المنشورات
قتل
1 - التعريف:
القَتْلُ في اللغة: فعل يحصل به زهوق الروح يقال: قتله قتلا: أزهق روحه، وقتله إذا أماته بضرب أو جرح أو علة. قال الخليل: والقَتْلُ معروف، يقالُ: قَتَلَه إذا أماتَه بضَرْبٍ أو جَرْحٍ أو عِلّةٍ(1). وفي لسان العرب يقال: قتله بضرب أو حجر أو سم: أماته(2).
وفي الاصطلاح : هو فعل ما يكون سببا لزهوق النفس وهو مفارقة الروح البدن(3).
2 - أنواع القتل:
القتل نوعان هما:
الأول - قتل مباح: وهو القتل بحق، كقتل القاتل قصاصا، والقتل الواجب نتيجة ارتكاب حد من حدود الله.
الثاني- قتل محرم: وهو قتل النفس المعصومة عمدا وعدوانا، وهذا النوع هو الذي يعد جناية، وهو الذي سنتحدت عنه ، إن شاء الله تعالى.
3 - حكم قتل النفس بغير حق:
قتل النفس التي حرم الله قتلها من أكبر الكبائر بعد الكفر بالله، لأنه اعتداء على صنع الله، واعتداء على الجماعة والمجتمع وهو محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: ( وأجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع.أما الكتاب فقول الله تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } [الإسراء 33 ]. وقال تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً } [ النساء آية 92 ] وقال: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } [ النساء 93 ]. وأما السنة، فروى عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث; الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة } . متفق عليه(1) . وروى عثمان، وعائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، في آي وأخبار سوى هذه كثيرة.
ولا خلاف بين الأمة في تحريمه، فإن فعله إنسان متعمدا فسق ، وأمره إلى الله، إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له، وتوبته مقبولة في قول أكثر أهل العلم؛ وقال ابن عباس: إن توبته لا تقبل؛ للآية التي ذكرناها، وهي من آخر ما نزل؛ قال ابن عباس: ولم ينسخها شيء )(2).
4 - أقسام القتل:
يرى جمهور الفقهاء أن قتل النفس ينقسم إلى ثلاثة أقسام: عمد، وشبه عمد، وخطأ؛ وبيان ذلك:
*أولا - قتل العمد:
وهو أن يقصد آدميا معصوما فيقتله بما يغلب على الظن موته به ؛ وهذا النوع من القتل هو الموجب للقصاص.
وذكر البهوتي أن هذا النوع من القتل له تسعة أقسام فقال: ( قتل العمد الموجب للقصاص له تسعة أقسام عرفت بالاستقراء وهي:
القسم الأول: أن يجرحه بمحدد له مَوْر ، أي دخول وتردد في البدن بقطع اللحم والجلد كسكين وسيف ورمح وقدوم أو يغرزه بمِسلة، أو ما في معناه.
القسم الثاني: أن يضربه بمثقل كبير فوق عمود الفسطاط الذي تتخذه العرب لبيوتها،لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا سئل عن المرأة التي ضربت جاريتها بعمود فسطاط فقتلتها وجنينها، قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة وبدية المرأة على عاقلتها(1). والعاقلة لا تحمل العمد فدل على أن القتل بعمود الفسطاط ليس بعمد وإن العمد يكون بما فوقه، أو يضربه بحجر كبير، أو يلقي عليه حائطا أو سقفا أو صخرة أو خشبة عظيمة، أو يلقيه من شاهق أو يكرر الضرب عليه بخشبة صغيرة أو حجر صغير؛ لأن ذلك كله مما يقتل غالبا؛ أو يضربه بما ذكر من الخشبة الصغيرة أو الحجر الصغير مرة في مقتل ونحوه، أو يلكزه بيده في مقتل، أو في حال ضعف قوة من مرض أو صغر أو كبر أو حر مفرط أو برد شديد ونحوه فمات فعليه القود ؛ لأن ذلك الفعل يقتل غالبا.
القسم الثالث: أن يجمع بينه وبين حيوان مفترس كالأسد أو نمر، أو يلقيه مكتوفا بمضيق، بحضرة حية أو عقرب، فتنهشه أو تلدغه، فإنه إذا تعمد ذلك فقد تعمد قتله بما يقتل غالبا.
القسم الرابع: أن يلقيه في ماء يغرقه أو نار تحرقه، ولا يمكنه التخلص منهما، أي من الماء والنار، إما لكثرتهما أو لعجزه عن التخلص لمرض أو ضعف أو صغر أو كان مربوطا أو منعه الخروج كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها، أو حبسه في بيت وأوقد فيه نارا وسد منافذ البيت حتى اشتد الدخان وضاق به النفس أو دفنه حيا، أو ألقاه في بئر ذات نفس عالما بذلك، فمات فعمد ; لأن ذلك يقتل غالبا.
القسم الخامس: خنقه بحبل أو غيره، وهو نوعان: أحدهما: أن يخنقه في عنقه ثم يعلقه في نحو خشبة فيموت فهو عمد ; سواء مات في الحال أو بقي زمنا ; لأن هذا جرت به عادة اللصوص والمفسدين، الثاني: أن يخنقه وهو على الأرض أو سد فمه وأنفه أو عصر خصيتيه حتى مات في مدة يموت في مثلها غالبا فعمد لأنه يقتل غالبا.
القسم السادس: حبسه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما، أو منعه الدفء في الشتاء ولياليه الباردة، حتى مات جوعا أو عطشا أو بردا في مدة يموت في مثلها غالبا، بشرط أن يتعذر عليه الطلب فعمد ؛ لأن الله تعالى أجرى العادة بالموت عند ذلك فإذا تعمده الإنسان فقد تعمد القتل.
القسم السابع: أن يسقيه سما لا يعلم المقتول به، أو خلطه بطعام ثم أطعمه إياه، فمات فعليه القود إن كان ذلك السم مثله يقتل غالبا؛ لما روي أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها النبي وبشير بن العلاء فلما مات بشير أرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم فاعترفت فأمر بقتلها.رواه أبو داود(1).
القسم الثامن: أن يقتله بسحر يقتل مثله غالبا، إذا كان الساحر يعلم ذلك أشبه ما لو قتله بمحدد، وإن قال الساحر لا أعلمه قاتلا لم يقبل قوله؛ لأنه خلاف الظاهر، فهو أي السحر كسم حكما أي في حكمه السابق.
القسم التاسع: أن يشهد اثنان فأكثر على شخص بما يوجب القتل، فيقتل بشهادتهم، ثم يرجعوا ويعترفوا بتعمد الشهادة كذبا، لما روى القاسم بن عبد الرحمن أن رجلين شهدا عند علي على رجل أنه سرق فقطعه، ثم رجعا عن شهادتهما ; فقال علي: { لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما } ؛ ولأنهما توصلا إلى قتله بسبب يقتل غالبا أشبه به المكره ؛ وكذلك الحاكم إذا حكم على شخص بالقتل عالما بكذب البينة، متعمدا فقتل واعترف الحاكم بذلك، فعليه القصاص ؛ لأنه في معنى الشهود، فكان الحاصل بسببه عمدا كالقتل الحاصل بسبب الشاهدين(1).
* ثانيا - قتل شبه عمد:
قال ابن قدامة رحمه الله: ( شبه العمد أحد أقسام القتل، وهو أن يقصد ضربه بما لا يقتل غالبا ; إما لقصد العدوان عليه، أو لقصد التأديب له، فيسرف فيه، كالضرب بالسوط ، والعصا ، والحجر الصغير، والوكز واليد، وسائر ما لا يقتل غالبا إذا قتل، فهو شبه عمد ; لأنه قصد الضرب دون القتل، ويسمى عمد الخطإ وخطأ العمد ; لاجتماع العمد والخطإ فيه، فإنه عمد الفعل، وأخطأ في القتل، فهذا لا قود فيه ؛ والدية على العاقلة، في قول أكثر أهل العلم )(2).
* ثالثا - قتل الخطأ:
قال ابن قدامة: ( الخطأ أن يفعل فعلا لا يريد به إصابة المقتول فيصيبه ويقتله، مثل أن يرمي صيدا أو هدفا، فيصيب إنسانا فيقتله ؛ قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أن القتل الخطأ، أن يرمي الرامي شيئا، فيصيب غيره، لا أعلمهم يختلفون فيه؛ هذا قول عمر بن عبد العزيز، وقتادة، والنخعي ، والزهري، وابن شبرمة ، والثوري ، ومالك ، والشافعي، وأصحاب الرأي ؛ فهذا الضرب من الخطإ تجب به الدية على العاقلة والكفارة في مال القاتل، بغير خلاف نعلمه ؛ والأصل في وجوب الدية والكفارة، قول الله تعالى: { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } . [ النساء 92 ]، وسواء كان المقتول مسلما أو كافرا له عهد ; لقول الله تعالى: { فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } [ النساء 92 ] ؛ ولا قصاص في شيء من هذا ; لأن الله تعالى أوجب به الدية ، ولم يذكر قصاصا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: { رفع عن أمتي الخطأ, والنسيان , وما استكرهوا عليه } (1) ؛ ولأنه لم يوجب القصاص في عمد الخطأ، ففي الخطأ أولى )(2).
5 - أركان القتل :
يتضح مما سبق أن أركان القتل أربعة هي:
الركن الأول: القاتل، وهو: الجاني الذي يقع منه الفعل.
الركن الثاني: المقتول، وهو: المجني عليه، الذي يقع عليه الفعل ؛ ويشترط فيه، أن يكون آدميا حيا، معصوم الدم.
الركن الثالث: القصد الجنائي، وهو: أن يقصد الجاني قتل المجني عليه، وهذا الركن هو الذي يميز أنواع القتل الثلاثة السابقة عن بعضها، فإن تعمد الجاني الفعل قاصدا قتل المجني عليه، فهو قتل عمد، وإن تعمد الفعل بقصد العدوان دون قصد النتيجة، فهو شبه عمد، وإن تعمد الفعل ولم يقصد العدوان، ولا النتيجة فهو خطأ.
الركن الرابع: حصول القتل، وهو: إزهاق الروح نتيجة الفعل.
6 - التحقيق في جرائم القتل:
يتطلب التحقق في جرائم القتل نوعا من الفطنة والدقة، وانتقاء الأسئلة، فهذا الهادي البشير والسراج المنير صلى الله عليه وسلم، يرسم لنا منهجا واضحا في التحقيق في جرائم القتل وهو يناقش أحد المتهمين في قضية قتل، وذلك فيما رواه الإمام مسلم، عن سماك بن حرب: أن علقمة بن وائل حدثه: أن أباه حدثه قال: إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة، فقال: يا رسول الله لِلَّهِ هذا قتل أخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أقتلته ؟ } فقال: - أي المدعي - إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة، قال: نعم قتلته، قال: { كيف قتلته ؟ } قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة فسبني فأغضبني، فضربته بالفأس على قرنه فقتلته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: { هل لك من شيء تؤديه عن نفسك ؟ } قال: ما لي مال إلا كسائي وفأسي، قال: { فترى قومك يشترونك؟ } . قال: أنا أهون على قومي من ذاك، فرمى إليه بنسعته، وقال: { دونك صاحبك } ، فانطلق به الرجل، فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن قتله فهو مثله } فرجع، فقال: يا رسول الله لِلَّهِ إنه بلغني أنك قلت: إن قتله فهو مثله وأخذته بأمرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك؟ } قال: يا نبي الله لِلَّهِ - لعله قال - بلى: قال: { فإن ذاك كذاك } ، قال: فرمى بنسعته وخلى سبيله(1).
وقصة أخرى يتولى التحقيق فيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين حقق مع النفر الثلاثة الذين اتهموا بقتل صاحبهم، فقد ذكر ابن القيم، رحمه الله تعالى هذه القصة فقال: ( إن شابا شكا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفرا، فقال: إن هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر؛ فعادوا ولم يعد أبي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله؟ فقالوا: ما ترك شيئا، وكان معه مال كثير، وترافعنا إلى شريح، فاستحلفهم وخلى سبيلهم، فدعا علي بالشرط، فوكل بكل رجل رجلين، وأوصاهم ألا يمكنوا بعضهم أن يدنو من بعض، ولا يدعوا أحدا يكلمهم، ودعا كاتبه، ودعا أحدهم ؛ فقال: أخبرني عن أبي هذا الفتى: في أي يوم خرج معكم ؟ وفي أي منزل نزلتم ؟ وكيف كان سيركم ؟، وبأي علة مات ؟ وكيف أصيب بماله؟، وسأله عمن غسله ودفنه؟، ومن تولى الصلاة عليه ؟، وأين دفن؟ ونحو ذلك، والكاتب يكتب، ثم كبر علي، فكبر الحاضرون، والمتهمون لا علم لهم إلا أنهم ظنوا أن صاحبهم قد أقر عليهم ؛ ثم دعا آخر بعد أن غيَّبَ الأول عن مجلسه، فسأله كما سأل صاحبه، ثم الآخر كذلك، حتى عرف ما عند الجميع، فوجد كل واحد منهم يخبر بضد ما أخبر به صاحبه، ثم أمر برد الأول، فقال: يا عدو الله، قد عرفت غدرك وكذبك بما سمعت من أصحابك، وما ينجيك من العقوبة إلا الصدق، ثم أمر به إلى السجن، وكبر، وكبر معه الحاضرون، فلما أبصر القوم الحال لم يشكوا أن صاحبهم أقر عليهم، فدعا آخر منهم، فهدده، فقال: يا أمير المؤمنين، والله لقد كنت كارها لما صنعوا، ثم دعا الجميع فأقروا بالقصة، واستدعي الذي في السجن، وقيل له: قد أقر أصحابك ولا ينجيك سوى الصدق، فأقر بمثل ما أقر به القوم، فأغرمهم المال، وأقاد منهم بالقتيل)(1).
ويستفاد من القصتين السابقتين:
1 - أن على المحقق بعد سماع الدعوى أن يسأل المتهم سؤالا عاما عما نسب إليه، وهذا مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: أقتلته.
2 - يجب أن يتصف المحقق برحابة الصدر، وعدم الانزعاج من مقاطعة كلامه أو المداخلة التي تحصل من أحد الطرفين أو من المحامي أو من الوكيل؛ أخذا من قول المدعي - أمام النبي صلى الله عليه وسلم-: إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم تلك المداخلة.
3 - تشديد الحراسة على المتهمين بجرائم القتل ؛ لأن علياً رضي الله عنه وكلَّ بكل متهم رجلين يحرسانه.
4 - التفريق بين المتهمين ؛ لما فعله علي رضي الله عنه عندما أوصى بعدم تمكين المتهمين من الدنو من بعضهم.
5 - حبس المتهمين انفراديا ؛ لأن عليا رضي الله عنه أمر الحراس ألا يدعوا أحدا يكلم المتهمين.
6 - محاصرة المتهمين بالأسئلة ؛ مستفاد من القصتين.
7 - مواجهة المتهم بأقوال غيره من المتهمين معه ؛ لفعل علي رضي الله عنه.
7 - ضبط اعتراف القاتل:
يجب على المحقق إذا اعترف المتهم بجريمة القتل أن يبادر إلى تدوين اعترافه، ويبين في الاعتراف، اسم المقتول وسبب القتل وكيفيته، والآلة التي تم القتل بواسطتها، ومكان ووقت وقوع القتل.
8 - إثبات جريمة القتل:
جريمة القتل تثبت بإقرار الجاني المعتبر ، وبالشهادة المعتبرة ، ويصح توجيه الاتهام له إذا توفرت واحدة من الأدلة والقرائن التالية:
1 ـ عن طريق الأدلة المعتبرة في إثبات الجرائم الأخرى، ومن أبرزها، الإقرار، والبينة.
2 ـ عن طريق الآلة المستخدمة في الجريمة، وهي التي يستخدمها الجاني في ضرب المجني عليه، فلو أن إنسانا ضرب آخر بسكين، وبعد فترة وجد المضروب ميتا، فقال الضارب أنا ضربته بالسكين لكن لم أقتله، ففي هذه الحالة يمكن أن يوجه له الاتهام بقتل المجني عليه، لأن السكين تقتل غالبا، مع مراعاة ما يقرره أصحاب الخبرة والاختصاص في هذا الشأن كالأطباء الشرعيين، ونحوهم.
وحول هذه النقطة يقول الأستاذ / عبد القادر عودة، رحمه الله: ( واعتبار القصد الجنائي ثابتا باستعمال آلة قاتلة ليس قرينة قاطعة، ولا دليلا غير قابل للنفي، فيجوز للجاني أن يثبت أنه لم يستعمل الآلة القاتلة بقصد القتل، فإذا استطاع إثبات دفاعه انتفى وجود قصد القتل وأعتبر الفعل قتلا شبه عمد)(1).
3 - عن طريق اللوث: واللوث هو: أمر ينشأ عنه غلبة الظن بصدق المدعي.
ومن صور اللوث في جرائم القتل ما يلي:
أ - وجود قتيل في قرية وبينه وبين أهلها عداوة أو تهديد، وإدعاء الورثة على أهل هذه القرية.
ب - قول المقتول قبيل موته قتلني فلان.
ج - إقرار المتهم أثناء التحقيق أنه هو القاتل، ثم رجوعه عن إقراره مدعيا أنه أقر نتيجة تعذيبه.
4 - قول أهل الخبرة إن فلانا هو القاتل، نتيجة وجود بصماته على الآلة الثابت استخدامها في القتل.
5 - شهادة رجلين مردودي الشهادة لسبب من الأسباب على فلان أنه هو القاتل.
6 - ثبوت خروج المتهم والمقتول إلى جهة واحدة ورجوع المتهم دون المقتول.
7 - استخراج المقذوف الناري من المقتول ووجود المتهم بالقرب منه ومعه سلاح أثبت أهل الخبرة أن المقذوف الناري المستخرج من المقتول خارج من هذا السلاح.
فإذا وجد واحد من هذه الأمور صح توجيه الاتهام للمتهم بالقتل تحقيقا، وإن انضم إلى ذلك القسامة في مجلس القضاء وجب القصاص، بدليل قصة حويِّصة ومُحيِّصة(2).
9 - تحريك الدعوى العامة في جرائم القتل:
قال المرداوي: ( الواجب بقتل العمد أحد شيئين: القصاص، أو الدية، في ظاهر المذهب ؛ هذا المذهب المشهور المعمول به في المذهب، وعليه الأصحاب؛ وهو من مفردات المذهب ؛ وعنه: أن الواجب القصاص عينا فعلى المذهب الخيرة فيه إلى الولي فإن شاء اقتص، وإن شاء أخذ الدية، وإن شاء عفا إلى غير شيء، والعفو أفضل بلا نزاع في الجملة ؛ وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: استيفاء الإنسان حقه من الدم عدل، والعفو إحسان، والإحسان هنا أفضل، لكن هذا الإحسان لا يكون إحسانا إلا بعد العدل، وهو أن لا يحصل بالعفو ضرر، فإذا حصل به ضرر كان ظلما من العافي، إما لنفسه وإما لغيره، فلا يشرع، قلت: وهذا عين الصواب )(1).
أما الكفارة فقال عنها: ( أما العمد: فلا تجب فيه الكفارة على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب )(2).
* ثانياً - عقوبة القتل شبه العمد:
لا خلاف بين الفقهاء ممن يقولون بشبه العمد في أنه موجب للدية ؛ والدية في شبه العمد مغلظة، ودليل وجوبها وتغليظها في القتل شبه العمد قوله صلى الله عليه وسلم: { ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل، أربعون في بطونها أولادها } (3) وتجب هذه الدية على عاقلة الجاني عند جمهور القائلين بشبه العمد(4). قال المرداوي: ( يلزم في شبه العمد الدية، لكن هل تكون على العاقلة، أو على القاتل ؟ فيه خلاف )(5).
وعن وجوب الكفارة في القتل شبه العمد قال ابن قدامة رحمه الله: ( وتجب الكفارة في شبه العمد؛ ولم أعلم لأصحابنا فيه قولا، لكن مقتضى الدليل ما ذكرناه; ولأنه أجري مجرى الخطإ في نفي القصاص، وحمل العاقلة ديته، وتأجيلها في ثلاث سنين، فجرى مجراه في وجوب الكفارة، ولأن القاتل إنما لم يحمل شيئا من الدية لتحمله الكفارة، فلو لم تجب عليه الكفارة، تحمل من الدية; لئلا يخلو القاتل عن وجوب شيء أصلا، ولم يرد الشرع بهذا )(1).
* ثالثاً - ما يترتب على قتل الخطإ:
اتفق الفقهاء على أنه لا قصاص في القتل الخطأ، وإنما تجب الدية والكفارة فكل من قتل إنسانا ذكرا أو أنثى ، مسلما أو ذميا، مستأمنا أو مهادنا، وجبت الدية ، لقوله تعالى: { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } [ النساء 92 ]، وقوله سبحانه: { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } [ النساء 92 ] ؛ ودية الخطأ تجب على عاقلة الجاني مؤجلة في ثلاث سنين باتفاق الفقهاء ; لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها (2) , أي على عاقلة القاتلة.
ودليل تأجيلها كما قال الكاساني: إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، فإنه روي أن عمر رضي الله عنه قضى بذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينقل أنه خالفه أحد فيكون إجماعا(3).
11 - ما هي كفارة القتل ؟
قال ابن قدامة رحمه الله: ( وكفارة القتل عتق رقبة مؤمنة، بنص الكتاب، سواء كان القاتل أو المقتول مسلما أو كافرا، فإن لم يجدها في ملكه، فاضلة عن حاجته، أو يجد ثمنها، فاضلا عن كفايته، فصيام شهرين متتابعين، توبة من الله، وهذا ثابت بالنص أيضا، فإن لم يستطع، ففيه روايتان ; إحداهما، يثبت الصيام في ذمته، ولا يجب شيء آخر ; لأن الله تعالى لم يذكره، ولو وجب لذكره.والثانية: يجب إطعام ستين مسكينا ; لأنها كفارة فيها عتق وصيام شهرين متتابعين، فكان فيها إطعام ستين مسكينا عند عدمها، ككفارة الظهار والفطر في رمضان، وإن لم يكن مذكورا في نص القرآن، فقد ذكر ذلك في نظيره، فيقاس عليه ؛ فعلى هذه الرواية، إن عجز عن الإطعام، ثبت في ذمته حتى يقدر عليه وللشافعي قولان في هذا، كالروايتين ؛ والله أعلم )(1).
12 - تطبيق الإرادة المكية في جرائم القتل:
قضت الإرادة الملكية بأن قاتل العمد الذي يسقط عنه القصاص ويحكم عليه بالدية يسجن خمس سنوات، وقاتل شبه العمد يسجن سنتين ونصفا، وقاتل الخطأ لا شيء عليه، وفيما يلي نص خطاب نائب جلالة الملك الموجه لفضيلة رئيس القضاة برقم 2624 وتاريخ 6/4/1372هـ بهذا الخصوص:
( حضرة المكرم رئيس القضاة:نشير إلى المكاتبة الواردة منكم برقم 1964 وتاريخ 3/2/1372هـ بشأن سجن من يقتل عمدا أو خطأ أو شبه عمد، ونخبركم بما يأتي:
1 - قضت الإرادة الملكية الصادرة في خطاب الديوان العالي رقم 7/4/570 في 22/3/1360هـ والمبلغة إليكم من هذا المقام في حينه، بأن من لم يحكم عليه بالقود ويحكم عليه بالدية يسجن خمس سنوات من تاريخ سجنه.
2 - ثم صدرت الإرادة الملكية أيضا في خطاب الديوان العالي رقم 8/4/2104 في 26/10/1363هـ والمبلغة إليكم منا في ذلك الحين، بأن المتعمد في القتل الذي يحكم عليه بالدية يسجن خمس سنوات، أما غير المتعمد فيكتفى بسجنه سنتين ونصفا تخفيفا عليه.
3 - ثم بعد ذلك صدرت الإرادة الملكية أيضا في خطاب الديوان العالي رقم 8/4/1563 في 3/9/1366هـ والتي أبلغت إليكم منا برقم 3182 في 8/10/1366هـ، بأن قضايا القتل الذي يثبت وقوعه قضاء وقدرا، وليس فيه عمد ولا شبه عمد، لا يطبق فيها عقوبة السجن على المحكوم عليه، بل يكتفى بإنفاذ ما يحكم به الشرع. فمن تأمل ما ذُكِر تبيَّن أن قاتل العمد الذي يحكم عليه بالدية دون القصاص يسجن خمس سنوات، وقاتل شبه العمد يسجن سنتين ونصفا، وقاتل الخطأ المحض لا يشمله شيء من ذلك ؛ فالغاية التي نهدف إليها هي إشعار جميع المحاكم التي تنظر في قضايا القتل بأن تنص في صلب الحكم الذي تصدره على نوع القتل الذي يثبت لديها، حتى يمكن تطبيق العقوبة الإدارية على مرتكب الجريمة بما لا يخرج عن منطوق الأوامر العالية. فأكملوا ما يجب نحو ذلك ). ( نائب جلالة الملك )
وصدر خطاب نائب رئيس مجلس الوزراء رقم 4/1197/م وتاريخ 12/6/1409هـ وجاء فيه النص التالي: (أن ما نصت عليه الإرادة الملكية الصادرة بحق قاتلي العمد في حالة سقوط القصاص وقاتلي شبه العمد، يعتبر الحد الأدنى، فمتى رأى القاضي أن المتهم يستحق عقوبة تعزيرية أكثر مما ورد في الإرادة لظروف مشددة، فله أن يقرر ذلك، فأكملوا ما يلزم بموجبه ).
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية
المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي
الطبعة: الثانية 1427
30 يناير 2025
تعليقات (0)