-" صناعة المنطق" ... تقوّم الجزء الناطق من النفس وتسدّده نحو اليقين ونحو النافع من أنحاء التعليم والتعلّم، وتبصّره الأشياء التي تعدل به عن اليقين وعن الأشياء النافعة في التعليم والتّعلم؛ ولأجل أنّها أيضا تبصّره كيف النطق باللسان، وكيف المخاطبة التي يكون بها التعليم، وكيف المخاطبة التي بها تكون المغالطة، حتّى تستعمل تلك وتتجنّب هذه (ف، ط، 71، 16) - لما كانت الفلسفة إنما تحصل بجودة التمييز، وكانت جودة التمييز إنما تحصل بقوة الذهن على إدراك الصواب، كانت قوة الذهن حاصلة لنا قبل جميع هذه. وقوة الذهن إنما تحصل متى كانت لنا قوة بها نقف على الحق إنّه حق يقين فنعتقده، وبها نقف على ما هو باطل أنه باطل بيقين فنجتنبه، ونقف على الباطل الشبيه بالحق فلا نغلط فيه ونقف على ما هو حق في ذاته. وقد أشبه الباطل فلا نغلط فيه ولا ننخدع. والصناعة التي بها نستفيد هذه القوة تسمّى صناعة المنطق (ف، تن، 21، 14) - هذه الصناعة (المنطق) هي التي بها يوقف على الاعتقاد الحق أي ما هو وعلى الاعتقاد الباطل أي ما هو وعلى الأمور التي بها يصير الإنسان إلى الحق والأمور التي بها يزول الإنسان عن الحق والأمور التي بها يظنّ في الحق أنه باطل والتي يخيّل الباطل في صورة الحق، فيوقع ذهن الإنسان في الباطل من حيث لا يشعر.
و يوقف على السبيل التي بها يزيل الإنسان الباطل عن ذهنه متى اتفق أن اعتقده وهو لا يشعر، والتي بها يزيل الباطل عن غيره إن كان وقع فيه وهو لا يشعر حتى إن قصد الإنسان مطلوبا أراد أن يعرفه استعمل الأمور التي توقعه على الصواب من مطلبه، ومتى وقع له اعتقاد في شيء عرض له فيه شك هل هو صواب أو ليس بصواب أمكنه امتحانه حتى يصير إلى اليقين فيه أنه صواب أو ليس بصواب، ومتى اتفق له في خلال ذلك وقوع في باطل لم يشعر به أمكنه إذا تعقّب ذلك أن يزيل الباطل عن ذهنه. فإذا كانت هذه الصناعة بالحال التي وصفنا فيلزم ضرورة أن تكون العناية بهذه الصناعة تتقدّم العناية بالصنائع الأخر (ف، تن، 21، 15) - صناعة المنطق هي التي بها ينال (الإنسان) الجزء الناطق (من النفس) كماله (ف، تن، 23، 2) - بين صناعة النحو وصناعة المنطق تشابه ما وهو أن صناعة النحو تفيد العلم بصواب ما يلفظ به والقوة على الصواب منه بحسب عادة أهل لسان ما- وصناعة المنطق تفيد العلم بصواب ما يعقل والقدرة على اقتناء الصواب فيما يعقل. وكما أن صناعة النحو تقوّم اللسان حتى لا يلفظ إلّا بصواب ما جرت به عادة أهل لسان ما، كذلك صناعة المنطق تقوّم الذهن حتى لا يعقل إلّا الصواب من كل شيء (ف، تن، 23، 10) - إنّ نسبة صناعة النحو إلى الألفاظ هي كنسبة صناعة المنطق إلى المعقولات فهذا تشابه ما بينهما، فإما أن تكون إحداهما هي الأخرى أو أن تكون إحداهما داخلة في الأخرى فلا (ف، تن، 23، 16) - لمّا كانت صناعة المنطق هي أول شيء يشرع فيه بطريق صناعي، لزوم أن تكون الأوائل التي يشرع فيها أمورا معلومة سبقت معرفتها للإنسان فلا يعرّى من معرفتها أحد وهي أشياء كثيرة.
و ليس أي شيء اتفق منها يستعمل في أي شيء اتفق من الصنائع لكن صنف منها يستعمل في صناعة وصنف آخر في صناعة أخرى (ف، تن، 24، 16) - صناعة المنطق تعطي بالجملة القوانين التي شأنها أن تقوّم العقل وتسدّد الإنسان نحو طريق الصواب ونحو الحق في كل ما يمكن أن يغلط فيه من المعقولات، والقوانين التي تحفظه وتحوطه من الخطأ والزلل والغلط في المعقولات، والقوانين التي يمتحن بها في المعقولات ما ليس يؤمن أن يكون قد غلط فيه غالط (ف، ح، 53، 5) - إنّ نسبة صناعة المنطق إلى العقل والمعقولات كنسبة صناعة النحو إلى اللسان والألفاظ. فكل ما يعطيناه علم النحو من القوانين في الألفاظ فإنّ علم المنطق يعطينا نظائرها في المعقولات (ف، ح، 54، 2) - صناعة المنطق فإنّ فيها أشياء كأنّها في أوائل عقولهم ظاهرة بيّنة، وهو قولهم: الضدّان لا يجتمعان في شيء واحد في زمان واحد، فإنّ هذه الحكومة بيّنة ظاهرة (ص، ر 3، 405، 8) - صناعة المنطق: منها عامة لجميع العلوم، ومنها خاصة بعلم علم (ش، ت، 48، 7) - أكثر براهين هذا العلم (علم ما بعد الطبيعة) هي براهين منطقية، وأعني بالمنطقية هاهنا مقدّمات مأخوذة من صناعة المنطق. وذلك أن صناعة المنطق تستعمل استعمالين: من حيث هي آلة وقانون تستعمل في غيرها، ويستعمل أيضا ما تبيّن فيها في علم آخر على جهة ما يستعمل ما تبيّن في علم نظري في علم آخر. وهي إذا استعملت في هذا العلم قريب من المقدّمات المناسبة إذ كانت هذه الصناعة تنظر في الموجود المطلق والمقدّمات المنطقية هي موجودة لموجود مطلق مثل الحدود والرسوم و غير ذلك مما قيل فيها (ش، ت، 749، 3) - صناعة المنطق تضع وضعا أن هاهنا أسبابا ومسبّبات وأن المعرفة بتلك المسبّبات لا تكون على التمام إلا بمعرفة أسبابها، فرفع هذه الأشياء هو مبطل للعلم ورفع له (ش، ته، 292، 3) - الأمور التي تبيّنت في صناعة المنطق تستعمل كما قيل في غير ما موضع على نحوين: أما من حيث هي آلات وسيّارات وقوانين تسدّد الذهن وتحرز من الغلط وهو الاستعمال الخاص بها.
و أما أن تؤخذ تلك الأمور التي تبيّنت هنالك على أنها جزء صناعة برهانية فتستعمل في صناعة أخرى على جهة المصادرة، والأصل الموضوع على ما شأنه أن يشترك الصنائع البرهانية في أن يستعمل بعضها ما تبرهن في بعض. مثال ذلك تسلّم صاحب صناعة النجوم التعليمية من المهندس أن نصف القطر مساو لضلع المسدس (ش، ما، 60، 15)
مصادر و المراجع :
١- موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب
المؤلف: جيرار جهامي (معاصر)
عدد الأجزاء: 1
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون - بيروت
الطبعة: الأولى/ 1998 م
تعليقات (0)