المنشورات

قائف

1 - التعريف:
القائفُ في اللغة: هو الذي يَعرف الآثار والشَّبه ، والجمع القافةُ. يقال: قُفْت أَثره إِذا اتَّبعْته مثل قَفَوْت أَثَره(1).
وعرفه النسفي: بأنه الذي يعرف الآثار والشبه ويقال بالفارسية ( بي شناس ) وهو الذي يعرف شبه الأولاد بالآباء فيخبر أن هذا الولد من فلان أو فلان(2).
والقائف هو الذي يسمى في هذا الزمان بقصاص الأثر أو بالمرِّي.
2 - من هم القافة؟
قال ابن قدامة: ( والقافة قوم يعرفون الإنسان بالشبه, ولا يختص ذلك بقبيلة معينة, بل من عرف منه المعرفة بذلك , وتكررت منه الإصابة , فهو قائف. وقيل: أكثر ما يكون في بني مدلج رهط مجزز المدلجي الذي رأى أسامة وأباه زيدا قد غطيا رؤوسهما, وبدت أقدامهما , فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض. وكان إياس بن معاوية المزني قائفا, وكذلك قيل في شريح )(3).
قلت: وأكثر القافة اليوم هم من قبيلة المرة ، وهي قبيلة معروفة يمتاز رجالها بالفطنة والذكاء ، ويطلق على واحدهم مرَّي.
3 - حجية الأخذ بقول القائف:
دلت السنة على الأخذ بقول القائف، ففي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليَّ مسروراً , تبرق أسارير وجهه. فقال: { ألم تري أن مجززاً نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد , فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض } وفي لفظ { كان مجزز قائفا } . متفق عليه(4). قال ابن دقيق العيد رحمه الله: ( ووجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم سر بذلك وقال الشافعي رحمه الله: ولا يسر بباطل )(5). 

قال ابن القيم رحمه الله: ( الطريق السادس والعشرون الحكم بالقافة: وقد دلت عليها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل خلفائه الراشدين والصحابة من بعدهم , منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبو موسى الأشعري , وابن عباس , وأنس بن مالك رضي الله عنهم , ولا مخالف لهم في الصحابة , وقال بها من التابعين: سعيد بن المسيب , وعطاء بن أبي رباح , والزهري , وإياس بن معاوية , وقتادة , وكعب بن سوار , ومن تابعي التابعين: الليث بن سعد, ومالك بن أنس, وأصحابه , وممن بعدهم: الشافعي وأصحابه , وإسحاق, وأبو ثور, وأهل الظاهر كلهم. وبالجملة: فهذا قول جمهور الأمة. وخالفهم في ذلك أبو حنيفة وأصحابه, وقالوا: العمل بها تعويل على مجرد الشبه, وقد يقع بين الأجانب, وينتفي بين الأقارب )(1). وقال أيضا: ( والقياس وأصول الشريعة تشهد للقافة: لأن القول بها حكم يستند إلى درك أمور خفية وظاهرة , توجب للنفس سكونا , فوجب اعتباره كنقد الناقد , وتقويم المقوم. وقد حكى أبو محمد ابن قتيبة: أن قائفا كان يعرف أثر الأنثى من أثر الذكر )(2).
4 - الإثبات بقيافة الأثر في الجنايات:
يستعان بقياقة الأثر في القبض على المتهمين ، بتتبع آثارهم ، والقبض عليهم وإحضارهم , كما حدث ذلك في قضية العرنيين , الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، متظاهرين بالإسلام ، فلما أصابتهم حمى المدينة بعثهم صلى الله عليه وسلم إلى رعاة الإبل في ضواحي المدين ليشربوا من ألبانها ، فقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم , فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة فأتي بهم. 

ويعد رأي القائف شهادة تثبت بها الحقوق والدعاوى عند الفقهاء , مثاله فيما ذكره ابن تيميه: أن يدعي شخص أنه ذهب من ماله شيء , ويثبت ذلك , فيقتص القائف أثر الوطء من مكان إلى مكان آخر , فشهادة القائف أن المال دخل إلى هذا الموضع توجب أحد الأمرين: إما الحكم به, وإما أن يكون الحكم به مع اليمين للمدعي, وهو الأقرب , فإن هذه الأمارات ترجح جانب المدعي , واليمين مشروعة في أقوى الجانبين.
وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالأثر في السيف كما يذكر ابن فرحون في قصة عبد الله بن أنيس وأصحابه رضي الله عنهم لما دخلوا الحصن على ابن أبي الحقيق ليقتلوه , وكان ذلك ليلا , فوقعوا فيه بالسيوف , ووضع عبد الله بن أنيس السيف في بطنه وتحامل عليه حتى نبع ظهره , فلما رجعوا وقد قتلوه نظر عليه الصلاة والسلام إلى سيوفهم فقال: { هذا قتله } لأنه رأى على السيف أثر الطعان.
وقد استند إياس بن معاوية إلى الأثر حين اختصم عنده رجلان في قطيفتين إحداهما حمراء والأخرى خضراء , وأحدهما يدعي التي بيد الآخر , وأنه ترك قطيفته ليغتسل, فأخذها الآخر وترك قطيفته هو في محله , ولم توجد بينة, فطلب إياس أن يؤتى بمشط , فسرح رأس هذا ورأس هذا , فخرج من رأس أحدهما صوف أحمر , ومن رأس الآخر صوف أخضر , فقضى بالحمراء للذي خرج من رأسه الصوف الأحمر وبالخضراء للذي خرج من رأسه الصوف الأخضر. 

وفي إحدى القضايا هرب القاتل واندس بين الناس فلم يُعرف , فمر المعتضد على الناس يضع يده على قلب كل واحد منهم , واحدا بعد واحد فيجده ساكنا , حتى وضع يده على فؤاد ذلك الغلام فإذا به يخفق خفقا شديدا فركضه برجله , واستقره فأقر فقتله. ومع ذلك فإن الاستناد إلى الأثر ليس قرينة قطعية على ارتكاب الجريمة, تشير إلى ذلك قضية القصاب الذي ذهب إلى خربة للتبول ومعه سكينه , فإذا به أمام مقتول يتشحط في دمه, وما أفاق من ذهوله حتى وجد العسس يقبضون عليه, وقد عجز الرجل عن الدفاع عن نفسه معتقدا أن الأدلة جميعها ضده , ولم ينقذه من العقوبة المحتومة - وهي القتل - إلا إقرار القاتل الحقيقي بالجريمة(1).
ومن أخبار القيافة المعاصرة ، أن رجلاً مجهولاً ارتكب سرقة في إحدى محافظات المملكة ، ولم يوجد في مسرح الجريمة سوى أثر أقدام الجاني، فاستعان رجال الضبط بالقائف - المري - الذي نظر فقط إلى آثار الأقدام ثم مضت الأيام ، وبعد مضي ثلاثة أشهر من الواقعة اجتمع الناس في حفلة زواج عند الرجل صاحب المحل المسروق ، وكان المري الذي نظر إلى آثار الجاني من بين الحاضرين فرآى شاباً أقبل يمشي ، فسأل عنه فقال صاحب الحفلة هذا قريب لي ، فقال المري هذا هو الذي سرق محلك ، فلما استجوب هذا الشاب من قبل الجهات المختصة اعترف بالسرقة.
ولقد قلل من الحاجة للقافة في هذا العصر ظهور الوسائل الحديثة التي يتم بواسطتها التعريف على الآثار، كعلم البصمات، والتحاليل الطبية، ونحوها. 














مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية

المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي

الطبعة: الثانية 1427

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید