المنشورات
مسكر
1 - التعريف: -
المسكر: مشتق من سَكِرَ، يقال: سَكِرَ يَسْكَرُ سُكُراً؛ والسكر حالة تعرض بين المرء وعقله، والسَّكَرُ، محركةً: الخَمْرُ، ونَبيذٌ يُتَّخَذُ من التمرِ والكَشُوثِ وكلُّ ما يُسْكِرُ.. .يقال: رجل سكور، أي كثير السكر، ورجل سكِّير أي دائم السكر(1).
والمسكر في الشرع: هو ما يغطي العقل، ويحبسه ويستره ويحجبه عن الوعي والإدراك السليمين، ولا يغيب الحواس ويتخيل صاحبه كأنه نشوان مسرور قوي النفس شجاع كريم.
وعرفه القرافي(2) فقال: والمسكر ما غيب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح وزيادة في الشجاعة وقوة النفس والميل إلى البطش والانتقام من الأعداء والمنافسة في العطاء وأخلاق الكرماء كما يشير لذلك قول حسان:
ونشربها فتتركنا ملوكاً وأسداً ما يُنَهْنِهُنَا اللقاء
2 - التعريف بأشهر أنواع المسكرات: -
المسكرات متعددة ومتنوعة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد، وغيره عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن من الحنطة خمرا و من الشعير خمرا و من الزبيب خمرا و من التمر خمرا و من العسل خمرا، و أنا أنهى عن كل مسكر )(3).
وفي هذا الزمان كثرة مسميات الخمور، والمسكرات وتعددت أنواعها، وأصبحت تسمى بغير اسمها، ولا عجب فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فيما رواه الحاكم، أن أبا مسلم الخولاني حج فدخل على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها، فجعل يخبرها فقالت: كيف يصبرون على بردها ؟ قال: يا أم المؤمنين إنهم يشربون شراباً لهم يقال له الطلاء؛ قالت: صدق الله وبلغ حبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: ( إن ناساً من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها )(1).
وسنبين باختصار أهم أنواع المسكرات المشتهرة بين الناس في هذا الزمان وهي:
1 - الحشيش والماريجوانا: ( راجع مصطلح : مخدرات ).
2 - العرق: هو عبارة عن سائل لونه لون الماء، وله رغوة بيضاء، ورائحة كريهة، يحضر بطريقة التقطير من المواد المخمرة.
3 - الويسكي: هو اسم حديث للمسكر، وهو كلمة من اللغة الأيتوسية معناها: ماء الحياة، وهو مشروب مقطر من الحبوب المنبتة المخمرة، غالبا الشعير أو القرطم أو القمح أو الذرة ونحو ذلك.
4- البيرة: وتسمى ( الجعة ) وهي شراب يتخذ من الشعير.
5 - الكولونيا: وهي نوع من العطور، يحتوى على الكحول الإثيلي، وقد عمت به البلوى في هذا الزمان فيندر أن تجد بقالة أو محلا إلا وتباع فيه، بل إن معظم البيوت توجد بها الكولونيا، تتخذ على أنها من العطورات، وفي الحقيقة هي من المسكرات، حيث تصل نسبة الكحول فيها إلى ( 80% ). للمزيد : راجع مصطلح : كولونيا.
7 - السيدر: وهو عصير التفاح المحتوي على نسبة عالية من الكحول.
وقد بيَّن الفقيه الكاساني - رحمه الله - أسماء ومعاني بعض المسكرات فقال:
( أما أسماؤها: فالخمر، والسكر، والفضيخ، ونقيع الزبيب، والطلاء، والباذق، والمنصف، والمثلث والجمهوري، وقد يسمى أبو سقيا والخليطان والمزر والجعة والبتع. أما بيان معاني هذه الأسماء:
1 - الخمر: وهو اسم للنيئ من ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد، وهذا عند أبي حنيفة عليه الرحمة وعند أبي يوسف ومحمد عليهما الرحمة ماء العنب إذا غلى واشتد فقد صار خمرا وترتب عليه أحكام الخمر قذف بالزبد أو لم يقذف به، وجه قولهما أن الركن فيها معنى الإسكار وذا يحصل بدون القذف بالزبد، وجه قول أبي حنيفة رحمه الله أن معنى الإسكار لا يتكامل إلا بالقذف بالزبد فلا يصير خمرا بدونه.
2 - السكر: وهو اسم للنيئ من ماء الرطب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد أو لم يقذف على الاختلاف.
3 - الفضيخ: وهو اسم للنيئ من ماء البسر المفضوخ وهو المدقوق إذا غلى واشتد وقذف بالزبد أو لا على الاختلاف.
4 - نقيع الزبيب: وهو اسم للنيئ من ماء الزبيب المنقوع في الماء حتى خرجت حلاوته إليه واشتد وقذف بالزبد أو لا على الخلاف.
5 - الطلاء: وهو اسم للمطبوخ من ماء العنب إذا ذهب أقل من الثلثين وصار مسكرا ويدخل تحت الباذق والمنصف لأن الباذق هو المطبوخ أدنى طبخة من ماء العنب والمنصف هو المطبوخ من ماء العنب إذا ذهب نصفه وبقي النصف، وقيل الطلاء هو المثلث وهو المطبوخ من ماء العنب حتى ذهب ثلثاه وبقي معتقا وصار مسكرا.
6 - الجمهوري: وهو المثلث يصب الماء بعد ما ذهب ثلثاه بالطبخ قدر الذاهب وهو الثلثان ثم يطبخ أدنى طبخة ويصير مسكرا.
7 - الخليطان: وهما التمر والزبيب أو البسر والرطب إذا خلطا ونبذا حتى غليا واشتدا.
8 - المزر: وهو اسم لنبيذ الذرة إذا صار مسكرا.
9 - الجعة وهو: اسم لنبيذ الحنطة والشعير إذا صار مسكرا.
10 - البتع: وهو اسم لنبيذ العسل إذا صار مسكرا هذا بيان معاني هذه الأسماء)(1).
وهناك أنواع أخرى من المسكرات ذكرها بعض العلماء ومنها:
1 - شراب الداذي: قال الأزهري، وأبن منظور: الداذي حب يطرح في النبيذ فيشتد حتى يسكر ؛ قال أبو داود: وقال سفيان: الداذي شراب الفاسقين.
2 - الباذق: قال ابن الأثير: الباذق بفتح الذال، الخمر، تعريب ( باذه) وهو اسم الخمر بالفارسية.
3 - الغبيراء: قال ابن الأثير: الغبيراء ضرب من الشراب يتخذه الحبشة من الذرة وتسمى السَّكركة.
3 - حكم المسكرات:
المسكرات محرمة بالكتاب والسنة والإجماع:
فمن الكتاب قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [المائدة 90-91 ]. والأحاديث الواردة في تحريم المسكرات كثير ومنها:
ما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يشربها في الآخرة )(1). وما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله حرم الخمر وثمنها، وحرم الميتة وثمنها، وحرم الخنزير وثمنه)(2). وما رواه أبو داود، وابن ماجة، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله الخمر وشاربها، و ساقيها ومبتاعها وبائعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها )(3). وما رواه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشرب الخمر، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر )(4).
وقد انعقد الإجماع على أن الخمر حرام شرابه واستعماله، كيفما كان الاستعمال، وذلك مما عُلِمَ من الدين بالضرورة، ومن استحل الخمر فهو كافر بدين الله، يستتاب فإن تاب وإلا قُتل.
4 - الكحول ( الغول ) مادة رئيسية في المسكرات فما هو ؟
يعرِّف الطب الكحول بأنه: سائل طيار ليس له لون، وله طعم لاذع، وذو رائحة معروفة؛ ويستعمل في الصناعات كحافظ لبعض المواد، وكمادة منشفة للرطوبة وكمذيب لبعض المواد القلوية والدهنية، ومقاوم للتجمد. ويستخدم في الطب كمطهر للجلد ومذيب لبعض الأدوية التي لا تذوب إلا في الكحول؛ ويستخدم بكثرة كمذيب للمواد العطرية، والكولونيا ، والروائح(1).
والكحول له نوعان هما:
أ - الكحول الإثيلي: وهو المعروف باسم ( السبرتو ) ويستعمل في تحضير الأدوية، وفي المسكرات.
ب - الكحول الميثيلي: وهو مادة سامة تستخدم في تركيب السموم، والمبيدات.
5 - المسكرات والجريمة:
الخمر هو أصل المسكرات، وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أم الخبائث، فقال: ( اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث )(1)، فمن شربه هانت عليه كل جريمة، وفعل كل معصية، ولربما وقع على أمه أو على ابنته أو أخته، وقد سمعنا في هذا الزمان كثيرا من هذه القصص، ولا ريب أن الخمر هي أم الخبائث، وهي أكبر الكبائر، برهان ذلك ما رواه الحاكم عن سالم بن عبد الله عن أبيه، أن أبا بكر وعمر وناسا جلسوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا أعظم الكبائر، فلم يكن عندهم فيها علم، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو أسأله فأخبرني أن أعظم الكبائر : شرب الخمر، فأتيتهم فأخبرتهم، فأنكروا ذلك، ووثبوا إليه جميعا حتى أتوه في داره، فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن ملكا من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر، أو يقتل نفسا، أو يزني، أو يأكل لحم خنزير، أو يقتلوه، فأختار الخمر، وإنه لما شرب الخمر لم يمتنع من شيء أرادوه منه ) وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة، ولا يموت وفي مثانته شيء إلا حرمت بها عليه الجنة، فإن من مات في أربعين ليلة مات ميتة جاهلية )(2).
وما أكثر الحوادث التي تقع تحت تأثير المسكرات، ولا زلت أذكر حادثا أليما وقع في مدينة بريدة في سنة 1418هـ عندما قام أحد الأشخاص بقيادة سيارته تحت تأثير المسكر وتجاوز إحدى الإشارات المرورية وهي باللون الأحمر، وتسبب في حادث مروري مؤلم راح ضحيته أحد الفضلاء من طلبة العلم وعائلته المكونة من زوجته وأبنائه وعددهم جميعا تسعة أشخاص لقوا ربهم في ساعة واحدة - رحمهم الله تعالى - بسبب ذلك المجرم. والقصص والمشاهد والجرائم الناتجة عن تعاطي المسكرات كثيرة.
6 - مسؤولية السكران:
قال الماوردي رحمه الله : ( وحكم السكران في جريان الأحكام عليه كالصاحي إذا كان عاصيا بسكره, فإن خرج عن حكم المعصية لإكراهه على شرب الخمر ما لا يعلم أنه مسكر لم يجر عليه قلم كالمغمى عليه)(1).
7 - بم يثبت شرب المسكر؟
يثبت شرب المسكر بالإقرار والبينة باتفاق العلماء.
فالإقرار هو: أن يقر الشخص بشربه للمسكر، ولو مرة واحدة، ويبقى على إقراره، حتى تنفذ العقوبة، فإن رجع قُبِل رجوعه ودُرأ عنه الحد.
والبينة: هي أن يشهد رجلان مسلمان عدلان على شربه للمسكر، ولو لم يبلغ به درجة الإسكار.
جاء في كشاف القناع(2):( ولا يحتاجان لبيان نوعه ) أي لبيان نوع المسكر.
وأجاز فقهاء المالكية الحد بشهادة رجل واحد على الشرب، وشهادة آخر على تقيئه للمسكر، وبوجود رائحة الخمر، أو المسكر في الفم(3).
8 - هل يثبت الحد بالرائحة والقرائن ؟
ذهب جمهور العلماء إلى عدم ثبوت الحد بالرائحة ، قال البهوتي: ( ولا يحد بوجود رائحة الخمر، منه لاحتمال أنه تمضمض بها أو ظنها ماء فلما صارت في فيه مجها ونحو ذلك، والحد يدرأ بالشبهة ). وقال: ( ولو وُجد سكران أو تقيأها أي الخمر حد، لأنه لم يسكر أو يتقيأها إلا وقد شربها )(4). وذهب فقهاء المالكية إلى اعتبار رائحة الخمر أو المسكر المنبعثة من الفم موجبة للحد، فلو شهد رجلان مسلمان عدلان بشم رائحة الخمر، أو المسكر من الفم ثبت بها الحد، واستدلوا لذلك بما روي عن عبد الله بن مسعود، أنه جلد رجلا وجد فيه رائحة الخمر(5).
والذي عليه العمل بمحاكم المملكة اليوم، هو أن الحد يثبت بوجود رائحة الخمر أو قيئه مع وجود قرينة أخرى يقتنع بها القاضي ؛ والمستند في ذلك قرار هيئة كبار العلماء رقم 53 في 4/ 4/1397هـ، الذي سنورد نصه قريبا.
9 - التعليمات الصادرة بالتشديد على مروجي المسكرات:
صدر بهذا الخصوص تعميم سمو وزير الداخلية رقم 16/8046 وتاريخ 15/3/1396هـ ، وقد جاء فيه النص التالي: ( تبلغنا الأمر السامي الكريم رقم 2010 في 26/1/1396هـ بشأن ما تقدم به فضيلة الشيخ / عبد الله بن حميد ، رئيس مجلس القضاء الأعلى بخطابه رقم 1954/1 في 18/12/1395هـ عن كثرة تداول بيع الخمور في مدن المملكة وقراها وحتى مضارب البادية، مما لم يسبق له نظير في تاريخ هذه البلاد وذلك لعدم العقوبة الرادعة لمن يشربها أو من توجد بحيازته وقد حصل بسبب انتشارها أضرار كثيرة وقد تضمن الأمر الكريم التعميم بما يمكن من كف الأذى في مثل هذه الأمور. فنأمل تتبع مصادر هذه المادة والتحري عنها بصورة جدية ومستمرة بين الحين والآخر، والتحقيق الدقيق مع كل من يقبض عليه سواء متناولها أو مروجها، والتشديد عليهم لمعرفة مصادر تسربها قبل إحالتهم للمحكمة، وإفادتنا بتقارير مستمرة في حالة وجود ذلك وقد زودت وزارة العدل بصورة من هذا الخطاب برجاء إبلاغ المحاكم الشرعية لتقرير الجزاء الرادع بحق شاربها وتطبيق الإرادة الملكية بحق صانعيها مع ملاحظة الرجوع إلى سوابق كل منهم لمضاعفة الجزاء بحقه ).
وقد عُمم الأمر السابق على المحاكم بتعميم وزير العدل رقم 78/12/ت وتاريخ 20/4/1396هـ.
10 - قرار هيئة كبار العلماء رقم (53) في 4/4/1397هـ بشأن الخمر وعقوبة شاربه: -
( الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وبعد: ففي الدورة العاشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الرياض من 22/3/1397هـ إلى 00/4/1397هـ جرى الإطلاع على البحث المقدم من اللجنة الدائمة، في موضوع شرب الخمر وعقوبة شاربه، وبعد تبادل وجهات النظر والمناقشة في الأمور الآتية:
1 - عقوبة شارب الخمر.
2 - تجزئة عقوبة شارب الخمر.
3 - ثبوت الحد بوجود الرائحة أو القيء مع قرينة أخرى.
4 - وجود الإنسان بحالة غير طبيعية.
5 - تعزير من تكرر منه شرب الخمر بعد إقامة الحد عليه.
وبعد الرجوع إلى النصوص الشرعية وكلام أهل العلم في الأمور المذكورة قرر المجلس ما يلي: -
1 - أن عقوبة شارب الخمر الحد لا التعزير بالإجماع، كما قرر أنه ثمانون جلدة ما عدا فضيلة الشيخ عبدالله بن قعود ، فيرى أنه أربعون.
2 - قرر المجلس بالإجماع استيفاء الجلد جملة واحدة وعدم تجزئته.
3 - قرر المجلس بالأغلبية ثبوت الحد بوجود رائحة الخمر أو قيئه مع وجود قرينة أخرى يقتنع بها القاضي.
4 - للقاضي أن يعزر من تكرر منه شرب الخمر ثلاثا وأقيم الحد عليه بعد كل مرة بما يراه من سجن وجلد ونحوهما مع إقامة الحد الواجب. والله الموفق، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ).
11 - عقوبة المسكر:
عقوبة شرب المسكر عقوبة حدية، وهي الجلد بشرط ثبوت الشرب، واختلف الفقهاء في مقدار الجلد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( أما شارب الخمر فيجب باتفاق الأئمة أن يجلد الحد إذا ثبت ذلك عليه, وحده أربعون جلدة, أو ثمانون جلدة. فإن جلده ثمانين جاز باتفاق الأئمة, وإن اقتصر على الأربعين ففي الإجزاء نزاع مشهور فمذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين أنه يجب الثمانون, ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى عنه أن الأربعين الثانية تعزير يرجع فيها إلى اجتهاد الإمام, فإن احتاج إلى ذلك لكثرة الشرب أو إصرار الشارب ونحو ذلك فعل, وقد كان عمر بن الخطاب يعزر بأكثر من ذلك; كما روي عنه أنه كان ينفي الشارب عن بلده , ويمثل به بحلق رأسه)(1).
12 - إذا عاد للشرب الرابعة هل يقتل؟
روى الإمام أحمد - رحمه الله - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من شرب الخمر فاجلدوه, فإن عاد فاجلدوه, فإن عاد فاجلدوه, فإن عاد فاقتلوه } . قال عبد الله: ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم عليَّ أن أقتله(1). وروى أبو داود عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من شرب الخمر فاجلدوه , فإن عاد فاجلدوه, فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه , فأتي برجل قد شرب فجلده , ثم أتي به فجلده , ثم أتي به فجلده, ثم أتي به فجلده ورفع القتل وكانت رخصة } (2). وروى الإمام الشافعي رحمه الله حديث قبيصة السابق، ثم قال:( والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره وهذا مما لا اختلاف فيه بين أحد من أهل العلم علمته)(3).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( وقد روي من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من شرب الخمر فاجلدوه , ثم إن شربها فاجلدوه , ثم إن شربها فاجلدوه , ثم إن شربها في الثالثة, أو الرابعة: فاقتلوه } . فأمر بقتل الشارب في الثالثة أو الرابعة. وأكثر العلماء لا يوجبون القتل; بل يجعلون هذا الحديث منسوخا ; وهو المشهور من مذاهب الأئمة.
وطائفة يقولون: إذا لم ينتهوا عن الشرب إلا بالقتل جاز ذلك, كما في حديث آخر في السنن أنه نهاهم عن أنواع من الأشربة قال: فإن لم يدعوا ذلك فاقتلوهم. والحق ما تقدم. وقد ثبت في الصحيح أن رجلا كان يدعى حمارا , وهو كان يشرب الخمر; فكان كلما شرب جلده النبي صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل , فقال: لعنه الله , ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: { لا تلعنه ; فإنه يحب الله ورسوله } (1)، وهذا يقتضي أنه جلد مع كثرة شربه )(2).
وقال أيضاً: ( والقتل عند أكثر العلماء منسوخ وقيل هو محكم يقال : هو تعزير يفعله الإمام عند الحاجة )(3).
وقال الطحاوي رحمه الله بعد أن ذكر حديث قبيصة السابق: ( فثبت بما ذكرنا أن القتل بشرب الخمر في الرابعة منسوخ، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار، ثم عدنا إلى النظر في ذلك لنعلم ما هو فرأينا العقوبات التي تجب بانتهاك الحرمات مختلفة فمنها حد الزنا وهو الجلد في غير الإحصان فكان من زنى وهو غير محصن فحد ثم زنى ثانية كان حده كذلك أيضا ثم كذلك حده في الرابعة لا يتغير عن حده في أول مرة وكان من سرق ما يجب فيه القطع فحده قطع اليد ثم إن سرق ثانية فحده قطع الرجل ثم إن سرق ثالثة ففي حكمه اختلاف بين الناس، فمنهم من يقول تقطع يده ومنهم من يقول لا تقطع، فهذه حقوق الله التي تجب فيما دون الأنفس وأما حدود الله التي تجب في الأنفس وهي القتل في الردة والرجم في الزنا إذا كان الزاني محصنا فكان من زنى ممن قد أحصن رجم ولم ينتظر به أن يزني أربع مرات وكان من ارتد عن الإسلام قتل ولم ينتظر به أن يرتد أربع مرات.
وأما حقوق الآدميين فمنها أيضا ما يجب فيما دون النفس فمن ذلك حد القذف فكان من قذف مرات فحكمه فيما يجب عليه بكل مرة منها فهو حكم واحد لا يتغير ولا يختلف ما يجب في قذفه إياه في المرة الرابعة وما يجب عليه بقذفه إياه في المرة الأولى فكانت الحدود لا تتغير في انتهاك الحرم وحكمها كلها حكم واحد فما كان منها جلد في أول مرة فحكمه كذلك أبدا، وما كان منها قتل قُتل الذي وجب عليه ذلك الفعل أول مرة ولم ينتظر به أن يتكرر فعله أربع مرات فلما كان ما وصفنا كذلك وكان من شرب الخمر مرة فحده الجلد لا القتل كان في النظر أيضا عقوبته في شربه إياها بعد ذلك أبدا كلما شربها الجلد لا القتل ولا تزيد عقوبته بتكرر أفعاله كما لم تزد عقوبة من وصفنا بتكرر أفعاله فهذا الذي وصفنا هو النظر وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين )(1).
والذي عليه العمل اليوم في محاكم المملكة هو التعزير بما دون القتل.
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة بالأنظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية
المؤلف: سعود بن عبد العالي البارودي العتيبي
الطبعة: الثانية 1427
1 فبراير 2025
تعليقات (0)