المنشورات
قصاص
1 - التعريف:
القصاص في اللغة: من القَصِّ وهو: أَخذ الشعر بالمِقَصّ، وأَصل القَصِّ القَطْعُ. يقال: قصَصْت ما بينهما أَي قطعت. والقِصاص في الجِراح مأْخوذ من هذا إِذا اقْتُصَّ له منه بِجرحِه مثلَ جَرْحِه إِيّاه أَو قتْله به. قال الفيومي: ثم غلب استعمال القصاص في قتل القاتل، وجرح الجارح وقطع القاطع(1).
وفي الاصطلاح: القصاص أن يُفعل بالفاعل الجاني مثل ما فعل بالمجني عليه، وفقا لما حددته الشريعة الإسلامية.
2 - حكم القصاص:
اتفق الفقهاء على أن حكم القصاص واجب على ولي الأمر إذا رفع إليه من مستحقه، ومباح طلبه من قبل مستحقه إذا استوفى شروطه، فله أن يطالب به، وله أن يصالح عليه، وله أن يعفو عنه، والعفو أفضل، ثم الصلح، وسواء في ذلك كله أن تكون الجناية على النفس أو على ما دونها، وذلك لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } [ البقرة 178 ]، وقوله سبحانه: { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } [ الإسراء 33 ]، وقوله جل من قائل: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [المائدة 45]. وروى أبو داود والترمذي والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى ، وإما أن يقاد } (1). وروى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن الربيع بنت النضر بن أنس كسرت ثنية جارية، فعرضوا عليهم الأرش فأبوا، وطلبوا العفو فأبوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال: يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: { كتاب الله القصاص } ، قال: فعفا القوم؛ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره } (2). ولأن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص، فكان كالنفس في وجوب القصاص )(1).
3 - أنواع القصاص:
القصاص نوعان: قصاص في النفس، وقصاص فيما دون النفس، وبيانهما:
* أولا: القصاص في النفس:
ويشترط لوجوبه الشروط التالية:
1 - أن يكون القتل عمدا وعدوانا، وهذا باتفاق الفقهاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: { من قتل عمدا فهو قود } رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة(2).
2 - أن يكون القاتل مكلفا ، أي يكون بالغا ، عاقلا ، غير مكره ؛ لحديث: { رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقض } رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة(3). وقوله صلى الله عليه وسلم: { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } (4).
3 - أن يكون المقتول معصوم الدم ؛ فلا يكون حربيا، أو مرتدا لم يتب، ولا زانيا محصنا ثبت زناه عند القاضي.
4 - التكافؤ، بحيث لا يكون القاتل أفضل من المقتول بالإسلام أو الحرية، لقوله تعالى: { الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى } [ البقرة 178 ]، وقوله صلى الله عليه وسلم، { لا يقتل مسلم بكافر } (5).
5 - أن لا يكون القاتل والدا للمقتول، لحديث { لا يقتل والد بولده } (6).
* و يشترط لاستيفاء القصاص في النفس ثلاثة شروط:
1 - أن يكون المستحق للدم بالغا، عاقلا، فإن كان مستحقه صبيا، أو مجنونا، لم ينب عنهما أحد في استيفائه، لا أب، ولا وصي، ولا حاكم، بل يحبس الجاني حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون، لأن معاوية رضي الله عنه، حبس هُدْبة بن خَشْرم ، في قصاص حتى بلغ ابن القتيل، وذلك في عصر الصحابة ولم ينكر عليه أحد، فكان كالإجماع.
2 - أن يتفق أولياء الدم جميعا على المطالبة باستيفائه، وليس لبعضهم أن ينفرد به، فإن كان بعضهم غائبا، أو صغيرا، أو مجنونا، وجب انتظار الغائب حتى يرجع، والصغير حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، لأن من كان له الخيار في أمر لم يجز الافتيات عليه.
3 - أن يؤمن في استيفاء القصاص تعديه إلى غير الجاني ، لقوله تعالى: { فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً } [الإسراء الآية 33 ] فلو لزم القصاص حاملا فلا يجوز استيفاؤه حتى تضع حملها، بلا خلاف، لأن قتل الحامل إسراف في القتل لتعديه إلى الجنين، لما رواه ابن ماجة عن معاذ ابن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { المرأة إذا قَتَلَت عمدا، لا تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملا وحتى تكفل ولدها، وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل ولدها } (1).
* ثانيا: القصاص في ما دون النفس :
المراد به ما ليس بقتل، ويشمل الجراح ، وقطع الأعضاء، ونحو ذلك، وهو المذكور في قوله تعالى: { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [ المائدة 45 ]؛ ولحديث أنس بن النضر في قصة الربيع، السابق. وأجمع العلماء على القصاص في ما دون النفس إن أمكن ؛ لأن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص، فكان كالنفس في وجوب القصاص.
وعلى هذا كل من يقتص منه في النفس يقتص منه في ما دون النفس، من حر وعبد، ومن لا يقتص منه في النفس، كالأب مع ابنه، والحر مع العبد، والمسلم مع الكافر، لا يقتص منه في ما دون النفس من طرف وجرح، وغير ذلك فلا يقطع طرفه بطرفه لعدم التكافؤ.
ويقتص بالقطع وغيره من كل حر ومسلم وعبد وذمي بمثله ؛ ويقطع الذكر بالأنثى، والناقص بالكامل كالعبد بالحر، والكافر بالمسلم، لأن من جرى القصاص بينهم في النفس جرى في الأطراف.
* شروط القصاص في مادون النفس أربعة:
1 - العمد العدوان، فلا قصاص في الخطأ بالإجماع.
2 - إمكانية الاستيفاء بلا حيف، وذلك بأن يكون القطع من مفصل، أو ينتهي إلى حد، كمارن الأنف وهو ما لان منه دون قصبته، وهذا شرط مهم في القصاص في الجروح.
3 - المساواة في الاسم والموضع ، فالاسم كالعين بالعين، والأنف بالأنف، والموضع هو تماثل مكان العضو، فلا تقطع اليمين بالشمال وعكسه.
4 - مراعاة الصحة والكمال ، فلا يؤخذ عضو صحيح بعضو أشل ، من يد أو رجل أو إصبع ، ويصح أخذ الأشل بالصحيح بلا زيادة أرش ، لأن الأشل كالصحيح في الخلقة وإنما نقص في الصفة، ولأن الفعل الواحد لا يوجب مالا وقَوَداً في آن واحد(1).
4 - القصاص في النفس من الجماعة بالواحد:
قال البهوتي: ( وتقتل الجماعة بالواحد إذا كان فعل كل واحد منهم صالحا للقتل به، وانفرد لقوله تعالى: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } [ البقرة 179 ] لأنه إذا علم أنه متى قتل به أتلف به فلو لم يشرع القصاص في الجماعة بالواحد لبطلت الحكمة في مشروعية القصاص، ولإجماع الصحابة، فروى سعيد بن المسيب أن عمر قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا ، وعن علي وابن عباس معناه، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف فكان كالإجماع; لأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد فوجبت على الجماعة كحد القذف والفرق بين قتل الجماعة والدية أن الدم لا يتبعض بخلاف الدية ؛ وإن لم يصلح فعل كل واحد من الجماعة للقتل; كما لو ضربه كل واحد منهم بحجر صغير فمات، فلا قصاص عليهم; لأنه لم يحصل من أحد منهم ما يوجب القود؛ ما لم يتواطئوا على ذلك الفعل ليقتلوه به فعليهم القصاص لئلا يتخذ ذريعة إلى درء القصاص )(1).
5 - القصاص في ما دون النفس من الجماعة بالواحد:
قال المرداوي: ( وإن اشترك جماعة في قطع طرف، أو جرح موجب للقصاص، وتساوت أفعالهم، مثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا، حتى تبين: فعلى جميعهم القصاص في إحدى الروايتين، وهو المذهب، قال المصنف، والشارح: هذا أشهر الروايتين وهو الذي ذكره الخرقي ؛ قال الزركشي: هذا المذهب وصححه في التصحيح، وجزم به في الوجيز، والمنور، وغيرهما، وقدمه في الفروع وغيره؛ وعنه: لا قصاص عليهم؛ والحكم هنا كالحكم في قتل الجماعة بالواحد)(2).
5 - القصاص للجماعة من الواحد:
قال البهوتي: ( وإن قتل واحد اثنين فأكثر واحدا بعد واحد أو دفعة واحدة، فاتفق أولياؤهم على قتله قتل لهم; لأن الحق لهم كما لو قتل عبدٌ عبيدا خطأ فرضوا بأخذه، ولأنهم رضوا ببعض حقهم كما لو رضي صاحب اليد الصحيحة بالشلاء ، ولا شيء لهم سواه، أي سوى القتل ; لأنهم رضوا بقتله فلم يكن لهم سواه، وإن طلب أحدهم القصاص والباقون الدية فلهم ذلك ؛ وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال أقيد للأول إن كان قتلهم واحدا بعد واحد، لأن حقه أسبق، ولأن المحل صار مستحقا له بالقتل ، وللباقين بعد الأول دية قتلاهم ، لأن القتل إذا فات تعينت الدية )(1).
6 - الفرق بين القصاص والحدود:
يذكر الفقهاء بعض الفروق بين القصاص والحد ومنها: -
1 - القصاص يورث، والحد لا يورث.
2 - القصاص يصح العفو فيه والحد لا يعفى فيه.
3 - التقادم في الشهادة لا يمنع قبولها في القصاص، بخلاف الحدود عدا القذف.
4 - تجوز الشفاعة في القصاص، ولا تجوز في الحدود بعد وصولها للحاكم.
5 - لا بد في القصاص من رفع دعوى إلى القضاء من ولي الدم، أما الحدود ما عدا القذف والسرقة، فلا يشترط فيها الادعاء الشخصي من صاحب المصلحة وإنما تصح فيها دعوى الحسبة.
6 - يثبت القصاص بإشارة الأخرس أو كتابته، أما الحدود فلا تثبت بهما لاشتمالها على الشبهة.
7 - لا يصح الرجوع عن الإقرار في القصاص، و يصح في الحدود.
7 - متى يستوفى القصاص في الجراح:
لا يجوز القصاص في الجراح حتى تندمل ، جاء في كشاف القناع: ( ويحرم أن يقتص من طرف قبل برئه، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني فقال: { حتى تبرأ } ثم جاء إليه فقال : أقدني فأقاده ، ثم جاء إليه فقال : يا رسول الله عرجت، فقال : { قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وأبطل عرجك } ، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم { أن يقتص من جرح حتى يبرأ } رواه أحمد والدارقطني(1). ولأن الجرح لا يُدرى أيؤدي إلى القتل أم لا؟ فوجب أن ينتظر ليعلم حكمه؛ فإن فعل أي اقتص للطرف ، قبل برئه سقط حقه من سرايته فلو سرى الجرح بعد إلى نفسه فهدر للخبر، أو سرى القصاص إلى نفس الجاني فهدر)(2).
8 - لا يجوز استيفاء القصاص إلا بإذن السلطان:
قال في كشاف القناع: ( ولا يستوفى القصاص ولو في النفس إلا بحضرة السلطان أو نائبه وجوبا ؛ لأنه يفتقر إلى اجتهاده ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفي ؛ فلو خالف الولي وفعل، أي اقتص بغير حضرة السلطان أو نائبه وقع الموقع لأنه استوفى حقه ؛ وله أي الإمام أو نائبه تعزيره لافتياته على السلطان )(3).
9 - مسقطات القصاص:
يسقط القصاص بواحد من الأمور التالية:
1 - العفو:
فالقصاص حق لأولياء الدم ، فإذا عفوا عن القصاص عفواً مستوفياً لشروطه سقط القصاص بالاتفاق ; لأنه حق لهم فيسقط بعفوهم ، والعفو عن القصاص مندوب إليه شرعا لقوله تعالى: { وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } [البقرة 237] وقوله تعالى: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } [ البقرة 178] , وقوله سبحانه: { فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [ المائدة 45 ] ؛ ولحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو.
قال البهوتي: ( أجمعوا على جواز العفو عن القصاص وأنه أفضل لقوله تعالى: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } [ البقرة 178 ]، والقصاص كان حتما على اليهود وحُرِّمَ عليهم العفو والدية، وكانت الدية حتما على النصارى وحُرِّمَ عليهم القصاص فخيرت الأمة بين القصاص وأخذ الدية والعفو تخفيفا ورحمة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم { لا يرفع إليه أمر فيه القصاص إلا أمر فيه بالعفو } رواه الخمسة إلا النسائي(1) من حديث أنس والقياس يقتضيه لأن القصاص حق له فجاز تركه كسائر الحقوق ؛ والعفو: المحو والتجاوز )(2).
2 - الصلح:
اتفق الفقهاء على جواز الصلح بين القاتل وولي القصاص على إسقاط القصاص بمقابل بدل يدفعه القاتل للولي من ماله، ولا يجب على العاقلة; لأن العاقلة لا تعقل العمد، ويسمى هذا البدل بدل الصلح عن دم العمد، ثم إذا كان الولي أو الأولياء كلهم عاقلين بالغين جاز أن يكون بدل الصلح هو الدية أو أقل منها أو أكثر منها، من جنسها أو من غير جنسها، حالا أو مؤجلا على سواء، لأن الصلح معاوضة ، فيكون على بدل يتفق عليه الطرفان بالغا ما بلغ ما داما عاقلين بالغين. ( راجع مصطلح: صلح )
3 - موت الجاني ( فوات المحل ):
قال البهوتي: ( إن مات القاتل ، أو قتل وجبت الدية في تركته، لأنه تعذر استيفاء القود من غير إسقاط، كتعذره في طرفه، أي تعذر القود في طرف الجاني لقطع أو شلل؛ وكقتل غير المكافئ وإن لم يخلف الجاني تركة سقط الحق؛ يعني لم تطالب به عاقلته لأنها لا تحمل العمد المحض )(1).
4 - الأبوة والأمومة:
لا يقتل والد بولده وإن سفل ، والجد لا يقتل بولد ولده ، وإن نزلت درجته ، سواء في ذلك ولد البنين أو ولد البنات ، لحديث { لا يقتل والد بولده } (2)، والأم في ذلك كالأب في الصحيح من المذهب؛ ويقتل الولد بكل واحد من الوالدين في قول عامة أهل العلم، ومنهم أئمة المذاهب الأربعة(3).
5 - الإسلام:
قال البهوتي: ( ولا يقتل مسلم ولو عبدا بكافر ذمي، في قول أكثر العلماء منهم عمر وعثمان وعلي، وزيد لقوله صلى الله عليه وسلم: { لا يقتل مسلم بكافر } رواه البخاري(4) ، ولأنه منقوض بالكفر فلا يقتل به المسلم كالمستأمن)(5).
وقال المرداوي: ( ولا يقتل مسلم بكافر، ولو ارتد ، ولا حر بعبد ؛ هذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب وقال في الفروع: ويتوجه يقتل حر بعبد ومسلم بكافر وإن الخبر في الحربي كما يقطع بسرقة ماله قال: وفي كلام بعضهم: حكم المال غير حكم النفس بدليل القطع بسرقة مال زان وقاتل في محاربة ولا يقتل قاتلهما والفرق: أن مالهما باق على العصمة كمال غيرهما وعصمة دمهما زالت)(1).
وقال أيضاً: ( ولا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد إلا أن يقتله وهو مثله أو يجرحه ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق ويموت المجروح فإنه يقتل به ؛ يعني: إذا قتل عبد عبدا أو ذمي أو مرتد ذميا أو جرحه ثم أسلم القاتل أو الجارح أو عتق ويموت المجروح: فإنه يقتل به على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب قال في الفروع: قتل به في المنصوص قال المصنف والشارح: ذكره أصحابنا وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المحرر والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والزركشي وغيرهم، وقيل: لا يقتل به وهو احتمال في المغني وغيره وهو ظاهر نقل بكر كإسلام حربي قاتل )(2).
وجاء في مطالب أولي النهى: ( ولا يقتل مسلم ولو ارتد، بعد القتل بكافر كتابي أو غيره ذمي أو معاهد، روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت ومعاوية ; لحديث: { المسلمون على شروطهم، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ولا يقتل مؤمن بكافر } رواه أحمد، وأبو داود(1)، وفي لفظ: { لا يقتل مسلم بكافر } رواه البخاري(2) وأبو داود وعن علي: من السنة أن لا يقتل مؤمن بكافر؛ رواه أحمد ولأن القصاص يقتضي المساواة، ولا مساواة بين الكافر والمسلم، والعمومات مخصوصة بهذه الأحاديث، وحديث: أنه عليه الصلاة والسلام أقاد مسلما بذمي، وقال: أنا أحق من وفى بذمته، رواه ابن السلماني قال أحمد: هو ضعيف إذا أسند، فكيف إذا أرسل؟)(3).
6 - الحرية:
قال في الإنصاف: ( ولا يقتل حر بعبد، هذا المذهب وعليه الأصحاب وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: ليس في العبد نصوص صريحة صحيحة تمنع قتل الحر به وقوَّى أنه يُقتل به وقال: هذا الراجح وأقوى على قول الإمام أحمد رحمه الله )(4).
7 - إرث القصاص:
قال في كشاف القناع: ( فلو قتل أحد الزوجين الآخر وله ولد، فلا قود لأنه لو وجب لوجب لولده، وإذا لم يجب للولد بالجناية فعلى غيره أولى، وسواء كان الولد ذكرا أو أنثى، أو كان للمقتول من يشاركه في الميراث، لأنه لو وجب لثبت له حرمته ولا يمكن وجوبه وإذا سقط بعضه سقط كله، لأنه لا يتبعض كما لو عفا أحد الشريكين، أو قتل رجل أخا زوجته فورثته ثم ماتت فورثها زوجها القاتل، أو ورثها ولده، لم يجب القصاص سواء كان لها ولد من غيره أو لا لأنه ورث هو أو ولده شيئا من دمه وهو لا يتبعض، أو قتلت المرأة أخا زوجها فصار القصاص أو جزء منه لابنها بموت زوجها الوارث لأخيه أو قتل رجل أخاه فورثه ابن القاتل، أو ورثه أحد يرث ابنه منه شيئا لم يجب القصاص لإرث ولده جزءا من دمه وإذا قتل أحد أبوي المكاتبِ المكاتبَ، لم يجب القصاص لعموم ما سبق، أو قتل أحدهما عبدا له، أي للمكاتب لم يجب القصاص، لأنه لو وجب لكان للمكاتب ولا يثبت له قصاص على أبويه كما لو قتلاه، وأولى)(1).
10 - تحريك الدعوى في القصاص:
دعوى القصاص لابد فيها من وجود مطالبة من المجني عليه، أو ورثته، أو وكيله، لأنها دعوى شخصية، فلا تقبل فيها دعوى المدعى العام، لأن المدعي بها يملك إسقاطها، أو التنازل عنها مقابل دية، أو أرش.
11 - آلة استيفاء القصاص:
لا يجوز استيفاء القصاص إلا بالسيف، سوى كانت الجناية به أو بغيره، لعموم حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { لا قود إلا بالسيف } رواه ابن ماجة والدارقطني(2) ، من غير طريق وقال أحمد: ( ليس إسناده بجيد ) ؛ ويدخل قود العضو في قود النفس، لأن القصاص حد بدل النفس فدخل الطرف في حكم الجملة كاليد (3).
12 - هل يجوز تخدير الجاني عند استيفاء القصاص ؟
لا يجوز استيفاء القصاص تحت تأثير المخدر ، وقد بينا تفصيل ذلك والقرارات الصادرة بهذا الخصوص ، في مصطلح ( بنج ).
13 - سراية القصاص:
قال ابن قدامة: ( وسراية القود غير مضمونة، ومعناه أنه إذا قطع طرفا يجب القود فيه فاستوفى منه المجني عليه، ثم مات الجاني بسراية الاستيفاء، لم يلزم المستوفي شيء، وبهذا قال الحسن، وابن سيرين، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد، وابن المنذر ، وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعلي رضي الله عنهم )(1).
وقال المرداوي: ( وسراية القود غير مضمونة، فلو قطع اليد قصاصا، فسرى إلى النفس: فلا شيء على القاطع، بلا نزاع ؛ لكن لو اقتص قهرا مع حر أو برد، أو بآلة كالة أو مسمومة ونحوه: لزمه بقية الدية على الصحيح من المذهب )(2).
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية
المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي
الطبعة: الثانية 1427
1 فبراير 2025
تعليقات (0)