المنشورات

غيلة

1 - التعريف:
الغِيلَةُ في اللغة لها معان منها: الخَدِيعَة ؛ يقال: قُتِلَ فُلانٌ غيلة، أي: خُدْعة، وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع، فإذا صار إليه قتله. والغيلة في كلام العرب: إيصال الشر والقتل إليه من حيث لا يعلم ولا يشعر(1).
وفي الاصطلاح: الغيلة: هي القتل على غرة كالذي يخدع إنسانا فيدخله بيتا أو نحوه، فيقتله(2).
2 - الأحكام المتعلقة بقتل الغيلة:
لا خلاف في تحريم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا خلاف في تحريم الغدر والخداع الذي يفضي إلى أمر محرم ، والقتل غيلة من أقبح الفعال وأشنعها ؛ لأنه يجمع بين الأمرين المحرمين الغدر والقتل ، وجريمة الغيلة من جرائم الحرابة التي يقتل مرتكبها حداً ، ولا يدخلها الصلح ولا القصاص ، كما سيتبين من الفقرات التالية.
3 - العفو عن القاتل غيلة:
يرى فقهاء المالكية أنه لو عفا ولي المقتول غيلة عن القاتل، فإن عفوه لا يسقط عقوبة القتل ; لأن الحق ليس له، وإنما لله سبحانه وتعالى، ويعتبرون القتل غيلة حرابة في حالة ما إذا كان القاتل ظاهرا على وجه يتعذر معه الغوث.
جاء في المدونة: ( قلت: أرأيت إن قتل رجل وليا لي قتل غيلة فصالحته على الدية، أيجوز هذا في قول مالك ؟ قال: لا يجوز فيه الصلح في رأيي، إنما ذلك إلى السلطان ليس لك هاهنا شيء وترد ما أخذت منه، ويحكم عليه السلطان بحكم المحارب فيقتله السلطان بضرب عنقه أو بصلبه إن أحب حيا فيقتله مصلوبا )(3). 

وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: ( وأما إذا كان يقتل النفوس سرا لأخذ المال ; مثل الذي يجلس في خان يكريه لأبناء السبيل فإذا انفرد بقوم منهم قتلهم وأخذ أموالهم ؛ أو يدعو إلى منزله من يستأجره لخياطة أو طب أو نحو ذلك فيقتله ويأخذ ماله وهذا يسمى القتل غيلة، ويسميهم بعض العامة المعرجين، فإذا كان لأخذ المال فهل هم كالمحاربين أو يجري عليهم حكم القود ؟ فيه قولان للفقهاء. أحدهما: أنهم كالمحاربين لأن القتل بالحيلة كالقتل مكابرة كلاهما لا يمكن الاحتراز منه ; بل قد يكون ضرر هذا أشد ; لأنه لا يدرى به. والثاني: أن المحارب هو المجاهر بالقتال ; وإن هذا المغتال يكون أمره إلى ولي الدم ؛ والأول أشبه بأصول الشريعة ; بل قد يكون ضرر هذا أشد، لأنه لا يدرى به)(1).
ويرى جمهور الفقهاء أن قتل الغيلة كغيره، يجوز فيه القصاص والعفو وفي ذلك يقول ابن قدامة: ( وقتل الغيلة وغيره سواء في القصاص والعفو، وذلك للولي دون السلطان ؛ وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، وابن المنذر.
وقال مالك: الأمر عندنا أن يقتل به، وليس لولي الدم أن يعفو عنه، وذلك إلى السلطان. والغيلة عنده، أن يخدع الإنسان، فيدخل بيتا أو نحوه، فيقتل أو يؤخذ ماله؛ ولعله يحتج بقول عمر، في الذي قتل غيلة: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لأقدتهم؛ به وبقياسه على المحارب. ولنا عموم قوله تعالى: { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً } [الإسراء 33] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: { فأهله بين خيرتين } ؛ ولأنه قتيل في غير المحاربة، فكان أمره إلى وليه، كسائر القتلى ، وقول عمر: لأقدتهم به، أي أمكنت الولي من استيفاء القود منهم)(2).
4 - قرار هيئة كبار العلماء رقم 38 وتاريخ 11/8 /1395هـ بشأن قتل الغيلة:
الحمد لله وحده. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد , فبناء على ما تقرر في الدورة ( السادسة ) لهيئة كبار العلماء. بأن تعد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثا في الغيلة وقد أعدته وأدرج في جدول أعمال الهيئة في الدورة السابعة المنعقدة في الطائف من 2/8/1395هـ إلى11/8/1395هـ وقد عرض البحث على الهيئة وبعد قراءته في المجلس ومناقشة المجلس لكلام أهل العلم في تعريف الغيلة في اللغة وعند الفقهاء , وما ذكر من المذاهب والأدلة والمناقشة في عقوبة القاتل قتل غيلة هل هو القصاص أو الحد. وتداول الرأي , وحيث أن أهل العلم ذكروا أن قتل الغيلة ما كان عمدا عدوانا على وجه الحيلة والخداع أو على وجه يأمن معه المقتول من غائلة القاتل سواء كان على مال أو لانتهاك عرض أو خوف فضيحة وإفشاء سرها أو نحو ذلك , كأن يخدع إنسان شخصا حتى يأمن منه ويأخذه إلى مكان لا يراه فيه أحد, ثم يقتله , وكأن يأخذ مال رجل بالقهر ثم يقتله خوفا من أن يطالبه بما أخذ , وكأن يقتله لأخذ زوجته أو ابنته , وكأن تقتل الزوجة زوجها في مخدعه أو منامه - مثلا - للتخلص منه , أو العكس ونحو ذلك. لذا قرر المجلس بالإجماع ما عدا الشيخ/ صالح بن غصون(1) أن القاتل قتل غيلة يقتل حدا لا قصاصا فلا يقبل ولا يصح فيه العفو من أحد, والأصل في ذلك الكتاب والسنة والأثر والمعنى. 

أما الكتاب فقوله تعالى: { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا } [ المائدة 33 ]، وقتل الغيلة نوع من الحرابة فوجب قتله حدا لا قودا وأما السنة فما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين على أوضاح لها أو حلي فأخذ وأعترف , فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين. فأمر صلى الله عليه وسلم بقتل اليهودي ولم يرد الأمر إلى أولياء الجارية , ولو كان القتل قصاصا لرد الأمر إليهم لأنهم أهل الحق فدل أن قتله حدا لا قودا. وأما الأثر فما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل واحد قتلوه غيلة , وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا فهذا حكم الخليفة الراشد في قتل الغيلة ولا نعلم نقلا يدل على أنه رد الأمر إلى الأولياء ولو كان الحق لهم لرد الأمر إليهم على أنه يقتل حدا لا قودا. وأما المعنى , فإن قتل الغيلة حق لله , وكل حق يتعلق به حق الله تعالى فلا عفو فيه لأحد كالزكاة وغيرها , ولأنه يتعذر الاحتراز منه كالقتل مكابرة وبالله التوفيق , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. 













مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية

المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي

الطبعة: الثانية 1427

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید