1 - التعريف:
الصلح في اللغة: الاتفاق والسلم ، قال ابن منظور: الصُّلْحُ: تَصالحُ القوم بينهم. والصُّلْحُ: السِّلْم. وقد اصْطَلَحُوا وصَالحوا وتَصالحوا واصَّالحوا، مشدّدة الصاد، قلبوا التاء صاداً وأَدغموها في الصاد بمعنى واحد. وقوم صُلُوح: مُتَصالِحُون، كأَنهم وصفوا بالمصدر. والصِّلاحُ، بكسر الصاد: مصدر المُصالَحِة، والعرب تؤنثها، والاسم الصُّلْح، يذكر ويؤنث. وأَصْلَح ما بينهم وصالَحهم مُصالَحة و صِلاحاً(1).
وفي الاصطلاح: معاقدة يرتفع بها النزاع بين الخصوم، ويتوصل بها إلى الموافقة بين المختلفين(2).
2 - مشروعية الصلح:
ثبتت مشروعية الصلح بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
أما الكتاب: ففي قوله تعالى: { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ } [ النساء 114 ]. قال القرطبي: وهذا عام في الدماء والأموال والأعراض، وفي كل شيء يقع التداعي والاختلاف فيه بين المسلمين(3).
وفي قوله تعالى: { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } [ النساء 128 ]، فقد أفادت الآية مشروعية الصلح، حيث إنه سبحانه وصف الصلح بأنه خير، ولا يوصف بالخيرية إلا ما كان مشروعا مأذونا فيه.
وأما السنة: فما روى الترمذي عن عمرو بن عوف - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا } (1). والحديث واضح الدلالة على مشروعية الصلح. وأخرج الشيخان عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - أنه لما تنازع مع ابن أبي حدرد في دين على ابن أبي حدرد، أصلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهما: بأن استوضع من دين كعب الشطر، وأمر غريمه بأداء الشطر(2).
وأما الإجماع: فقد أجمع الفقهاء على مشروعية الصلح في الجملة، وإن كان بينهم اختلاف في جواز بعض صوره.
وأما المعقول: فهو أن الصلح رافع لفساد واقع، أو متوقع بين المؤمنين، إذ أكثر ما يكون الصلح عند النزاع ؛ والنزاع سبب الفساد، والصلح يهدمه ويرفعه، ولهذا كان من أجل المحاسن(3).
3 - أنواع الصلح والحقوق التي يجري فيها الصلح:
قال ابن القيم رحمه الله:( والحقوق نوعان: حق الله، وحق الآدمي ; فحق الله لا مدخل للصلح فيه كالحدود والزكوات والكفارات ونحوها، وإنما الصلح بين العبد وبين ربه في إقامتها، لا في إهمالها، ولهذا لا يقبل بالحدود، وإذا بلغت السلطان فلعن الله الشافع والمشفع ؛ وأما حقوق الآدميين فهي التي تقبل الصلح والإسقاط والمعاوضة عليها.
والصلح العادل هو: الذي أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم به، كما قال تعالى: { فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) } { الحجرات الآية 9 }
والصلح الجائر هو: الظلم بعينه، وكثير من الناس لا يعتمد العدل في الصلح، بل يصلح صلحا ظالما جائرا، فيصالح بين الغريمين على دون الطفيف من حق أحدهما، والنبي صلى الله عليه وسلم، صالح بين كعب وغريمه، وصالح أعدل الصلح فأمره أن يأخذ الشطر ويدع الشطر ; وكذلك لما عزم على طلاق سودة رضيت بأن تهب له ليلتها وتبقى على حقها من النفقة والكسوة، فهذا أعدل الصلح، فإن الله سبحانه أباح للرجل أن يطلق زوجته ويستبدل بها غيرها، فإذا رضيت بترك بعض حقها وأخذ بعضه وإن يمسكها كان هذا من الصلح العادل، وكذلك أرشد الخصمين اللذين كانت بينهما المواريث بأن يتوخيا الحق بحسب الإمكان ثم يحلل كل منهما صاحبه ; وقد أمر الله سبحانه بالإصلاح بين الطائفتين المقتتلتين أولا فإن بغت إحداهما على الأخرى فحينئذ أمر بقتال الباغية لا بالصلح فإنها ظالمة، ففي الإصلاح مع ظلمها هضم لحق الطائفة المظلومة، وكثير من الظلمة المصلحين يصلح بين القادر الظالم والخصم الضعيف المظلوم بما يرضي به القادر صاحب الجاه، ويكون له فيه الحظ، ويكون الإغماض والحيف فيه على الضعيف، ويظن أنه قد أصلح، ولا يمكن المظلوم من أخذ حقه، وهذا ظلم، بل يمكن المظلوم من استيفاء حقه، ثم يطلب إليه برضاه أن يترك بعض حقه بغير محاباة لصاحب الجاه، ولا يشتبه بالإكراه للآخر بالمحاباة ونحوها )(1).
4 - الصلح في مرحلة التحقيق:
إذا وقعت جناية مما تجوز فيه المصالحة، كقضايا الاعتداء على النفس بالقتل، وما دونه، فيستحب للمحقق في أثناء التحقيق أن يعرض المصالحة على أطراف القضية، لأن الصلح خير، والله سبحانه وتعالى أمر به، وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر به الخلفاء الراشدون، فإذا اصطلح أطراف القضية فعلى المحقق أن يضبط إقراراتهم بما اصطلحوا عليه، ويشهد عليهم، ويصدق ما كان متعلقا بالقصاص ونحوه شرعا، ويجب التنبه إلى أن القضية التي فيها حق خاص وحق عام، وتحصل المصالحة بين أطرافها، فإن المصالحة لا تسقط الحق العام الواجب في القضية، لأنه حق لكافة المجتمع، فلا بد من إكمال الإجراءات المتعلقة به وإحالة من وجب عليه الحق العام مع المدعي العام إلى المحكمة.
وقد ورد النص على ذلك في المادتين ( 22، 23 ) من نظام الإجراءات الجزائية وبيناه في مصطلح : دعوى.
5 - الصلح في مرحلة القضاء:
إذا وصلت القضية المحكمة فإن المدعي فيها إما أن يكون مدعيا عاما، أو مدعيا خاصا، فالمدعي العام لا يملك بحال من الأحوال الصلح أو التنازل عن الدعوى. وأما المدعي الخاص فإن كانت دعواه مما يجوز فيه الصلح، فإنه يملك حق الصلح، والتنازل ، ويجوز للقاضي أن يعرض على الخصوم أمر الصلح، إذا رأى أن فيه مصلحة. قال الطرابلسي رحمه الله: ( وإذا أشكل على القاضي وجه الحق أمرهم بالصلح ، فإن تبين له وجه الحكم فلا يعدل إلى الصلح وليقطع به ، فإن خشي من تفاقم الأمر بإنفاذ الحكم بين المتخاصمين أو كانا من أهل الفضل أو بينهما رحم أقامهما وأمرهما بالصلح. وقد أقام بعض قضاة العدل من الصدر الأول رجلين من صالحي جيرانه من بين يديه وقال: استرا على أنفسكما ولا تطلعاني على سركما. وقال عمر بن الخطاب: ردوا القضاء بين ذوي الأرحام حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث الضغائن. قال بعضهم: إنما يجوز للقاضي أن يأمر بالصلح إذا تقارب الحجتان بين الخصمين غير أن أحدهما يكون ألحن بحجته من الآخر، أو تكون الدعوى في أمور درست وتقادمت وتشابهت. وأما إذا تبين للحاكم موضع الظالم من المظلوم لم يسعه من الله إلا فصل القضاء )(1).
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية
المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي
الطبعة: الثانية 1427
تعليقات (0)