- إنّ العقل الإنسانيّ إذا بلغ أقصى كماله صار قريبا في جوهره من جوهر ... العقل" الفعّال" ... وإنّ العقل الإنسانيّ إنّما يحتذي في تكميل جوهره حذو هذا العقل، وأنّه هو الغاية على هذا الوجه الذي يحتذى حذوه، وهو غاية على أكمل الوجوه، وأنّه هو الفاعل. فهو مبدأ الإنسان على أنّه هو الفاعل على الأقصى لما يتجوهر به الإنسان بما هو إنسان، وهو الغاية لأنّه هو الذي أعطاه مبدأ يسعى به نحو الكمال ويحتذي بما يسعى فيه حذوه إلى أن يبلغ أقصى ما يمكنه في القرب منه. فهو فاعله وهو غايته وهو الكمال الذي لأجل قربه من جوهره كان يسعى. فهو مبدأ بأنحاء ثلاثة: على أنّه فاعل، وعلى أنّه غاية، وعلى أنّه الكمال الذي لأجل القرب منه كان يسعى (ف، ط، 128، 8) - هذه القوى التي تدرك المعقولات جوهر بسيط، وليس بجسم، ولا يخرج من القوة إلى الفعل، ولا يصير (عقل الإنسان) عقلا تاما إلا لسبب عقل مفارق، وهو العقل الفعال الذي يخرجه إلى الفعل (ف، ع، 17، 8) - العقل الفعّال الذي ذكره أرسطالس في المقالة الثالثة من" كتاب النفس" هو صورة مفارقة لم تكن في مادة ولا تكون أصلا، وهو بنوع ما هو عقل بالفعل قريب الشبه من العقل المستفاد.
و هو الذي جعل تلك الذات التي كانت عقلا بالقوة عقلا بالفعل، وجعل المعقولات التي كانت معقولات بالقوة معقولات بالفعل.
و نسبته إلى العقل الذي بالقوة كنسبة الشمس إلى العين التي هي بصر بالقوة ما دامت في ظلمة (ف، عق، 24، 6) - كما أنّ الشمس هي التي تجعل العين بصرا بالفعل والمبصرات مبصرات بالفعل بما تعطيه من الضياء، كذلك العقل الفعّال هو الذي جعل العقل الذي بالقوة عقلا بالفعل بما أعطاه من ذلك المبدأ. وبذلك بعينه صارت المعقولات معقولات بالفعل (ف، عق، 27، 5) - العقل الفعّال هو من نوع العقل المستفاد وصور الموجودات المفارقة التي فوقه هي فيه لم تزل ولا تزال إلّا أن وجودها فيه على ترتيب غير الترتيب الذي هي موجودة عليه في العقل الذي بالفعل. وذلك أن الأخسّ في العقل الذي بالفعل كثيرا ما يترتّب ويكون أقدم من الأشرف من قبل أن ترقّينا نحن إلى الأشياء التي هي أكمل وجودا كثيرا ما يكون عن الأشياء التي هي أنقص وجودا (ف، عق، 27، 8) - العقل الفعّال يعقل أولا من الموجودات الأكمل فالأكمل، فإن الصور التي هي اليوم صور في مواد هي في العقل الفعّال صور منتزعة لا بأنها كانت موجودة في مواد فانتزعت بل لم تزل تلك الصور فيه بالفعل، وإنما احتذى في أمر المادة الأولى وسائر المواد بأن أعطيت بالفعل الصور التي في العقل الفعّال (ف، عق، 28، 8) - ليس يستنكر أن يكون العقل الفعّال وهو غير منقسم أو تكون ذاته أشياء غير منقسمة يعطي المادة أشباه ما في جوهره فلا تقبله إلّا منقسما (ف، عق، 29، 7) - أمّا أن العقل الفعّال موجود فإنه بيّن (أرسطو) في" كتاب النفس" (ف، عق، 32، 8) - ظاهر أن العقل الفعّال ليس يفعل دائما بل يفعل حينا ولا يفعل حينا. فإذا يلزم ضرورة أن يكون من الشيء الذي يفعله أو من الذي فيه يفعل على نسب مختلفة فهو يتغيّر من نسبة إلى نسبة (ف، عق، 32، 9) - ظاهر أنّ الموضوعات التي فيها يفعل العقل الفعّال هي: إما أجسام، وإما قوى في أجسام متكوّنة فاسدة. وقد تبيّن في" كتاب الكون والفساد" أنّ الأجسام السمائية هي الأقسام الفاعلة الأول لهذه الأجسام، فهي إذا تعطي العقل الفعّال الموادّ والموضوعات التي فيها يفعل. (ف، عق، 33، 13) - العقل الفعّال فعله العناية بالحيوان الناطق والتماس تبليغه أقصى مراتب الكمال الذي للإنسان أن يبلغه وهو السعادة القصوى، وذلك أن يصير الإنسان في مرتبة العقل الفعّال. وإنما يكون ذلك بأن يحصل مفارقا للأجسام، غير محتاج في قوامه إلى شيء آخر ممّا هو دونه من جسم أو مادة أو عرض، وأن يبقى على ذلك الكمال دائما. والعقل الفعّال ذاته واحدة أيضا، ولكنّ رتبته تحوز أيضا ما تخلّص من الحيوان الناطق وفاز بالسعادة. والعقل الفعّال هو الذي ينبغي أن يقال إنّه الروح الأمين وروح القدس، ويسمّى بأشباه هذين من الأسماء، ورتبته تسمّى الملكوت وأشباه ذلك من الأسماء (ف، سم، 32، 6) - أمّا العقل الفعّال فإنّه يعقل الأوّل والثواني كلّها ويعقل ذاته، وهو أيضا يجعل الأشياء التي ليست بذواتها معقولات معقولات (ف، سم، 34، 16) - منزلة العقل الفعّال من الإنسان منزلة الشمس من البصر. فكما أن الشمس تعطي البصر الضوء، فيصير البصر الذي استفاده من الشمس مبصرا بالفعل بعد أن كان مبصرا بالقوّة، وبذلك الضوء يبصر الشمس نفسها التي هي السبب في أن أبصر بالفعل (ف، سم، 35، 12) - العقل الفعّال معدّ بطبيعته وجوهره أن ينظر في كلّ ما وطّأه الجسم السماويّ وأعطاه. فأيّ شيء منه قبل بوجه ما التخلّص من المادّة ومفارقتها، رام تخليصه من المادّة ومن العدم فيصير في أقرب مرتبة إليه (ف، سم، 55، 5) - العقل الفعّال هو فيما يعطيه الإنسان على مثال ما عليه الأجسام السماويّة. فإنه يعطي الإنسان أوّلا قوّة ومبدأ به يسعى أو به يقدر الإنسان على أن يسعى من تلقاء نفسه إلى سائر ما يبقى عليه من الكمالات. وذلك المبدأ هو العلوم الأول والمعقولات الأول التي تحصل في الجزء الناطق من النفس (ف، سم، 71، 14) - فعل هذا العقل المفارق في العقل الهيولاني شبيهه فعل الشمس في البصر، فلذلك سمّي العقل الفعّال. ومرتبته من الأشياء المفارقة التي ذكرت من دون السبب الأول المرتبة العاشرة (ف، أ، 84، 1) - العقل الفعّال، لما كان هو السبب في أن تصير به المعقولات التي هي بالقوة معقولات بالفعل، وأن يصير ما هو عقل بالقوة عقلا بالفعل، وكان ما سبيله أن يصير عقلا بالفعل هي القوة الناطقة، وكانت الناطقة ضربين:
ضربا نظريّا وضربا عمليّا، وكانت العملية هي التي شأنها أن تفعل الجزئيات الحاضرة والمستقبلة، والنظرية هي التي شأنها أن تعقل المعقولات التي شأنها أن تعلم، وكانت القوة المتخيّلة مواصلة لضربي القوة الناطقة، فإن الذي تنال القوة الناطقة عن العقل الفعّال- وهو الشيء الذي منزلته الضياء من البصر- قد يفيض منه على القوة المتخيّلة (ف، أ، 91، 14) - يكون ما يعطيه العقل الفعّال للقوة المتخيّلة من الجزئيات، بالمنامات والرؤيات الصادقة، وبما يعطيها من المعقولات التي تقبلها بأن يأخذ محاكاتها مكانها بالكهانات على الأشياء الإلهية (ف، أ، 92، 11) - لا يمتنع أن يكون الإنسان، إذا بلغت قوته المتخيّلة نهاية الكمال، فيقبل، في يقظته، عن العقل الفعّال، الجزئيات الحاضرة والمستقبلة، أو محاكياتها من المحسوسات، ويقبل محاكيات المعقولات المفارقة وسائر الموجودات الشريفة، ويراها. فيكون له، بما قبله من المعقولات، نبوة بالأشياء الإلهية.
فهذا هو أكمل المراتب التي تنتهي إليها القوة المتخيّلة، وأكمل المراتب التي بلغها الإنسان بقوته المتخيّلة (ف، أ، 94، 7) - اسم العقل يدلّ على معان، وتنقسم تلك المعاني إلى أقسام بحسب ما ينقسم كل ذي عقل. وذلك له ابتداء وانتهاء: وأحدها وهو بمعنى الابتداء بالطبع، هو العقل الفعّال، وهو الشبه الفاعل. والثاني بحسب الانتهاء، وهو العقل الإنساني ويسمّى هيولانيّا، وهو في نسبة المفعول. والثالث بحسب معنى الوسط وهو العقل المستفاد وهو في نسبة الفعل (تو، م، 289، 10) - إنّ في قوة كل واحد من هذه العقول الجزئية أن يدرك جميع المعقولات التي من شأنها أن تدرك. ولما كان الذي بالقوة يحتاج إلى شيء موجود بالفعل يخرجه إلى الفعل، كان ذلك الشيء هو العقل الفعّال إذا اشتبه بفعل في شبيهه والمستفاد بمنزلة الفعل الملابس القوة والفعل جميعا (تو، م، 289، 17) - إنّ الباري جلّ ثناؤه أول شيء اخترعه وأبدعه من نور وحدانيته جوهر بسيط يقال له العقل الفعّال، كما أنشأ الاثنين من الواحد بالتكرار، ثم أنشأ النفس الكلّية الفلكية من نور العقل كما أنشأ الثلاثة بزيادة الواحد على الاثنين، ثم أنشأ الهيولى الأولى من حركة النفس، كما أنشأ الأربعة بزيادة الواحد على الثلاثة، ثم أنشأ سائر الخلائق من الهيولى ورتّبها بتوسّط العقل و النفس، كما أنشأ سائر العدد من الأربعة بإضافة ما قبلها إليها (ص، ر 1، 29، 1) - إنّ الأشياء كلها بأجمعها صور وأعيان غيريات أفاضها الباري تعالى على العقل الفعّال الذي هو جوهر بسيط مدرك حقائق الأشياء (ص، ر 1، 316، 8) - إنّ أول شيء اخترعه اللّه جلّ ثناؤه وأوجده، جوهر بسيط روحاني في غاية التمام والكمال والفضل، فيه صور جميع الأشياء يسمّى العقل الفعّال، وإنّ من ذلك الجوهر فاض جوهر آخر دونه في الرتبة يسمّى الرتبة الكلية، وانبجس من النفس جوهر آخر يسمّى الهيولى الأولى، وإنّ الهيولى الأولى قبل المقدار الذي هو الطول والعرض والعمق، فصارت بذلك جسما مطلقا وهو الهيولى الثانية (ص، ر 3، 189، 17) - واجب الحكمة أفاض الجود والفضائل منه كما يفيض من عين الشمس النور والضياء، ودام ذلك الفيض منه متصلا متواترا غير منقطع، فيسمّى أول ذلك الفيض العقل الفعّال وهو جوهر بسيط روحاني نور محض في غاية التمام والكمال والفضائل، وفيه صور جميع الأشياء، كما تكون في فكر العالم صور المعلومات.
و فاض من العقل الفعّال فيض آخر دونه في الرتبة يسمّى العقل المنفعل وهي النفس الكلّية وهي جوهرة روحانية بسيطة قابلة للصور والفضائل من العقل الفعّال على الترتيب والنظام، كما يقبل التلميذ من الأستاذ التعليم. وفاض من النفس أيضا فيض آخر دونها في الرتبة يسمّى الهيولى الأولى، وهي جوهرة بسيطة روحانية قابلة من النفس من الصور والأشكال بالزمان شيئا بعد شيء (ص، ر 3، 197، 22) - إن قيل ما العقل الفعّال؟ فيقال هو أول مبدع أبدع اللّه (تعالى)، وهو جوهر بسيط نوراني فيه صورة كل شيء (ص، ر 3، 360، 24) - إنّ العقل الفعّال هو الإبداع الأول والخلق الأكمل، وأنّه فعل اللّه الذي فعله بذاته وأوجده بكلمته وقدرته الذي قدّر فيه وجوده الذي جاد به (ص، ر 4، 257، 3) - الشيء في الإنسان الذي تصدر عنه هذه الأفعال (المدركة) يسمّى نفسا ناطقة، وله قوّتان:
إحداهما معدّة نحو العمل ووجهها إلى البدن وبها يميّز بين ما ينبغي أن يفعل وبين ما لا ينبغي أن يفعل، وما يحسن ويقبح من الأمور الجزئية- ويقال له العقل العمليّ، ويستكمل في الناس بالتجارب والعادات، والثانية قوّة معدّة نحو النظر والعقل الخاص بالنفس ووجهها إلى فوق، وبها ينال الفيض الإلهي.
و هذه القوة قد تكون بعد بالقوة لم تفعل شيئا ولم تتصوّر، بل هي مستعدّة لأن تعقل المعقولات، بل هي استعداد ما للنفس نحو تصوّر المعقولات- وهذا يسمّى العقل بالقوة والعقل الهيولاني. وقد تكون قوة أخرى أحوج منها إلى الفعل، وذلك بأن تحصل للنفس المعقولات الأولى على نحو الحصول الذي نذكره، وهذا يسمّى العقل بالملكة. ودرجة ثالثة هي أن تحصل للنفس المعقولات المكتسبة فتحصل النفس عقلا بالفعل، ونفس تلك المعقولات تسمّى عقلا مستفادا. ولأنّ كل ما يخرج من القوة إلى الفعل فإنّما يخرج بشيء يفيده تلك الصورة، فإذن العقل بالقوة إنّما يصير عقلا بالفعل بسبب يفيده المعقولات ويتّصل به إثره، وهذا الشيء هو الذي يفعل العقل فينا. وليس شيء من الأجسام بهذه الصفة. فإذن هذا الشيء عقل بالفعل وفعّال فينا فيسمّى عقلا فعّالا، وقياسه من عقولنا قياس الشمس من أبصارنا (س، ع، 43، 7) - حدّ العقل الفعّال: إما من جهة ما هو عقل فهو أنّه جوهر صوري ذاته ماهيّة مجرّدة في ذاتها لا بتجريد غيرها عن المادة وعن علائق المادة هي ماهية كل موجود، وإما من جهة ما هو عقل فعّال فهو أنّه جوهر بالصفة المذكورة من شأنه أن يخرج العقل الهيولاني من القوة إلى الفعل بإشراقه عليه (س، ح، 13، 8) - إنّ النفس الإنسانية قد تكون عاقلة بالقوة، ثم تصير عاقلة بالفعل، وكل ما خرج من القوة إلى الفعل فإنّما يخرج بسبب بالفعل يخرجه. فههنا سبب هو الذي يخرج نفوسنا في المعقولات من القوة إلى الفعل، وإذ هو السبب في إعطاء الصور العقلية، فليس إلّا عقلا بالفعل عنده مبادئ الصور العقلية مجرّدة، ونسبته إلى نفوسنا كنسبة الشمس إلى أبصارنا ... فإنّ القوة العقلية إذا اطّلعت على الجزئيات التي في الخيال وأشرق عليها نور العقل الفعّال فينا الذي ذكرناه، استحالت مجرّدة عن المادة وعلائقها، وانطبعت في النفس الناطقة (س، شن، 208، 10) - (النفس الإنسانية) ما لها بحسب حاجتها إلى تكميل جوهرها عقلا بالفعل: فأولها: قوة استعدادية لها نحو المعقولات، وقد يسمّيها قوم عقلا" هيولانيّا" وهي المشكاة. ويتلوها قوة أخرى تحصل لها عند حصول المعقولات الأولى، فتتهيّأ بها لاكتساب الثواني ... ثم يحصل لها بعد ذلك قوة، وكمال: أما الكمال: فأن تحصل لها المعقولات بالفعل مشاهدة متمثّلة في الذهن، وهي نور على نور.
و أما القوة: فأن يكون لها أن يحصل المعقول المكتسب المفروغ منه كالمشاهد متى شاءت من غير افتقار إلى اكتساب، وهو المصباح.
و هذا الكمال يسمّى عقلا مستفادا. وهذه القوة تسمّى عقلا بالفعل. والذي يخرج من الملكة إلى الفعل التام، ومن الهيولاني أيضا إلى الملكة، فهو العقل الفعّال، وهو النار (س، أ 1، 367، 4) - الشيء لا يخرج من ذاته إلى الفعل إلّا بشيء يفيده الفعل، وهذا الفعل الذي يفيده هو صور المعقولات. فإذن هاهنا شيء يفيد النفس، ويطبع فيها من جوهره صور المعقولات، فذات هذا الشيء لا محالة عنده صور المعقولات، وهذا الشيء إذن بذاته عقل ... وهذا الشيء يسمّى بالقياس إلى العقول التي بالقوة، وتخرج منه إلى الفعل، عقلا فعّالا، كما يسمّى العقل الهيولاني بالقياس إليه عقلا منفعلا، ويسمّى العقل الكائن فيما بينهما عقلا مستفادا (س، ف، 111، 12) - العقل الفعّال تفيض منه قوة تسيح إلى الأشياء المتخيّلة، التي هي بالقوة معقولة، فتجعلها معقولة بالفعل، وتجعل العقل بالقوة عقلا بالفعل (س، ف، 112، 4) - يكفي وحده سببا لإخراج العقول من القوة إلى الفعل، هذا الشيء يسمّى بالقياس إلى العقول التي بالقوة وتخرج منها إلى الفعل عقلا فعّالا (س، ن، 193، 4) - إنّ للقوة العقلية مراتب، ولها بحسبها أسامي، فالمرتبة الأولى أن لا يحصرها شيء من المعقولات، بالفعل، بل ليس لها الاستعداد والقبول كما في الصبي، ويسمّى حينئذ عقله، عقلا هيولانيّا، وعقلا بالقوة ثم بعد ذلك يظهر فيه نوعان من الصور المعقولة: أحدهما نوع الأوليات الحقيقية التي يقتضي طبعها أن تنطبع فيه من غير اكتساب، بل تقبلها بالسماع، من غير نظر ... والثاني: نوع المشهورات، وهي في الصناعات والأعمال أبين. فإذا ظهر فيه ذلك سمّي عقلا بالملكة، أي قد ملك كسب المعقولات النظرية قياسا، فإن حصل بعد ذلك فيه شيء من المعقولات النظرية باكتسابه إيّاها، سمّي عقلا بالفعل، كالعالم الغافل عن العلوم، القادر عليها، مهما أراد. فإن كانت صورة المعلوم حاضرة في ذهنه، سمّيت تلك الصورة عقلا مستفادا، أي علما مستفادا، من سبب من الأسباب الإلهية، يسمّى ذلك السبب ملكة، أو عقلا فعّالا (غ، م، 362، 19) - العلوم العقلية تقوم بالنفس التي ليست بجسم، ولا هي منطبعة في جسم. فلا تدخل في المكان والحيّز حتى يجاورها جسم آخر، أو يحاذيها، فيؤثّر فيها. فإذن يكون السبب جوهرا مجرّدا عن المادة. وهو المعنى بالعقل الفعّال.
لأنّ معنى العقل كونه مجرّدا، ومعنى الفعّال كونه فاعلا في النفوس على الدوام (غ، م، 372، 9) - مخرج الشيء من القوة إلى الفعل يحتاج أن يكون ذلك الشيء الذي أوجده في ذي القوة عنده بالفعل. فهذا المقيّد عقل بالفعل يسمّونه (الفلاسفة) العقل الفعّال (بغ، م 1، 408، 6) - هذا العقل الفعّال الذي هو معلّم الناس هو عندهم (الفلاسفة) العلّة الفعّالة لنفوس الناس والحيوان والنبات وهو مكمّل نفوس الناس، ونسبته إليها نسبة الشمس إلى الإبصار من جهة أنّها به تقوى على إدراك المعقولات، ونسبة المرآة التي فيها صور بالقياس إلى مرآة ساذجة ينتقش فيها ما فيها فهو الصحيفة التي ترى ما فيها والمصباح الذي به يرى (بغ، م 1، 408، 10) - هذا العقل الفعّال تفيض منه قوة على المتخيّلات التي هي بالقوة معقولة فتجعلها معقولة بالفعل كما يجعل نور الشمس المرئيات بالقوة مرئية بالفعل، ويجعل العقل بالقوة عقلا بالفعل كما يجعل نور الشمس البصر بالقوة باصرا بالفعل (بغ، م 1، 408، 14) - هذا العقل الفعّال لا يحلّ الأبدان ولا يتعلّق بها فلا يدرك الجزئيات ولا يخفى عنه شيء من الكلّيات التي الجزئيات في ضمنها (بغ، م 1، 408، 24) - قالوا (الفلاسفة): إنّ المعقولات التي تستفيدها النفس منه موجودة عنده أبدا بالفعل أوجبوا له أن يكون في سائر إدراكاته أبدا بالفعل ولا يكون في شيء بالقوة وفي شيء بالفعل، وسمّوه لذلك عقلا فعّالا (بغ، م 1، 414، 4) - العقل الفعّال يدرك المعقولات ولا يدرك المحسوسات لأنّه مفارق أبدا (بغ، م 1، 414، 16) - العقل الفعّال ... ليس يعطي الصور النفسانية فقط والصور الجوهرية التي للمتشابهة الأجزاء بل والصور الجوهرية التي للأسطقسّات، فإنه يظهر أن الأسطقسّات إنما تفعل وتنفعل بكيفياتها لا بصورها الجوهرية (ش، ت، 882، 7) - إن العقل الفعّال المفارق هو كالصورة في العقل الهيولاني شبه المركّب من المادة والصورة، وإنه الذي يخلق المعقولات من جهة ويقبلها من جهة أعني أنه يفعلها من جهة ما هو صورة ويقبلها من جهة العقل الهيولاني (ش، ت، 1489، 3) - إن العقول المفارقة بما هي مفارقة يجب أن تكون مبدأ لما هي له مبدأ بالنحوين جميعا، أعني من جهة ما هي محرّكة ومن جهة ما هي غاية. فالعقل الفعّال من جهة ما هو مفارق ومبدأ لنا قد يجب أن يحرّكنا على جهة ما يحرّك العاشق المعشوق. وإن كانت كل حركة فقد يجب أن تتصل بالشيء الذي يحرّكها على جهة الغاية (ش، ت، 1612، 12) - الذي يقول به القدماء (من الفلاسفة) في أمر الوحي والرؤيا إنما هو عن اللّه تبارك وتعالى بتوسط موجود روحاني ليس بجسم، وهو واهب العقل الإنساني عندهم، وهو الذي تسميه الحدّث منهم العقل الفعال، ويسمّى في الشريعة ملكا (ش، ته، 288، 26) - يقال في العقل الفعال إنه يتصل بنا في حين الاستفادة (ش، ن، 88، 5) - أقرب شيء من جوهرنا هو العقل الفعّال.
و لذلك رأى قوم أنه يمكن أن يتصوّر ذاته على كنهها حتى نكون نحن هو ويعود المعلول هو نفس العلة (ش، ما، 156، 22) - الموضوع لتصوّر العقل الفعّال إنما هو ذاته وما يعقل من مبادئه فإنما يعقلها بالمناسبة. وكذلك يلزم في الثالث والرابع (من العقول) إلى أن ينتهي إلى المبدأ الأول (ش، ما، 157، 1) - الظاهر من مذهب أرسطو وأصحابه أو اللازم عن مذهبهم ... أنهم يصرّحون في العقل الفعّال أنه يعلم ما هاهنا، أعني ما دونه.
و كذلك في عقول الأجرام السماوية. ولا فرق على ما تبيّن من قولنا بين أن يجوز ذلك في العقل الفعّال أو فيما فوقه من المبادئ، فإنه ليس يمكن فيها أن تعقل شيئا لا يتجوهر به إلا على الجهة التي قلناها، فقد تبيّن من هذا القول كيف تعقل هذه المبادئ ذواتها وما هو خارج عن ذاتها (ش، ما، 158، 3) - العقل الفعّال هو صادر عن آخر تلك المحرّكات رتبة ولننزل محرّك فلك القمر (ش، ما، 165، 9) - العقل الفعّال عندهم (الفلاسفة) عبارة عن أوّل رتبة ينكشف عنها الحسّ من رتب الروحانيات ويحملون الاتصال بالعقل الفعّال على الإدراك العلمي (خ، م، 431، 23) - هم أيضا قائلون (الفلاسفة) في أكثر المواضع، أنّ فاعل جميع الحوادث العنصرية هو العقل الفعّال لا غير (ط، ت، 307، 5) - ما ذكروا (الفلاسفة) ... إنّ مبدأ كل الحوادث في عالمنا هذا، وفاعلها، هو العقل الفعّال (ط، ت، 322، 19)
مصادر و المراجع :
١- موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب
المؤلف: جيرار جهامي (معاصر)
عدد الأجزاء: 1
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون - بيروت
الطبعة: الأولى/ 1998 م
تعليقات (0)