المنشورات

عقل هيولاني

- أما العقل الإنساني الذي يحصل له بالطبع في أول أمره، فإنه هيئة ما في مادة معدّة لأن تقبل رسوم المعقولات: فهي بالقوة عقل وعقل هيولاني، وهي أيضا بالقوة معقولة (ف، أ، 82، 9) - يسمّى العقل الهيولاني العقل المنفعل (ف، أ، 84، 2) - اسم العقل يدلّ على معان، وتنقسم تلك المعاني إلى أقسام بحسب ما ينقسم كل ذي عقل. وذلك له ابتداء وانتهاء: وأحدها وهو بمعنى الابتداء بالطبع، هو العقل الفعّال، وهو الشبه الفاعل. والثاني بحسب الانتهاء، وهو العقل الإنساني ويسمّى هيولانيّا، وهو في نسبة المفعول. والثالث بحسب معنى الوسط وهو العقل المستفاد وهو في نسبة الفعل (تو، م، 289، 11) - الشيء في الإنسان الذي تصدر عنه هذه الأفعال (المدركة) يسمّى نفسا ناطقة، وله قوّتان:
إحداهما معدّة نحو العمل ووجهها إلى البدن وبها يميّز بين ما ينبغي أن يفعل وبين ما لا ينبغي أن يفعل، وما يحسن ويقبح من الأمور الجزئية- ويقال له العقل العمليّ، ويستكمل في الناس بالتجارب والعادات، والثانية قوّة معدّة نحو النظر والعقل الخاص بالنفس و وجهها إلى فوق، وبها ينال الفيض الإلهي.
و هذه القوة قد تكون بعد بالقوة لم تفعل شيئا ولم تتصوّر، بل هي مستعدّة لأن تعقل المعقولات، بل هي استعداد ما للنفس نحو تصوّر المعقولات- وهذا يسمّى العقل بالقوة والعقل الهيولاني. وقد تكون قوة أخرى أحوج منها إلى الفعل، وذلك بأن تحصل للنفس المعقولات الأولى على نحو الحصول الذي نذكره، وهذا يسمّى العقل بالملكة. ودرجة ثالثة هي أن تحصل للنفس المعقولات المكتسبة فتحصل النفس عقلا بالفعل، ونفس تلك المعقولات تسمّى عقلا مستفادا. ولأنّ كل ما يخرج من القوة إلى الفعل فإنّما يخرج بشيء يفيده تلك الصورة، فإذن العقل بالقوة إنّما يصير عقلا بالفعل بسبب يفيده المعقولات ويتّصل به إثره، وهذا الشيء هو الذي يفعل العقل فينا. وليس شيء من الأجسام بهذه الصفة. فإذن هذا الشيء عقل بالفعل وفعّال فينا فيسمّى عقلا فعّالا، وقياسه من عقولنا قياس الشمس من أبصارنا (س، ع، 42، 22) - العقل الهيولاني وهو قوة للنفس مستعدّة لقبول ماهيّات الأشياء مجرّدة عن المواد (س، ح، 13، 1) - إنّما يكون أيضا للنفس (ارتسام المعقولات) إذا اكتسبت ملكة الاتصال. هذا الاتصال علّته قوة بعيدة، هي" العقل الهيولي"، وقوة كاسبة هي" العقل بالملكة"، وقوة تامّة الاستعداد لها أن تقبل بالنفس إلى جهة الإشراق- متى شاءت- بملكة متمكّنة وهي المسمّاة" بالعقل بالفعل" (س، أ 1، 377، 3) - الرموز بالمشكاة هو العقل الهيولاني الذي نسبته إلى العقل المستفاد كنسبة المشكاة إلى النور. والمصباح هو عبارة عن العقل المستفاد بالفعل لأنّ النور كما هو كمال للمشفّ كما حدّ به الفلاسفة ومخرج له من القوة إلى الفعل.
و نسبة العقل المستفاد إلى العقل الهيولاني كنسبة المصباح إلى المشكاة (س، ر، 126، 5) - القوة النظرية إذن تارة تكون نسبتها إلى الصورة المجرّدة ... نسبة ما بالقوة المطلقة، حتى تكون هذه القوة للنفس لم تقبل بعد شيئا من الكمال الذي بحسبها، وحينئذ تسمّى عقلا هيولانيّا. وهذه القوة التي تسمّى عقلا هيولانيّا موجودة لكل شخص من النوع. وإنّما سمّيت هيولانية تشبيها بالهيولى الأولى، التي ليست هي بذاتها ذات صورة من الصور، وهي موضوعة لكل صورة. وتارة نسبة ما بالقوة الممكنة، وهي أن تكون القوة الهيولانية قد حصل فيها من الكمالات المعقولات الأولى التي يتوصّل منها وبها إلى المعقولات الثانية ... فما دام إنّما حصل فيه من العقل هذا القدر بعد، فإنّه يسمّى عقلا بالملكة ... وتارة نسبة ما بالقوة الكمالية، وهو أن يكون قد حصل فيها أيضا الصورة المعقولة المكتسبة بعد المعقولة الأولية ... ويسمّى عقلا بالفعل لأنّه عقل يعقل متى شاء بلا تكلّف اكتساب ...
و تارة يكون نسبة ما بالفعل المطلق، وهو أن تكون الصورة المعقولة حاضرة فيه، وهو يطالعها بالفعل، فيعقلها بالفعل، ويعقل أنّه يعقلها بالفعل، فيكون حينئذ عقلا مستفادا (س، ف، 66، 3) - أنظر إلى هذه القوى كيف يرؤس بعضها بعضا، وكيف يخدم بعضها بعضا، فإنّك تجد العقل المستفاد بل العقل القدسي رئيسا، ويخدمه الكل، وهو الغاية القصوى. ثم العقل بالفعل يخدمه العقل بالملكة، ثم العقل الهيولاني بما فيه من الاستعداد يخدم العقل بالملكة. ثم العقل العملي يخدم جميع هذا، لأنّ العلاقة البدنية، كما سيتّضح بعد، لأجل تكميل العقل النظري وتزكيته، والعقل العملي هو مدبّر تلك العلاقة (س، ف، 68، 1) - الشيء لا يخرج من ذاته إلى الفعل إلّا بشيء يفيده الفعل، وهذا الفعل الذي يفيده هو صور المعقولات. فإذن هاهنا شيء يفيد النفس، ويطبع فيها من جوهره صور المعقولات، فذات هذا الشيء لا محالة عنده صور المعقولات، وهذا الشيء إذن بذاته عقل ... وهذا الشيء يسمّى بالقياس إلى العقول التي بالقوة، وتخرج منه إلى الفعل، عقلا فعّالا، كما يسمّى العقل الهيولاني بالقياس إليه عقلا منفعلا، ويسمّى العقل الكائن فيما بينهما عقلا مستفادا (س، ف، 111، 12) - لا شكّ أنّ نوع الحيوان الناطق يتميّز من غير الناطق بقوة بها يتمكّن من تصوّر المعقولات، وهذه القوة هي المسمّاة بالنفس النطقية. وقد جرت العادة بتسميتها العقل الهيولاني، أي العقل بالقوة، تشبيها لها بالهيولى. وهذه القوة في النوع الإنساني كافة. وليس لها في ذاتها شيء من الصور المعقولة، بل يحصل فيها ذلك بضربين من الحصول، أحدهما بإلهام إلهي من غير تعلّم ولا استفادة من الحواس، كالمعقولات البديهية، مثل اعتقادنا أنّ الكل أعظم من الجزء، وأنّ النقيضين لا يجتمعان في شيء واحد معا، فالعقلاء البالغون مشتركون في نيل هذه الصور. والثاني باكتساب قياسي، واستنباط برهاني، كتصوّر الحقائق المنطقية، مثل الأجناس والأنواع، والفصول والخواص، والألفاظ المفردة والمركّبة بالضروب المختلفة من التركيب، والقياسات المؤلّفة الحقيقية والكاذبة (س، ف، 168، 4) - تكون هذه القوة (النفسية) في بدء وجودها عارية عن صور المعقولات، وتسمّى حينئذ بذلك الاعتبار عقلا هيولانيّا. ثم تحصل فيها صور المعقولات الأولية، وهي معان متحقّقة من غير قياس وتعلّم واكتساب، وتسمّى بداية العقول وآراء عامّية وعلوما أوليّة غريزية، وهي مثل العلم بأنّ الكل أعظم من الجزء، وأنّ الجسم الواحد لا يشغل مكانين في حالة واحدة، ولا يكون كله أسود وأبيض معا، وموجودا ومعدوما (س، ف، 195، 15) - تجد العقل المستفاد بل العقل القدسي رئيسا يخدمه الكل وهو الغاية القصوى، ثم العقل بالفعل يخدمه العقل بالملكة. والعقل الهيولاني بما فيه من الاستعداد يخدم العقل بالملكة. ثم العقل العملي يخدم جميع هذه لأنّ العلاقة البدنية ... لأجل تكميل العقل النظري وتزكيته. والعقل العملي هو مدبّر تلك العلاقة (س، ن، 168، 6) - العقل الهيولاني وإن كان قدسيّا فإنّه مستعدّ لأن يصير عقلا بالفعل والعقل بالفعل أتمّ منه. وإذا كان العقل الهيولاني قد يتّصل بالمفارق من دون تعلّم منه أعني من دون استعمال فكر أو خيال فلأن يتّصل به العقل بالفعل بعد المفارقة أوجب وأولى (ب، م، 18، 14) - قيل في علم النفس إنّ نفس الإنسان تعقل المعقولات وتعلم الكلّيات بعد أن كانت لا تعقلها ولا تعلمها. فهي في أولية حالها عقل بالقوة ويسمّونها لذلك عقلا هيولانيّا بمعنى أنّها محل قابل للمعقولات ومن شأنها أن تقبلها بتعلّم وتعليم (بغ، م 1، 407، 22) - رأوا (الفلاسفة) نفس الإنسان تعرف وتعلم بعد جهل وتكمل بعد نقص، فنظروا إلى هذا الكمال من جهة كونه بالقوة ومن جهة كونه بالفعل فسمّوها حسبه عقلا هيولانيّا وعقلا بالقوة (بغ، م 1، 410، 2) - قالوا (الفلاسفة) إنّ النفس الناطقة التي هي نفس الإنسان هي عقل هيولاني وعقل بالقوة ومن شأنها أن تصير عقلا بالفعل إذا تصوّرت بصور المعلومات وقبل ذلك فهي نفس محرّكة للبدن، فكأنهم سمّوها عقلا هيولانيّا لكونها تكتسب الصور بعد ما لم تكن حاصلة لها وفيها (بغ، م 2، 142، 13) - (للنفس) ثلاثة استعدادات وكمال. الأول الاستعداد الأبعد الذي للإنسان كما للأطفال، ويسمّى العقل الهيولاني، والثاني حالها عند ما تحصل لها بالمعقولات الأول، ولها تحصيل الثواني بالفكر أو بالحدس، ويسمّى العقل بالملكة، والثالث أن يكون ملكة تحصيل المعقولات المفروغ عنها متى شاءت دون حاجة إلى كسب جديد، ويسمّى العقل بالفعل، وإن كانت في نفسها قوة قريبة، الرابع أن تكون المعاني المعقولة فيها حاضرة بالفعل، ويسمّى العقل المستفاد (سه، ل، 119، 13) - إنه ليس هاهنا عقل يبقى إلّا العقل المكتسب بآخرة وهو الذي يسمّى المستفاد، وأما العقل الذي بالملكة والعقل الهيولاني فكلاهما عنده (أرسطو) فاسد (ش، ت، 1488، 9) - الاستعداد الذي في الصور الخيالية لقبول المعقولات هو العقل الهيولاني الأول، والعقل الذي بالملكة هو المعقولات الحاصلة بالفعل فيه إذا صارت، بحيث يتصوّر بها الإنسان متى شاء، كالحال في المعلّم إذ لم يعلّم، وهو إنما يحصل بالفعل على تمامه الآخر، وبهذه الحال تحصل العلوم النظرية (ش، ن، 101، 17) - إن العقل الهيولاني لو كان ذا صورة مخصوصة لما قبل الصور الخيالية هي أحرى أن تكون محرّكة له من أن تكون قابلة (ش، ن، 102، 8) - يقول الإسكندر إن العقل الهيولاني هو استعداد فقط مجرّد من الصور، يريد أنه ليس صورة من الصور شرطا في قبوله المعقولات، وإنما هي شرط في وجوده فقط لا في قبوله (ش، ن، 102، 10) - جعلوا (المفسّرون) العقل الهيولاني جوهرا أزليّا من طبيعة العقل، أي وجوده وجود في القوة حتى تكون نسبته إلى المعقولات نسبة الهيولى إلى الصورة، لكن ما هذا شأنه فليس أن يستكمل به في الكون جسم كائن فاسد، ولا أن يكون المستكمل به عاقلا به، أعني الإنسان، إذ هو كائن فاسد (ش، ن، 102، 13) - العقل الهيولاني يحتاج ضرورة في وجوده إلى أن يكون هاهنا عقل موجود بالفعل دائما وإلا لم يوجد الهيولاني ... فإن كان ما ليس يحتاج في فعله الخاص إلى الهيولى فليس بهيولاني أصلا (ش، ن، 103، 9) - إنّ النفس الإنسانية قابلة لإدراك حقائق الأشياء، فلا يخلو إما أن تكون خالية عن كل الإدراكات أو لا تكون خالية. فإن كانت خالية مع أنّها تكون قابلة لتلك الإدراكات فهي كالهيولى التي ليس لها إلّا طبيعة الاستعداد فتسمّى في تلك الحالة عقلا هيولانيّا، وإن لم تكن خالية فلا يخلو: إمّا أن يكون الحاصل فيها من العلوم الأوليّات فقط، أو يكون قد حصلت النظريات مع ذلك. فإن لم تحصل فيها إلّا الأوليّات التي هي الآلة في اكتساب النظريات فتسمّى في تلك الحالة عقلا بالملكة أي لها قدرة الاكتساب وملكة الاستنتاج. ثم أنّ النفس في هذه المرتبة إن تميّزت عن سائر النفوس بكثرة الأوليات وسرعة الانتقال منها إلى النتائج سمّيت قوة قدسية وإلّا فلا. وأمّا إن كان قد حصل لها مع تلك الأوليّات تلك النظريات أيضا فلا يخلو:
إمّا أن تكون تلك النظريات غير حاصلة بالفعل ولكنها بحال متى شاء صاحبها واستحضرها بمجرّد تذكّر وتوجّه الذهن إليها، أو تكون تلك النظريات حاضرة بالفعل حاصلة بالحقيقة حتى كأنّ صاحبها ينظر إليها. فالنفس في الحالة الأولى تسمّى عقلا بالفعل وفي الحالة الثانية تسمّى عقلا مستفادا. فإذا أحوال مراتب النفس الإنسانية أربع (ر، م، 367، 2) - النفس الإنسانية لها قوّتان: عاملة وهي القوة التي باعتبارها يدبّر البدن، وعاقلة ولها مراتب.
فأوّلها كونها مستعدّة لقبول الصور العقلية وهذه المرتبة مسمّاة بالعقل الهيولاني. وثانيها أن تحصل فيها التصوّرات والتصديقات البديهية وهي العقل بالملكة وهذه المرتبة مختلفة بحسب كمّية تلك البديهيات وبحسب كيفية قوة النفس على الانتقال منها إلى المطالب.
و ثالثها أن يحصل الانتقال من تلك المبادئ إلى المطالب الفكرية البرهانية إلّا أنّ تلك الصور لا تكون حاضرة بالفعل بل تكون بحيث إذا شاء الإنسان أن يستحضرها فعل ذلك وهذه المرتبة هي العقل بالفعل. ورابعها أن تكون تلك الصورة العقلية حاضرة بالفعل ينظر إليها صاحبها وهي المسمّاة بالعقل المستفاد (ر، ل، 72، 6) - العقل الهيولي، وهو عبارة عن القوّة النظريّة حالة عدم حصول الآلة التي يتمّ بها التّوصّل إلى الإدراك، كقوّة الطّفل بالنّسبة إلى معرفة الأشكال الهندسيّة، ونحوها. وقد تسمّى هذه القوّة، من هذا الوجه، القوّة المطلقة (سي، م، 106، 3) - العقل الهيولاني وهو الاستعداد المحض لإدراك المعقولات وهي قوّة محضة خالية عن الفعل كما للأطفال. وإنّما نسب إلى الهيولى لأنّ النفس في هذه المرتبة تشبه الهيولى الأولى الخالية في حدّ ذاتها عن الصور كلّها (جر، ت، 157، 15) 












مصادر و المراجع :

١- موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب

المؤلف: جيرار جهامي (معاصر)

عدد الأجزاء: 1

الناشر: مكتبة لبنان ناشرون - بيروت

الطبعة: الأولى/ 1998 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید