المنشورات

شفاعة

1 - التعريف:
الشَّفاعة في اللغة: الطلب، وقد ورد في لسان العرب: شفَعَ لي يَشْفَعُ شفاعةً وتَشَفَّعَ: طَلَبَ. والشَّفِيعُ: الشَّافِعُ، والجمع شُفَعاء، واسْتَشْفَعَ بفُلان على فلان وتَشَفَّع له إِليه فَشَفَّعَهُ فيه. وقال الفارسيّ: اسْتَشْفَعه طَلَبَ منه الشَّفَاعَةَ أَي قال له كُنْ لي شافِعاً(1).
وفي الاصطلاح: عرفها الجرجاني بأنها: السؤال في التجاوز عن الذنوب من الذي وقعت الجناية في حقه(2).
2 - الأحكام المتعلقة بالشفاعة:
الشفاعة قسمان : شفاعة حسنة , وشفاعة سيئة.
فالشفاعة الحسنة: هي أن يشفع الشفيع لإزالة ضرر أو رفع مظلمة عن مظلوم, أو جر منفعة إلى مستحق ليس في جرها ضرر ولا ضرار , فهذه مرغوب فيها ومأمور بها , قال الله تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } { المائدة الآية 2 } . وللشفيع نصيب في أجرها وثوابها قال الله تعالى: { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ } { النساء الآية 85 } ويندرج فيها دعاء المسلم لأخيه المسلم عن ظهر الغيب.
والشفاعة السيئة : هي أن يشفع في إسقاط حد بعد بلوغه السلطان أو هضم حق أو إعطائه لغير مستحقه , وهي منهي عنها لأنها تعاون على الإثم والعدوان. قال تعالى : { وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } { المائدة الآية 2 } . وللشفيع في هذا كفل من الإثم. قال تعالى : { وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً } { النساء الآية 85 } .
والضابط العام : أن الشفاعة الحسنة هي : ما كانت فيما استحسنه الشرع , والسيئة فيما كرهه وحرمه(3).
3 - الشفاعة في الحدود: 

قال ابن قدامة: ( ولا بأس بالشفاعة في السارق ما لم يبلغ الإمام , فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { تعافوا الحدود فيما بينكم , فما بلغني من حد وجب } (1). وقال الزبير بن العوام في الشفاعة في الحد : يفعل ذلك دون السلطان , فإذا بلغ الإمام , فلا أعفاه الله إن أعفاه. وممن رأى ذلك الزبير , وعمار , وابن عباس , وسعيد بن جبير , والزهري والأوزاعي. وقال مالك : إن لم يعرف بشر , فلا بأس أن يشفع له , ما لم يبلغ الإمام , وأما من عرف بشر وفساد , فلا أحب أن يشفع له أحد , ولكن يترك حتى يقام الحد عليه. وأجمعوا على أنه إذا بلغ الإمام لم تجز الشفاعة فيه ; لأن ذلك إسقاط حق وجب لله تعالى , وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين شفع أسامة في المخزومية التي سرقت وقال: { أتشفع في حد من حدود الله تعالى(2) } , وقال ابن عمر: من حالت شفاعته دون حد من حدود الله , فقد ضاد الله في حكمه(3) )(4). 

وجاء في المدونة: ( قلت: أرأيت القذف , أتصلح فيه الشفاعة بعدما ينتهي إلى السلطان ؟ قال: قال مالك: لا تصلح فيه الشفاعة إذا بلغ السلطان أو الشرط أو الحرس. قال : ولا يجوز فيه العفو إذا بلغ الإمام إلا أن يريد سترا. قال مالك: والشرط والحرس عندي بمنزلة الإمام , إذا وقع في أيديهم لم تجز الشفاعة بعد , ولا يجوز لهم أن يخلوه فإن عفا المقذوف عن ذلك بعد بلوغ السلطان لم يجز عفوه عند مالك إلا أن يريد سترا. قلت: أرأيت الشفاعة في التعزير أو النكال بعد بلوغ الإمام , أيصلح ذلك أم لا ؟ قال: قال مالك في الذي يجب عليه التعزير أو النكال فيبلغ به الإمام. قال مالك: ينظر الإمام في ذلك , فإن كان الرجل من أهل المروءة والعفاف وإنما هي طائرة أطارها تجافى السلطان عن عقوبته , وإن كان قد عرف بذلك وبالطيش والأذى ضربه النكال , فهذا يدلك على أن العفو والشفاعة جائزة في التعزير وليست بمنزلة الشفاعة في الحدود )(1).
وأورد الصنعاني - رحمه الله - جملة من الأحاديث والآثار في النهي عن الشفاعة في الحدود بعد بلوغها للإمام، ثم قال: ( وهذه الأحاديث متعاضدة على تحريم الشفاعة بعد البلوغ إلى الإمام , وأنه يجب على الإمام إقامة الحد وادعى ابن عبد البر الإجماع على ذلك , ومثله في البحر، ونقل الخطابي عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذية الناس وغيره , فقال: لا يشفع في الأول مطلقا وفي الثاني تحسن الشفاعة قبل الرفع; وفي حديث عن عائشة { أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا في الحدود(2) } ما يدل على جواز الشفاعة في التعزيرات لا في الحدود. ونقل ابن عبد البر الاتفاق على ذلك )(3). 
















مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية

المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي

الطبعة: الثانية 1427

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید