- ليس حدوث العالم وصنعته وإبداع الباري تعالى له هكذا بل أخرج من العدم إلى الوجود هذه الأشياء كلها، أعني الهيولى والمكان و الزمان والحركات والأدوات والأعراض (ص، ر 3، 326، 15) - إنّ القائلين بحدوث العالم طائفتان: إحداهما تعتقد أنّ العالم محدث مصنوع وله علّة واحدة مبدعة مخترعة وهو حيّ قادر حكيم، وهذا رأي الأنبياء عليهم السلام وأتباعهم وبعض القدماء الموحّدين والحكماء منهم، والأخرى ترى وتعتقد أنّ العالم محدث مصنوع، ولكن ترى وتعتقد أنّ له علّتين اثنتين قديمتين أزليّتين، وهذا الخلاف من إحدى أمهات الآراء والمذاهب المتفرّعة بها (ص، ر 3، 430، 6) - الذين قالوا بحدوث العالم فإنّهم قالوا إنّ المخلوق المعلول في وجوده لا يتصوّر مخلوقا إلّا بإيجاد بعد عدم. فالعدم السابق للوجود يتقدّم وجود المحدث عند من يتصوّره محدثا مخلوقا، والبداية الزمانية تبتدئ بعد العدم، والعدم السابق ليس له بداية زمانية بل له نهاية هي بداية زمان الوجود (بغ، م 2، 28، 4) - القائلون بالحدوث يقولون إنّ الخالق خلق العالم بعد أن لم يخلق وابتدأ بالفعل بعد أن لم يفعل، وأنّه كان في الأزل والقدم الأقدم في الزمان الذي سبق به وجود مخلوقاته غير خالق ولا فاعل لشيء من المخلوقات والمفعولات (بغ، م 2، 41، 22) - أكثر من يقول بحدوث العالم، يقول بحدوث الزمان معه (ش، ته، 42، 11) - أما مسألة قدم العالم أو حدوثه، فإن الاختلاف فيها عندي (ابن رشد) بين المتكلّمين من الأشعرية والحكماء المتقدّمين يكاد أن يكون راجعا للاختلاف في التسمية، وبخاصّة عند بعض القدماء. وذلك أنهم اتفقوا على أن هاهنا ثلاثة أصناف من الموجودات طرفان وواسطة بين الطرفين، فاتفقوا في تسمية الطرفين واختلفوا في الواسطة. فأما الطرف الواحد، فهو موجود وجد من شي ء، أعني عن سبب فاعل ومن مادة، والزمان متقدّم عليه، أعني على وجوده. وهذه هي حال الأجسام التي يدرك تكوّنها بالحس، مثل تكوّن الماء والهواء والأرض والحيوان والنبات وغير ذلك. وهذا الصنف من الموجودات اتفق الجميع من القدماء والأشعريّين على تسميتها محدثة.
و أما الطرف المقابل لهذا، فهو موجود لم يكن من شي ء، ولا عن شي ء، ولا تقدّمه زمان. وهذا أيضا اتفق الجميع من الفرقتين على تسميته" قديما". وهذا الموجود مدرك بالبرهان، وهو اللّه تبارك وتعالى. هو فاعل الكل وموجده والحافظ له سبحانه وتعالى قدره. وأما الصنف من الموجود الذي بين هذين الطرفين، فهو موجود لم يكن من شي ء، ولا تقدّمه زمان، ولكنه موجود عن شي ء، أعني عن فاعل، وهذا هو العالم بأسره (ش، ف، 40، 14) - في حدوث العالم: اعلم أن الذي قصده الشرع من معرفة العالم أنه مصنوع لله تبارك وتعالى، ومخترع له، وأنه لم يوجد عن الاتفاق ومن نفسه. فالطريق التي سلك الشرع بالناس في تقرير هذا الأصل ليس هو طريق الأشعرية (ش، م، 193، 2) - الطريقة التي سلكها الشرع في تعليم الجمهور حدوث العالم من الطرق البسيطة المعترف بها عند الجميع. وواجب، إن كان حدوثه ليس له مثال في الشاهد، أن يكون الشرع استعمل في تمثيل ذلك حدوث الأشياء المشاهدة (ش، م، 193، 17) - حدوث العالم ليس هو مثل الحدوث الذي في الشاهد، وإنما أطلق عليه لفظ الخلق ولفظ الفطور. وهذه الألفاظ تصلح لتصوّر المعنيين، أعني لتصوّر الحدوث الذي في الشاهد، وتصوّر الحدوث أو القدم بدعة في الشرع، وموقع في شبهة عظيمة تفسد عقائد الجمهور، وبخاصّة الجدليين منهم (ش، م، 206، 4)
مصادر و المراجع :
١- موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب
المؤلف: جيرار جهامي (معاصر)
عدد الأجزاء: 1
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون - بيروت
الطبعة: الأولى/ 1998 م
تعليقات (0)