حين يشترط في السرقة أن يكون الأخذ سرا من حرز مثله.
وليس على المغتصب قطع، ولكن عليه عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي، ويجب عليه رد ما اغتصب.
د - النبش:
قال ابن منظور: نَبَشَ الشيء يَنْبُشُهُ نَبْشاً: استخرجه بعد الدَّفْن، و نَبْشُ الموتى: استخراجُهم، والنبَّاشُ: الفاعلُ لذلك، وحِرْفتُه النِّباشةُ. والنَّبْشُ: نَبْشُك عن الميّت وعن كلّ دَفِين(1).
والنباش: هو الذي يسرق أكفان الموتى بعد دفنهم في قبورهم(2).
وقد اختلف الفقهاء في حكمه وفي اعتباره سارقا، فذهب جمهور الفقهاء إلى اعتبار النباش سارقا ; لانطباق حد السرقة عليه. قال ابن قدامة: ( وحرز الكفن كونه على الميت في القبر، فمن نبشه وسرقه قُطع، لأنه سارق، بدليل قول عائشة رضي الله عنها: سارق أمواتنا كسارق أحيائنا)(3). وروى البيهقي عن عامر الشعبي أنه قال: يقطع في أمواتنا كما يقطع في أحيائنا(4). وروى ابن أبي شيبة عن حجاج أن مسروقا وإبراهيم النخعي والشعبي وزاذان وأبا زرعة بن عمرو بن جرير كانوا يقولون في النباش يقطع(5). وذهب أبو حنيفة إلى عدم اعتبار النباش سارقا لأنه يأخذ ما لا مالك له وليس مرغوبا فيه، واشتراط الخفية والحرز لا يجعل هذا النوع من الأخذ سرقة.
هـ - النشل أو الطر:
النَّشْلُ: هو نزع الشيء بسرعة، يقال: نَشَل الشيء يَنْشُله نَشْلاً: أَسرع نَزْعَه.
والطَّرُّ : هو القطع والشق ، يقال: طَرَّهم بالسيف يَطُرُّهم طرّاً(6).
والنشال: المختلس الخفيف اليد من اللصوص، يشق ثوب الرجل ويسل ما فيه على غفلة من صاحبه ؛ ويعبر عنه بالطرار ، من طررته طَرَّاً: إذا شققته.
وفي اصطلاح الفقهاء الطرار أو النشال: هو الذي يسرق الناس في يقظتهم بنوع من المهارة وخفة اليد.
والفرق بين النشل أو الطر، وبين السرقة يتمثل في تمام الحرز، ولهذا اختلف الفقهاء في تطبيق حد السرقة على النشال، فجمهورهم يسوي بين السارق والطرار سواء شق الكم أو القميص وأخذ منها ما يبلغ النصاب، أو أدخل يده فأخذ دون شق، لأن الإنسان يعتبر حرزاً لكل ما يلبسه أو يحمله من نقود وغيرها ؛ وبعضهم يرى أنه إذا أدخل يده في الكم أو في الجيب فأخذ من غير شق، أو شق غيرهما مثل الصرة، فلا يقام عليه حد السرقة لعدم اكتمال الأخذ من الحرز. وفقهاء الحنابلة يرون قطع الطرار ؛ قال في الروض المربع: (ويقطع الطرار ، وهو الذي يبط الجيب، أو غيره، ويأخذ منه، أو بعد سقوطه نصابا، لأنه سرق من حرز )(1).
و - خيانة الأمانة:
الخيانة لغة: أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح، يقال: خَانَهُ في كذا يَخُونُه خَوْنًا وخِيَانَةً ومَخَانَةً، واخْتَانَهُ ؛ قال الله تعالى: { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } [ الأنفال 58 ] ؛ ونقيض الخيانة الأمانة(2).
والخائن في الاصطلاح: هو الذي خان ما أتُمن عليه.
وخيانة الأمانة محرمة لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الأنفال 27 ]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: { آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا أؤتمن خان } متفق عليه(3). وقد عدَّ الذهبي وابن حجر الهيتمي، الخيانة من الكبائر.
وخائن الأمانة يعاقب تعزيراً ، ولا تقطع يده ، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع } .
ز - جحد العارية:
الجحد أوالجُحُودُ: الإنكار مع العلم. يقال: جَحَدَهُ حقَّه وبحقّه، جَحْدًا وجُحُودًا(1). والجاحد: هو الذي يؤتمن على شيء بطريق العارية أو الوديعة فيأخذه ويدعي ضياعه، أو ينكر أنه كان عنده وديعة أو عارية، وجحد العارية التي قيمتها نصاب، يوجب القطع عند الحنابلة(2). قال ابن الجوزي رحمه الله: ( ويجب القطع على جاحد العارية عندنا، وبه قال سعيد بن المسيب، والليث بن سعد، خلافا لأكثر الفقهاء )(3).
وبيَّن ابن قدامة رحمه الله الخلاف في هذه المسألة ، ورجح عدم القطع ، فقال: (واختلفت الرواية عن أحمد في جاحد العارية، فعنه: عليه القطع ، وهو قول إسحاق ; لما روي عن عائشة ، أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، فأتى أهلها أسامة فكلموه، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { لا أراك تكلمني في حد من حدود الله تعالى } ، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا، فقال: { إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده، لو كانت فاطمة بنت محمد - صلى الله عليه وسلم- لقطعت يدها } ؛ قالت: فقطع يدها(1). قال أحمد: لا أعرف شيئا يدفعه متفق عليه. وعنه: لا قطع عليه، وهو قول الخرقي، وأبي إسحاق ابن شاقلا ، وأبي الخطاب، وسائر الفقهاء ؛ وهو الصحيح، إن شاء الله تعالى ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لا قطع على الخائن } . ولأن الواجب قطع السارق ، والجاحد غير سارق، وإنما هو خائن، فأشبه جاحد الوديعة، والمرأة التي كانت تستعير المتاع إنما قطعت لسرقتها، لا بجحدها، ألا ترى قوله: { إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه } . وقوله: { والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد ، لقطعت يدها } . وفي بعض ألفاظ رواية هذه القصة عن عائشة، أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت، وذكرت القصة. رواه البخاري. وفي حديث أنها سرقت قطيفة، فروى الأثرم، بإسناده عن مسعود بن الأسود قال: لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمنا ذلك، وكانت امرأة من قريش، فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: نحن نفديها بأربعين أوقية. قال: { تطهر خير لها } . فلما سمعنا لين قول رسول الله، أتينا أسامة، فقلنا: كلم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر الحديث نحو سياق عائشة. وهذا ظاهر في أن القصة واحدة، وأنها سرقت فقطعت بسرقتها، وإنما عرفتها عائشة بجحدها للعارية ; لكونها مشهورة بذلك، ولا يلزم أن يكون ذلك سببا، كما لو عرفتها بصفة من صفاتها، وفيما ذكرنا جمع بين الأحاديث، وموافقة لظاهر الأحاديث والقياس وفقهاء الأمصار، فيكون أولى. فأما جاحد الوديعة وغيرها من الأمانات ، فلا نعلم أحدا يقول بوجوب القطع عليه )(1).
ح - النصب والاحتيال: ( أنظر كلا منهما في مصطلحه: نصب، احتيال)
4 - أركان السرقة:
للسرقة ثلاثة أركان: السارق، والمسروق منه، والمال المسروق ؛ ويشترط في كل ركن شروط معينة وتفصيل هذه الأركان وشروطها على النحو التالي:
* الركن الأول: السارق ؛ ويشترط فيه خمسة شروط :
1 - أن يكون مكلفاً: وذلك بأن يكون بالغاً، عاقلا، مختاراً.
2 - أن يقصد فعل السرقة: أي أن السارق يأخذ المال مع علمه بتحريم السرقة، وأن هذا المال مملوكا لغيره، ويخرج بهذا من أخذ مالاً يعتقد أنه غير مملوك لأحد، وأنه مال مباح أو متروك.
3 - ألا يكون مضطرا إلى الأخذ، لأن الضرورة تبيح للإنسان أن يأخذ من مال غيره بقدر ما يدفع عنه الهلاك، فمن أخذ مال غيره ليدفع عن نفسه جوعاً أو عطشاً، فلا عقوبة عليه، إلا إذا تجاوز القدر الضروري.
4 - أن تنتفي القرابة بين السارق والمسروق منه: وذلك بأن لا يكون السارق أصلا أو فرعا للمسروق منه.
وأما سرقة الأقارب بعضهم من بعض، كسرقة الأخ من أخيه، فجمهور الفقهاء يعتبرونها سرقة، وفقهاء الحنفية يعتبرونها شبهة مسقطة للحد.
قال ابن مفلح: (ويقطع كل قريب بسرقة مال قريبه إلا عمودي نسبه، وعنه إلا أبويه وإن علوا، وقيل: إلا ذي رحم محرم، وظاهر الواضح قطع غير أب )(2).
5 - ألا تكون عنده شبهة في استحقاقه ما أخذ: فإذا كان للسارق شبهة ملك أو استحقاق في المال المسروق، فلا يقام عليه الحد، كما لو كان شريكا في المال المسروق، أو سرق من بيت المال، أو من مال موقوف عليه وعلى غيره، أو سرق من مال مدينه.
* الركن الثاني: المسروق منه: يشترط الفقهاء في المسروق منه شروطا لكي تكتمل السرقة وهي:
1 - أن يكون معلوما : بمعنى أن يكون صاحب المال معلوما، لاحتمال أن يكون المال غير مملوك.
2 - أن تكون يده صحيحة على المال المسروق : أي تكون ملكيته للمال صحيحة.
3 - أن يكون معصوم المال: بأن يكون مسلماً، أو ذمياً، أو مستأمناً.
قال ابن مفلح رحمه الله: ( ويُقطع مسلم بسرقة مال ذمي ومستأمن، وهما بسرقة ماله كقود وحد قذف، نص عليهما )(1).
* الركن الثالث: المسروق : ويشترط فيه ستة شروط هي:
1 - أن يكون مالا: لأن القطع شرع لصيانة الأموال، فلا يجب في غيرها.
2 - أن يكون المال محترما: ويخرج بذلك سرقة الكلب، والخمر، و آلات الطرب، ونحو ذلك.
3 - أن يبلغ نصابا: والنصاب ثلاثة دراهم فضة، أو ربع دينار ذهب(2)، دليل ذلك، ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا } .متفق عليه(3). ولما روي عنها أيضا مرفوعا: { اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك } وكان ربع دينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار اثنا عشر درهما. رواه البيهقي(4)
4 - أن يطالب به صاحبه: سواء كانت المطالبة من المالك الأصلي، أو من وكيله، أو من وليه، لاحتمال أن يكون مالا مبذولا أو مباحا من قبل صاحبة، فاعتبرت المطالبة لنفي هذه الشبهة.
5 - أن يكون محرزا: أي يكون المال المسروق محرزا على الأصح في أكثر أقوال أهل العلم. والحرز: هو الموضع الحصين الذي يحفظ فيه المال عادة، بحيث لا يعد صاحبه مضيعا له بوضعه فيه. قال البهوتي: (وحرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه ويختلف باختلاف الأموال والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه، لأنه لما لم يثبت بالشرع اعتباره من غير تنصيص على بيانه علم أنه رد ذلك إلى العرف)(1). واستدل الذين اشترطوا الحرز بما رواه أصحاب السنن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: سمعت رجلا من مزينة يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحريسة التي توجد في مراتعها، فقال: { فيها ثمنها مرتين، وضرب نكال، وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن } ، قال: يا رسول الله فالثمار وما أخذ منها في أكمامها ؟ قال: { من أخذ بفمه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء، ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين، وضرب نكال، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع، إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن } (2). وذهب بعض الفقهاء وطائفة من أهل الحديث إلى عدم اشتراط الحرز لإقامة حد السرقة, لعموم قوله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } .[ المائدة آية 38].
* والحرز نوعان:
1 - حرز بنفسه، ويسمى حرزا بالمكان: وهو كل موضع مغلق معد لحفظ المال داخل العمران كالبيوت والحوانيت، وحظائر الماشية؛ فإن لم يكن مغلقا: بأن كان بابه مفتوحا أو به نقب، فلا يعتبر حرزا بنفسه، وإن لم يكن معدا لحفظ المال كالسوق والمسجد، فلا يعتبر حرزا بنفسه ؛ وإن كان خارج العمران فلا يعتبر حرزا بنفسه.
2 - حرز بغيره، ويسمى حرز بالحافظ: وهو الموضع الذي لم يعد لحفظ المال دون حافظ في العادة، كالخيام والمضارب، أو الموضع المنفصل عن العمران، كالبيوت في البساتين والطرق والصحراء، مغلقة كانت أو مفتوحة، فلا تكون حرزا إلا بحافظ أيا كان، صغيرا أو كبيرا، قويا أو ضعيفا، ما دام لم يفرط في الحفظ بنحو نوم، أو يشتغل عن الملاحظة بنحو لهو ؛ وعلى ذلك تحرز الماشية في المرعى بملاحظة الراعي لها، بأن يراها ويبلغها صوته ؛ فإن نام أو غفل عنها أو استتر بعضها عنه فلا تكون محرزة ؛ أما الإبل فإنها تحرز وهي باركة إذا عقلت وكان معها حافظ ولو نائما. ولما كان ضابط الحرز وتحديد مفهومه يرجع إلى العرف، وهو يختلف باختلاف الزمان والمكان ونوع المال المراد حفظه، وباختلاف حال السلطان من العدل أو الجور، ومن القوة أو الضعف، فقد اختلف الفقهاء في الشروط الواجب توافرها ليكون الحرز تاما، وبالتالي يقام الحد على من يسرق منه(1).
5 - ثبوت السرقة:
تثبت جريمة السرقة بطريقين، هما: الإقرار الصحيح، والشهادة.
* أولا: الإقرار: وهو الطريق الأول لإثبات جريمة السرقة ويشترط فيه جملة من الشروط منها:
1 - أن يكون صريحا لا لبس فيه. 2 - أن يكون بصيغة المتكلم.
3 - أن يكون موافقا للحقيقة. 4- أن يكون المقر عاقلا بالغا غير مكره.
5 - أن يستمر المقر على إقراره حتى يتم تنفيذ الحد.
* ثانيا: الشهادة: وهي الطريق الثاني من طرق إثبات جريمة السرقة، ويشترط لها شروط منها:
1 - أن تكون بلفظ أشهد. 2 - أن تكون بصيغة الجزم.
3 - أن تكون من رجلين عاقلين بالغين عدلين، ولا تقبل شهادة النساء.
4 - أن يصف الشاهدان، المسروق، والحرز.
قال ابن قدامة : ( ومن شهد على سرقة ذكر السارق، والمسروق منه كم والنصاب لأن الحكم يختلف باختلافها )(2).
6 - ضبط اعتراف السارق:
على المحقق أن يضبط اعتراف المقر بالسرقة، بعبارات واضحة، وصريحة بعيدة عن اللبس، والشك ، ويكون الاعتراف بصيغة المتكلم ، بلسان المتهم ، ويُبيَّن الدور الذي قام به المتهم في السرقة ، ومقدار ونوع المسروق ، والمكان الذي تمت السرقة منه.
7 - الاشتراك في السرقة:
إذا اشترك الجماعة في سرقة تبلغ النصاب قطعوا، هذا هو المذهب ؛ قال المرداوي: ( قوله وإن اشترك جماعة في سرقة نصاب : قُطِعُوا، سواء أخرجوه جملة، أو أخرج كل واحد جزءا ، وهذا المذهب ، نص عليه ؛ وعليه الأصحاب)(1).
وقال ابن الجوزي رحمه الله: ( وإذا اشترك جماعة في سرقة نصاب قطعوا، وبه قال مالك إلا أنه اشترط أن يكون المسروق ثقيلا يحتاج إلى معاونة بعضهم لبعض في إخراجه، وقال أبو حنيفة والشافعي لا قطع عليه بحال )(2).
ورجح ابن قدامة رحمه الله، عدم القطع إلا إذا بلغت حصة كل منهم نصابا، فقال: ( وقال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وإسحاق: لا قطع عليهم إلا أن تبلغ حصة كل واحد منهم نصابا ; لأن كل واحد لم يسرق نصابا، فلم يجب عليه قطع، كما لو انفرد بدون النصاب. وهذا القول أحب إليَّ ; لأن القطع هاهنا لا نص فيه، ولا هو في معنى المنصوص والمجمع عليه، فلا يجب، والاحتياط بإسقاطه أولى من الاحتياط بإيجابه ; لأنه مما يدرأ بالشبهات )(3).
8 - سرقة السيارات:
بيَّن الفقهاء رحمهم الله حكم سرقة وسائط النقل في زمانهم، وهي، الإبل والخيل، والدواب، لأنها المعهودة في زمانهم، ولم يتكلموا عن السيارات، لأنها غير معروفة لديهم، ويمكن أن نقيس السيارات في هذا الزمان على الإبل، بجامع أنها وسائط نقل، وهذا يتطلب منا أن نعرف الأحكام المتعلقة بسرقة الإبل عند فقهاء الإسلام أولا.
قال ابن قدامة رحمه الله: ( والإبل على ثلاثة أضراب ; باركة، وراعية، وسائرة، فأما الباركة: فإن كان معها حافظ لها، وهي معقولة، فهي محرزة، وإن لم تكن معقولة، وكان الحافظ ناظرا إليها، أو مستيقظا بحيث يراها، فهي محرزة، وإن كان نائما، أو مشغولا عنها، فليست محرزة ; لأن العادة أن الرعاة إذا أرادوا النوم عقلوا إبلهم ; ولأن حل المعقولة ينبه النائم والمشتغل )(1).
وعلى هذا فالسيارة إذا كانت واقفة أمام منزل صاحبها، وأبوابها مغلقة فهي شبيهة، بالإبل الباركة المعقولة، فهي إذاً محرزة، وإذا كانت واقفة غير مغلقة الأبواب لكن صاحبها ينظر إليها فهي محرزة، أشبهت الباركة غير المعقولة من الإبل التي ينظر إليها صاحبها. فالتعدي على السيارة المغلقة وفتح بابها وسرقتها، أو سرقت غير المغلقة على مرأى من صاحبها، سرقة حدية توجب القطع، متى توفرت جميع أركانها وشروطها.
وما يقال عن سرقة السيارة يقال عن سرقة أجزائها، كالعجلات، وقطع الغيار متى بلغت النصاب ؛ لاسيما مع كثرة سرقة السيارات في هذا الزمان.
وأما سرقة النقود والأمتعة من داخل السيارة، فلا توجب الحد لأن السيارة لم يعهد في عرف الناس أنها مكان لحفظ النقود، والأمتعة، والله أعلم.
9 - ضمان السارق للمال المسروق:
قال المرداوي: ( ويجتمع القطع والضمان، فترد العين المسروقة إلى مالكها، وإن كانت تالفة: غرم قيمتها وقطع، هذا المذهب، وعليه الأصحاب، ونقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله )(2).
وقال ابن قدامة: (لا يختلف أهل العلم في وجوب رد العين المسروقة على مالكها إذا كانت باقية، فأما إذا كانت تالفة، فعلى السارق رد قيمتها، أو مثلها إن كانت مثلية قُطع أو لم يقطع، موسراً كان أو معسراً )(3).
10 - عقوبة السرقة:
إذا ثبتت جريمة السرقة، فإن عقوبة السارق قطع يده اليمنى من مفصل الكف، وإن عاد للسرقة تقطع رجله اليسرى. قال ابن قدامة: ( لا خلاف بين أهل العلم في أن السارق أول ما يقطع منه يده اليمنى، من مفصل الكف، وهو الكوع، وفي قراءة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - { فاقطعوا أيمانهما } وهذا إن كان قراءة وإلا فهو تفسير. وقد روي عن أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما , أنهما قالا: إذا سرق السارق , فاقطعوا يمينه من الكوع. ولا مخالف لهما في الصحابة ; ولأن البطش بها أقوى , فكانت البداية بها أردع ; ولأنها آلة السرقة , فناسب عقوبته بإعدام آلتها. وإذا سرق ثانيا, قطعت رجله اليسرى ؛ وبذلك قال الجماعة إلا عطاء , حكي عنه أنه تقطع يده اليسرى; لقوله سبحانه: { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } . ولأنها آلة السرقة والبطش , فكانت العقوبة بقطعها أولى ؛ وروي ذلك عن ربيعة , وداود ؛ وهذا شذوذ, يخالف قول جماعة فقهاء الأمصار من أهل الفقه والأثر , من الصحابة والتابعين , ومن بعدهم , وهو قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما , وقد روى أبو هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في السارق { إذا سرق فاقطعوا يده , ثم إن سرق فاقطعوا رجله } (1). ولأنه في المحاربة الموجبة قطع عضوين , إنما تقطع يده ورجله , ولا تقطع يداه, فنقول: جناية أوجبت قطع عضوين , فكانا رجلا ويدا , كالمحاربة ; ولأن قطع يديه يفوت منفعة الجنس , فلا تبقى له يد يأكل بها, ولا يتوضأ ,ولا يستطيب ,ولا يدفع عن نفسه ,فيصير كالهالك, فكان قطع الرجل الذي لا يشتمل على هذه المفسدة أولى)(2).
11 - كيفية تنفيذ عقوبة القطع:
قال في كشاف القناع : ( وصفة القطع أن يجلس السارق ويضبط لئلا يتحرك ؛ فيجني على نفسه؛ وتشد يده بحبل وتجر حتى يتبين مفصل الكف من مفصل الذراع ثم توضع بينهما سكين حادة ويدق فوقها بقوة لتقطع في مرة واحدة أو توضع السكين على المفصل وتمدُّ مدَّة واحدة، وكذا يفعل في قطع الرجل ؛ وإن علم قطعا أوحى من هذا قطع به؛ لأن الغرض التسهيل عليه، لحديث: { إن الله كتب الإحسان على كل شيء } (1). ويسن تعليق يده في عنقه لما روى فضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه، رواه أبو داود وابن ماجة وفعله علي ؛ زاد جماعة منهم صاحب البلغة والرعايتين والحاوي ؛ ثلاثة أيام إن رآه الإمام، أي أداه إليه اجتهاده لتتعظ به اللصوص؛ ولا يقطع السارق، في شدة حر ولا في شدة برد ولا مريض في مرضه ولا حامل حال حملها، ولا بعد وضعها حتى ينقضي نفاسها، لئلا يحيف ويتعدى إلى فوات النفس )(2).
ويجوز تنفيذ عقوبة القطع تحت تأثير البنج المخدر ، وقد صدر بهذا الخصوص قرار مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة رقم 145/5/20 في 7/6/1406 هـ المتضمن أنه لم يظهر للمجلس ما يمنع من استعمال البنج عند قطع اليد أو الرجل في الحدود. وقد بينا ما يتعلق بتنفيذ الحدود والقصاص تحت تأثير البنج ، فيرجع إليه في مصطلح ( بنج ).
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية
المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي
الطبعة: الثانية 1427
28 يناير 2025
تعليقات (0)