المنشورات
متهم
1 - التعريف:
المُتَّهَمُ في اللغة: هو الذي وقعت عليه التهمة، جاء في لسان العرب: واتَّهَمَ الرجلَ وأَتْهَمه وأَوْهَمَه: أَدخلَ عليه التُّهمةَ أَي ما يُتَّهَم عليه، واتَّهَم هو، فهو مُتَّهِمٌ وتَهِيمٌ؛ وأَنشد أَبو يعقوب:
هُما سَقياني السُّمَّ من غيرِ بِغضةٍ على غيرِ جُرْمٍ في إِناءِ تَهِيمِ
وأَتْهَم الرجلُ، على أَفْعَل، إِذا صارت به الرِّيبةُ.. يقال للرجل إِذا اتَّهَمْتَه: أَتْهَمْت إِتْهاماً، مثل أَدْوَأْتُ إِدْواءً. وفي الحديث: أَنه حبس في تُهْمة. والتُّهْمَةُ: هي ما يتهم به الشخص وينسب إليه، وتأتي بمعنى الاتهام، يقال: أتَّهِمُ فلاناً بكذا، أي أدخل عليه التهمة فيه(1).
وفي الاصطلاح: المتهم هو الشخص الذي يثبت قيامه بارتكاب فعل مجرم بنص شرعي أو نظامي.
وفي بعض المصطلحات القانونية: المتهم هو الطرف الثاني أو الخصم أو المدعى عليه في الدعوى الجنائية أي الشخص الذي يوجه إليه الاتهام منذ الوقت الذي تثار فيه أو تحرك فيه الدعوى الجنائية قبله، ومرورا بكل المراحل حيث لا تسقط صفة الاتهام إلا بانقضاء هذه الدعوى التي يعتبر المتهم طرفا فيها وذلك إما بصدور حكم بات أو بسبب آخر من أسباب الانقضاء(2).
2 - هل الأصل في المتهم البراءة أم الإدانة ؟
المتهم اتهاماً مجرداً لا يخلو من ثلاثة أحوال، فإما أن يكون معروفاً بالصلاح والاستقامة والتقوى، وإما أن يكون مجهول الحال لا يعرف باستقامة ولا فجور، وإما أن يكون معروفا بالفجور والإجرام، فالأول يعتبر برئيا براءة مطلقة، وأما الثالث فالمعتبر فيه جانب الاتهام ، وأما الثاني مجهول الحال ففيه خلاف . وقد مضى الكلام مفصلاً عن هذه المسألة في مصطلح : ( براءة ) فيرجع إليه.
3 - هل يضرب من توجهت له التهمة ليعترف بها:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وأما الامتحان بالضرب ونحوه فاختلف فيه هل: يشرع للقاضي والوالي ؟ أم يشرع للوالي دون القاضي ؟ أم يشرع الضرب لواحد منهما ؟ على ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه يضرب فيها القاضي والوالي، وهذا قول طائفة من العلماء من أصحاب مالك وغيرهم منهم أشهب قاضي مصر قال أشهب: يمتحن بالسجن والأدب ويضرب بالسوط مجردا.
والقول الثاني: لا يضرب بل يحبس كما تقدم وهذا قول أصبغ من أصحاب مالك وقول كثير من الحنفية والشافعية وغيرهم ; لكن حبس المتهم عندهم أبلغ من حبس المجهول ; فلذلك اختلفوا هل يحبس حتى يموت ؟ فقال عمر بن عبد العزيز وجماعة من أصحاب مالك كمطرف وابن الماجشون وغيرهما أنه يحبس حتى يموت. وهكذا روي عن الإمام أحمد فيمن لم ينته عن بدعته أنه يحبس حتى يموت وقال مالك: لا يحبس حتى يموت.
والقول الثالث: أنه يضربه الوالي دون القاضي وهذا القول ذكره طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد كالقاضي أبي الحسن الماوردي، والقاضي أبي يعلى وغيرهما )(1).
وقال أيضا: ( فأما ضرب المتهم إذا عرف أن المال عنده وقد كتمه وأنكره ليقر بمكانه فهذا لا ريب فيه; فإنه ضرب ليؤدي الواجب من التعريف بمكانه كما يضرب ليؤدي ما عليه من المال الذي يقدر على وفائه وقد جاء في ذلك حديث ابن عمر في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل خيبر على الصفراء والبيضاء سأل زيد بن سعية عم حيي بن أخطب، فقال: أين كنز حيي بن أخطب ؟ فقال: يا محمد أذهبته الحروب فقال للزبير: دونك هذا فمسه الزبير بشيء من العذاب فدلهم عليه في خربة ; وكان حليا في مسك ثور(1). فهذا أصل في ضرب المتهم الذي علم أنه ترك واجبا أو فعل محرما. والله أعلم)(2).
والذي يجري عليه العمل في الجهات ذات العلاقات بالتحقيق في المملكة، هو منع ضرب المتهم لحمله على الاعتراف، استنادا لما جاء في برقية المقام السامي الكريم الموجهة لسمو وزير الداخلية برقم 4/ب/14192 وتاريخ 22/9/1408هـ حيث ورد فيها النص التالي: ( نرغب إليكم عدم استعمال الشدة في التحقيق وأخذ الاعتراف يجب أن لا يكون بالتعذيب، لأن التعذيب يجعل المتهم يعترف ولو لم يرتكب ما نسب إليه، وإنما يكون بالتحقيق الدقيق المتقن). وورد في المادة الثانية من نظام الإجراءات الجزائية، النص التالي: (..ويحظر إيذاء المقبوض عليه جسدياً، أو معنوياً، كما يحظر تعريضه للتعذيب، أو المعاملة المهينة للكرامة ).
4 - حبس المتهم:
يجوز حبس المتهم إذا توجهت له التهمة بارتكاب الجريمة، لا سيما من كان من أرباب السوابق. قال ابن القيم رحمه الله: ( حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم في تهمة، وعاقب في تهمة، لما ظهرت أمارات الريبة على المتهم، فمن أطلق كل متهم وحلفه وخلى سبيله - مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض، وكثرة سرقاته، وقال: لا آخذه إلا بشاهدي عدل - فقوله مخالف للسياسة الشرعية )(1).
5 - ما يختص به الأمراء دون غيرهم في استبيان حال المتهم:
ذكر الماوردي رحمه الله جملة من الأمور التي للأمراء أن يستبينوا حال المتهم من خلالها ، وذكر أنهم يختصون بها عن القضاة ، فقال: ( وإن كان الناظر الذي رفع إليه هذا المتهوم أميراً أو من ولاة الأحداث والمعاون كان له مع هذا المتهوم من أسباب الكشف والاستبراء ما ليس للقضاة والحكام وذلك من تسعة أوجه يختلف بها حكم الناظرين.
أحدها: أنه لا يجوز للأمير أن يسمع قرف(2) المتهوم من أعوان الإمارة من غير تحقيق للدعوى المقررة، ويرجع إلى قولهم في الإخبار عن حال المتهوم , وهل هو من أهل الريب ؟ وهل هو معروف بمثل ما قرف به أم لا ؟ فإن برءوه من مثل ذلك خفت التهمة , ووضعت وعجل إطلاقه ولم يغلظ عليه , وإن قرفوه بأمثاله وعرفوه بأشباهه غلظت التهمة وقويت واستعمل فيها من حال الكشف ما سنذكره , وليس هذا للقضاة.
والثاني: أن للأمير أن يراعي شواهد الحال , وأوصاف المتهوم في قوة التهمة وضعفها , فإن كانت التهمة زناً، وكان المتهوم مطيعا للنساء ذا فكاهة وخلابة قويت التهمة , وإن كان بضده ضعفت , وإن كانت التهمة بسرقة وكان المتهوم بها ذا عيارة ، أو في بدنه آثار ضرب ، أو كان معه حين أخذ منقب قويت التهمة , وإن كان بضده ضعفت وليس هذا للقضاة أيضا .
والثالث : أن للأمير أن يجعل حبس المتهوم للكشف والاستبراء . واختلف في مدة حبسه لذلك , فذكر عبد الله الزبيري من أصحاب الشافعي أن حبسه للاستبراء والكشف مقدر بشهر واحد لا يتجاوزه. وقال غيره : بل ليس بمقدر وهو موقوف على رأي الإمام واجتهاده وهذا أشبه وليس للقضاة أن يحبسوا أحدا إلا بحق وجب.
والرابع : أن يجوز للأمير مع قوة التهمة أن يضرب المتهوم ضرب التعزير لا ضرب الحد ليأخذه بالصدق عن حاله فيما قرف به واتهم , فإن أقر , وهو مضروب اعتبرت حاله فيما ضرب عليه , فإن ضرب لم يكن لإقراره تحت الضرب حكم , وإن ضرب ليصدق عن حالة وأقر تحت الضرب قطع ضربه واستعيد إقراره , فإذا أعاده كان مأخوذاً بالإقرار الثاني دون الأول , فإن اقتصر على الإقرار الأول ولم يستعده لم يضيق عليه أن يعمل بالإقرار الأول , وإن كرهناه.
والخامس : أنه يجوز للأمير فيمن تكررت منه الجرائم ولم ينزجر عنها بالحدود أن يستديم حبسه إذا استضر الناس بجرائمه حتى يموت بعد أن يقوم بقوته وكسوته من بيت المال ليدفع ضرره عن الناس , وإن لم يكن ذلك للقضاة.
والسادس : أنه يجوز للأمير إحلاف المتهوم استبراء لحاله وتغليظاً عليه في الكشف عن أمره في التهمة بحقوق الله تعالى وحقوق الآدميين , ولا يضيق عليه أن يجعله بالطلاق والعتاق والصدقة كالإيمان بالله في البيعة السلطانية , وليس للقضاة إحلاف أحد على غير حق ولا أن يجاوز الإيمان بالله إلى الطلاق أو العتق.
والسابع : أن للأمير أن يأخذ أهل الجرائم بالتوبة إجباراً ويظهر من الوعيد عليهم ما يقودهم إليها طوعاً , ولا يضيق عليهم الوعيد بالقتل فيما لا يجب فيه القتل ; لأنه وعيد إرهاب يخرج عن حد الكذب إلى حيز التعزير والأدب , ولا يجوز أن يحقق وعيده بالقتل فيقتل فيما لا يجب فيه القتل.
والثامن : أنه لا يجوز للأمير أن يسمع شهادات أهل الملل ومن لا يجوز أن يسمع منه القضاة إذا كثر عددهم.
والتاسع : أن للأمير النظر في المواثبات , وإن لم توجب غرماً , ولا حداً , فإن لم يكن بواحد منهما أثر سمع قول من سبق بالدعوى , وإن كان بأحدهما أثر فقد ذهب بعضهم إلى أنه يبدأ بسماع دعوى من به الأثر ولا يراعي السبق. والذي عليه أكثر الفقهاء أنه يسمع قول أسبقهما بالدعوى ويكون المبتدئ بالمواثبة أعظمهما جرما وأغلظهما تأديبا , ويجوز أن يخالف بينهما في التأديب من وجهين : أحدهما: بحسب اختلافهما في الاقتراف والتعدي؛ والثاني: بحسب اختلافهما في الهيبة والتصاون , وإذا رأى من الصلاح في ردع السفلة أن يشهرهم وينادي عليهم بجرائمهم ساغ له ذلك, فهذه أوجه يقع بها الفرق في الجرائم بين نظر الأمراء والقضاة في حال الاستبراء وقبل ثبوت الحد لاختصاص الأمير بالسياسة واختصاص القضاة بالأحكام )(1).
6 - حق المتهم في الاستعانة بمحام:
أعطت الأنظمة المتهم الحق في الاستعانة بمحام في مرحلتي التحقيق والمحاكمة وقد ورد النص على ذلك في نظامي الإجراءات الجزائية ، والمحاماة ؛ وليس للمحقق أو القاضي الاعتراض على ذلك بل عليهما تسهيل مهمة المحامي، وقد ورد النص على ذلك في المادة التاسعة عشر من نظام المحاماة ، لكن عليهما أن يتأكدا من نظامية المحامي وتوفر الشروط التي حددها نظام المحاماة ومنها:
1 - أن يكون المحامي من المحامين الممارسين. ( محاماة/3، 18 )
2 - أن تكون الرخصة سارية المفعول، فمدتها خمس سنوات. (محاماة/7)
وبيَّن نظام الإجراءات الجزائية ضوابط استعانة المتهم بمحام في مرحلتي التحقيق والمحاكمة على النحو التالي:
1 - يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة. ( م/4، 64)
2 - للمتهم والمجني عليه والمدعي بالحق الخاص ووكيل كل منهم أو محاميه أن يحضروا جميع إجراءات التحقيق، وللمحقق أن يجري التحقيق في غيبة المذكورين أو بعضهم متى رأى ضرورة ذلك لإظهار الحقيقة، وبمجرد انتهاء تلك الضرورة يتيح لهم الاطلاع على التحقيق. ( م/69 )
3 - ليس للمحقق أن يعزل المتهم عن وكيله أو محاميه الحاضر معه في أثناء التحقيق. (م/70)
4 - ليس للوكيل أو المحامي التدخل في التحقيق إلا بإذن من المحقق، وله في جميع الأحوال أن يقدم للمحقق مذكرة خطية بملاحظاته وعلى المحقق ضم هذه المذكرة إلى ملف القضية. ( م/70 )
5 - للمحقق في كل الأحوال أن يأمر بعدم اتصال المتهم بغيره من المسجونين أو الموقوفين، وألا يزوره أحد لمدة لا تزيد على ستين يوما إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، دون الإخلال بحق المتهم في الاتصال بوكيله أو محاميه. (م/119)
6 - يجب على المتهم في الجرائم الكبيرة أن يحضر بنفسه أمام المحكمة مع عدم الإخلال بحقه في الاستعانة بمن يدافع عنه. أما في الجرائم الأخرى فيجوز له أن ينيب عنه وكيلاً أو محامياً لتقديم دفاعه، وللمحكمة في كل الأحوال أن تأمر بحضوره شخصياً أمامها. ( م/140 )
7 - تسمع المحكمة دعوى المدعي العام ثم جواب المتهم، أو وكيله، أو محاميه عنها ثم دعوى المدعي بالحق الخاص ثم جواب المتهم، أو وكيله أو محاميه عنها. (م/174)
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية
المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي
الطبعة: الثانية 1427
1 فبراير 2025
تعليقات (0)