- الشيء في الإنسان الذي تصدر عنه هذه الأفعال (المدركة) يسمّى نفسا ناطقة، وله قوّتان:
إحداهما معدّة نحو العمل ووجهها إلى البدن وبها يميّز بين ما ينبغي أن يفعل وبين ما لا ينبغي أن يفعل، وما يحسن ويقبح من الأمور الجزئية- ويقال له العقل العمليّ، ويستكمل في الناس بالتجارب والعادات، والثانية قوّة معدّة نحو النظر والعقل الخاص بالنفس ووجهها إلى فوق، وبها ينال الفيض الإلهي.
و هذه القوة قد تكون بعد بالقوة لم تفعل شيئا ولم تتصوّر، بل هي مستعدّة لأن تعقل المعقولات، بل هي استعداد ما للنفس نحو تصوّر المعقولات- وهذا يسمّى العقل بالقوة والعقل الهيولاني. وقد تكون قوة أخرى أحوج منها إلى العقل، وذلك بأن تحصل للنفس المعقولات الأولى على نحو الحصول الذي نذكره، وهذا يسمّى العقل بالملكة. ودرجة ثالثة هي أن تحصل للنفس المعقولات المكتسبة فتحصل النفس عقلا بالفعل، ونفس تلك المعقولات تسمّى عقلا مستفادا. ولأنّ كل ما يخرج من القوة إلى الفعل فإنّما يخرج بشيء يفيده تلك الصورة، فإذن العقل بالقوة إنّما يصير عقلا بالفعل بسبب يفيده المعقولات ويتّصل به إثره، وهذا الشيء هو الذي يفعل العقل فينا. وليس شيء من الأجسام بهذه الصفة. فإذن هذا الشيء عقل بالفعل وفعّال فينا فيسمّى عقلا فعّالا، وقياسه من عقولنا قياس الشمس من أبصارنا (س، ع، 43، 2) - العقل بالملكة وهو استكمال هذه القوة (العقل الهيولاني) حتى تصير قوة قريبة من الفعل بحصول الذي سمّاه (أرسطو) في كتاب البرهان عقلا (س، ح، 13، 2) - إنّما يكون أيضا للنفس (ارتسام المعقولات) إذا اكتسبت ملكة الاتصال. هذا الاتصال علّته قوة بعيدة، هي" العقل الهيولي"، وقوة كاسبة هي" العقل بالملكة"، وقوة تامّة الاستعداد لها أن تقبل بالنفس إلى جهة الإشراق- متى شاءت- بملكة متمكّنة وهي المسمّاة" بالعقل بالفعل" (س، أ 1، 377، 4) - أنظر إلى هذه القوى كيف يرؤس بعضها بعضا، وكيف يخدم بعضها بعضا، فإنّك تجد العقل المستفاد بل العقل القدسي رئيسا، ويخدمه الكل، وهو الغاية القصوى. ثم العقل بالفعل يخدمه العقل بالملكة، ثم العقل الهيولاني بما فيه من الاستعداد يخدم العقل بالملكة. ثم العقل العملي يخدم جميع هذا، لأنّ العلاقة البدنية، كما سيتّضح بعد، لأجل تكميل العقل النظري وتزكيته، والعقل العملي هو مدبّر تلك العلاقة (س، ف، 68، 1) - تجد العقل المستفاد بل العقل القدسي رئيسا يخدمه الكل وهو الغاية القصوى، ثم العقل بالفعل يخدمه العقل بالملكة. والعقل الهيولاني بما فيه من الاستعداد يخدم العقل بالملكة. ثم العقل العملي يخدم جميع هذه لأنّ العلاقة البدنية ... لأجل تكميل العقل النظري وتزكيته. والعقل العملي هو مدبّر تلك العلاقة (س، ن، 168، 6) - إنّ للقوة العقلية مراتب، ولها بحسبها أسامي، فالمرتبة الأولى أن لا يحصرها شيء من المعقولات، بالفعل، بل ليس لها الاستعداد والقبول كما في الصبي، ويسمّى حينئذ عقله، عقلا هيولانيّا، وعقلا بالقوة. ثم بعد ذلك يظهر فيه نوعان من الصور المعقولة: أحدهما نوع الأوليات الحقيقية التي يقتضي طبعها أن تنطبع فيه من غير اكتساب، بل تقبلها بالسماع، من غير نظر ... والثاني: نوع المشهورات، وهي في الصناعات والأعمال أبين. فإذا ظهر فيه ذلك سمّي عقلا بالملكة، أي قد ملك كسب المعقولات النظرية قياسا، فإن حصل بعد ذلك فيه شيء من المعقولات النظرية باكتسابه إيّاها، سمّي عقلا بالفعل، كالعالم الغافل عن العلوم، القادر عليها، مهما أراد. فإن كانت صورة المعلوم حاضرة في ذهنه، سمّيت تلك الصورة عقلا مستفادا، أي علما مستفادا، من سبب من الأسباب الإلهية، يسمّى ذلك السبب ملكة، أو عقلا فعّالا (غ، م، 362، 14) - (للنفس) ثلاثة استعدادات وكمال. الأول الاستعداد الأبعد الذي للإنسان كما للأطفال، ويسمّى العقل الهيولاني، والثاني حالها عند ما تحصل لها بالمعقولات الأول، ولها تحصيل الثواني بالفكر أو بالحدس، ويسمّى العقل بالملكة، والثالث أن يكون ملكة تحصيل المعقولات المفروغ عنها متى شاءت دون حاجة إلى كسب جديد، ويسمّى العقل بالفعل، وإن كانت في نفسها قوة قريبة، الرابع أن تكون المعاني المعقولة فيها حاضرة بالفعل، ويسمّى العقل المستفاد (سه، ل، 119، 14) - إنه ليس هاهنا عقل يبقى إلّا العقل المكتسب بآخرة وهو الذي يسمّى المستفاد، وأما العقل الذي بالملكة والعقل الهيولاني فكلاهما عنده (أرسطو) فاسد (ش، ت، 1488، 9) - الاستعداد الذي في الصور الخيالية لقبول المعقولات هو العقل الهيولاني الأول، والعقل الذي بالملكة هو المعقولات الحاصلة بالفعل فيه إذا صارت، بحيث يتصوّر بها الإنسان متى شاء، كالحال في المعلّم إذ لم يعلّم، وهو إنما يحصل بالفعل على تمامه الآخر، وبهذه الحال تحصل العلوم النظرية (ش، ن، 101، 17) - إنّ النفس الإنسانية قابلة لإدراك حقائق الأشياء، فلا يخلو إما أن تكون خالية عن كل الإدراكات أو لا تكون خالية. فإن كانت خالية مع أنّها تكون قابلة لتلك الإدراكات فهي كالهيولى التي ليس لها إلّا طبيعة الاستعداد فتسمّى في تلك الحالة عقلا هيولانيّا، وإن لم تكن خالية فلا يخلو: إمّا أن يكون الحاصل فيها من العلوم الأوليّات فقط، أو يكون قد حصلت النظريات مع ذلك. فإن لم تحصل فيها إلّا الأوليّات التي هي الآلة في اكتساب النظريات فتسمّى في تلك الحالة عقلا بالملكة أي لها قدرة الاكتساب وملكة الاستنتاج. ثم أنّ النفس في هذه المرتبة إن تميّزت عن سائر النفوس بكثرة الأوليات وسرعة الانتقال منها إلى النتائج سمّيت قوة قدسية وإلّا فلا. وأمّا إن كان قد حصل لها مع تلك الأوليّات تلك النظريات أيضا فلا يخلو:
إمّا أن تكون تلك النظريات غير حاصلة بالفعل ولكنها بحال متى شاء صاحبها واستحضرها بمجرّد تذكّر وتوجّه الذهن إليها، أو تكون تلك النظريات حاضرة بالفعل حاصلة بالحقيقة حتى كأنّ صاحبها ينظر إليها. فالنفس في الحالة الأولى تسمّى عقلا بالفعل وفي الحالة الثانية تسمّى عقلا مستفادا. فإذا أحوال مراتب النفس الإنسانية أربع (ر، م، 367، 5) - النفس الإنسانية لها قوّتان: عاملة وهي القوة التي باعتبارها يدبّر البدن، وعاقلة ولها مراتب.
فأوّلها كونها مستعدّة لقبول الصور العقلية وهذه المرتبة مسمّاة بالعقل الهيولاني. وثانيها أن تحصل فيها التصوّرات والتصديقات البديهية وهي العقل بالملكة وهذه المرتبة مختلفة بحسب كمّية تلك البديهيات وبحسب كيفية قوة النفس على الانتقال منها إلى المطالب.
و ثالثها أن يحصل الانتقال من تلك المبادئ إلى المطالب الفكرية البرهانية إلّا أنّ تلك الصور لا تكون حاضرة بالفعل بل تكون بحيث إذا شاء الإنسان أن يستحضرها فعل ذلك وهذه المرتبة هي العقل بالفعل. ورابعها أن تكون تلك الصورة العقلية حاضرة بالفعل ينظر إليها صاحبها وهي المسمّاة بالعقل المستفاد (ر، ل، 72، 7) - العقل بالملكة، وهو عبارة عن القوّة النّظريّة حالة حصول آلة التّوصّل إلى الإدراك، لكن بالفكرة والرّويّة، كحال الصّبيّ العارف ببسائط الحروف والدّواة والقلم، والمفتقر حالة الكتابة إلى الفكرة والرّويّة. وقد يسمّى هذا العقل العقل بالقوة الممكنة (سي، م، 106، 8) - العقل بالملكة وهو علم بالضروريّات واستعداد النفس بذلك لاكتساب النظريّات (جر، ت، 158، 2)
مصادر و المراجع :
١- موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب
المؤلف: جيرار جهامي (معاصر)
عدد الأجزاء: 1
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون - بيروت
الطبعة: الأولى/ 1998 م
تعليقات (0)