- إنّ العقول المفارقة كثيرة العدد فليست إذا موجودة معا عن الأول بل يجب أن يكون أعلاها هو الموجود الأول عنه. ثم يتلوه عقل وعقل، ولأنّ تحت كل عقل فلكا بمادته وصورته التي هي النفس وعقلا دونه، فتحت كل عقل ثلاثة أشياء في الوجود (س، ن، 277، 13) - حال العقل الذي هو الكمال الأخير للإنسان هو حال جميع العقول المفارقة لجميع الأجرام السماوية. وذلك أنه تبيّن من هذه أنها الكمال الأخير للأجرام السماوية (ش، ت، 52، 3) - إن العقول المفارقة بما هي مفارقة يجب أن تكون مبدأ لما هي له مبدأ بالنحوين جميعا، أعني من جهة ما هي محرّكة ومن جهة ما هي غاية. فالعقل الفعّال من جهة ما هو مفارق ومبدأ لنا قد يجب أن يحرّكنا على جهة ما يحرّك العاشق المعشوق وإن كانت كل حركة فقد يجب أن تتصل بالشيء الذي يحرّكها على جهة الغاية (ش، ت، 1612، 10) - لما قايسوا (الفلاسفة) بين هذه العقول المفارقة وبين العقل الإنساني رأوا أن هذه العقول أشرف من العقل الإنساني وإن كانت تشترك مع العقل الإنساني في أن معقولاتها هي صور الموجودات، وأن صورة واحد واحد منها هو ما يدركه من صور الموجودات ونظامها. لكن الفرق بينهما أن صور الموجودات هي علّة للعقل الإنساني، إذا كان يستكمل بها على جهة ما يستكمل الشيء الموجود بصورته، وأما تلك فمعقولاتها هي العلّة في صور الموجودات.
و ذلك أن النظام والترتيب في الموجودات إنما هو شيء تابع ولازم للترتيب الذي في تلك العقول المفارقة، وأما الترتيب الذي في العقل الذي فينا، فإنما هو تابع لما يدركه من ترتيب الموجودات ونظامها، ولذلك كان ناقصا جدا، لأن كثيرا من الترتيب والنظام الذي في الموجودات لا يدركه العقل الذي فينا (ش، ته، 130، 21) - السبب في كثرة العقول المفارقة اختلاف طبائعها القابلة فيما تعقل من المبدأ الأول، وفيما تستفيد منه من الوحدانية الذي هو فعل واحد في نفسه كثير بكثرة القوابل له، كالحال في الرئيس الذي تحت يده رئاسات كثيرة، و الصناعة التي تحتها صنائع كثيرة (ش، ته، 152، 15) - هاهنا موجودات تتغاير وهي بسائط لا تغاير النوع، ولا تغاير الأشخاص، وهي العقول المفارقة (ش، ته، 170، 3) - يسمّى أرسطو العقول المفارقة جوهرا (ش، ما، 39، 22)
مصادر و المراجع :
١- موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب
المؤلف: جيرار جهامي (معاصر)
عدد الأجزاء: 1
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون - بيروت
الطبعة: الأولى/ 1998 م
تعليقات (0)