المنشورات

علم ما بعد الطبيعة

- إنّ علم ما فوق الطبيعيات هو علم ما لا يتحرّك (ك، ر، 111، 13) - ينظر في الأشياء الخارجة عن المقولات بصناعة أخرى وهي علم ما بعد الطبيعيّات.
فإنّها تنظر في تلك وتستقصي معرفتها وتنظر في ما تحتوي عليه المقولات من جهة ما تلك الأمور أسبابها- حتّى في ما تحتوي عليه التعاليم منها والعلم المدنيّ وما يشتمل عليه المدنيّ من الصنائع العمليّة. وعند ذلك تتناهى العلوم النظريّة (ف، حر، 69، 18) - موضوع العلم المعروف بما بعد الطبيعة الموجود بما هو موجود، ومطالبه الأمور التي تلحقه بما هو موجود من غير شرط وبعض هذه الأمور له كالأنواع مثل الجوهر والكم والكيف. فإنّ الموجود ينقسم إليها أولا وبعض هذه الأمور له كالعوارض الخاصة مثل الواحد والكثير والقوة والفعل والكلّي والجزئي والممكن والواجب (ب، م، 2، 5) - إن أكثر الآراء التي تضمنها هذا العلم (علم ما بعد الطبيعة) فهي آراء ناموسية وضعت للناس لطلب الفضيلة لا لتعريفهم الحق، فاللغز فيها عن الحق ألغازا. والسبب في هذا كله أن الناس لا يتم وجودهم إلا بالاجتماع، والاجتماع لا يمكن إلا بالفضيلة، فأخذهم بالفضائل أمر ضروري لجميعهم وليس الأمر كذلك في أخذهم بمعرفة حقائق الأشياء إذ ليس كلهم يصلح لذلك (ش، ت، 43، 9) - إن الحال في أجزاء الفلسفة الأولى كالحال في أجزاء التعاليم. فكما أن التعاليم منها جزء أول وهو العدد مثلا أو الهندسة ومنها أجزاء ثوان مثل المناظر والموسيقى، كذلك الحال في أجزاء هذا العلم، وذلك أن الأول منها هو الناظر في الجواهر المفارقة أعني لا الأول في التعليم بل الأول في الوجود ومنها ثوان وهو الناظر في الجوهر المحسوس وهذا هو بحسب الأول في الوجود. وأما الأول في المعرفة فهو الجوهر المحسوس فإن النظر في الجوهر المحسوس ولواحقه هو أول في المعرفة والنظر في الجوهر المفارق هو آخر في المعرفة أول في الوجود. ولذلك سمّي علم ما بعد الطبيعة أي بعد النظر في الجوهر المحسوس المطلق عليه اسم الطبيعة (ش، ت، 319، 16) - إن لهذا العلم (ما بعد الطبيعة) النظر ليس في الجواهر فقط بل في الأشياء التي تعرض للجوهر بما هو جوهر ... مثل البعد والقبل، ومثل الجنس والصورة، والكل والجزء، وذلك أن هذه كلها أعراض ذاتية للموجود بما هو موجود والألف منها ذهنية ومنها وجودية (ش، ت، 335، 10) - إن هذا العلم (علم ما بعد الطبيعة) ينقسم أولا إلى ثلاثة أجزاء عظمى: الأول في انقسام الموجود إلى الجوهر والعرض، والثاني في انقسام الموجود إلى القوة والفعل، والثالث في انقسام الموجود إلى الواحد والكثرة (ش، ت، 744، 5) 

- أكثر براهين هذا العلم (علم ما بعد الطبيعة) هي براهين منطقية، وأعني بالمنطقية هاهنا مقدّمات مأخوذة من صناعة المنطق. وذلك أن صناعة المنطق تستعمل استعمالين: من حيث هي آلة وقانون تستعمل في غيرها، ويستعمل أيضا ما تبيّن فيها في علم آخر على جهة ما يستعمل ما تبيّن في علم نظري في علم آخر. وهي إذا استعملت في هذا العلم قريب من المقدّمات المناسبة إذ كانت هذه الصناعة تنظر في الموجود المطلق، والمقدّمات المنطقية هي موجودة لموجود مطلق مثل الحدود والرسوم وغير ذلك مما قيل فيها (ش، ت، 749، 2) - (علم ما بعد الطبيعة) غرضه ... النظر في الموجود بما هو موجود، وفي جميع أنواعه إلى أن ينتهي إلى موضوعات الصنائع الجزئية، وفي اللواحق الذاتية له وتوفية جميع ذلك إلى أسبابه الأول وهي الأمور المفارقة. ولذلك ليس يعطي هذا العلم من الأسباب إلا السبب الصوري والغائي والفاعل بوجه ما، أعني لا على الوجه الذي يقال عليه الفاعل في الأشياء المتغيّرة، إذ كان ليس من شرط الفاعل هاهنا أن يتقدّم مفعوله تقدما زمانيا كالحال في الأمور الطبيعية. وكما أن جميع ما يعطي أسبابه في العلم الطبيعي إنما يعطي من جهة الطبيعة والأشياء الطبيعية، كذلك ما يرام هاهنا من إعطاء الأسباب للأمور الموجودة إنما يعطي من جهة الآلة والأشياء الآلية وهي الموجودات التي ليست في هيولى (ش، ما، 30، 22) - (علم ما بعد الطبيعة) ينحصر في ثلاثة أقسام:
القسم الأول ينظر فيه (أرسطو) في الأمور المحسوسة بما هي موجودة وفي جميع أجناسها التي هي المقولات العشر وفي جميع اللواحق التي يلحقها وينسب ذلك إلى الأوائل فيها بقدر ما يمكنه في هذا الجزء. وأما القسم الثاني فينظر فيه في مبادئ الجوهر وهي الأمور المفارقة ويعرّف أي وجود وجودها وينسبها أيضا إلى مبدأها الأول الذي هو اللّه تعالى، ويعرّف الصفات والأفعال التي تخصّه، وبيّن أيضا نسبة سائر الموجودات إليه وأنه الكمال الأقصى والصورة الأولى والفاعل الأول، إلى غير ذلك عن الأمور التي تخصّ واحدا واحدا من الأمور المفارقة وتعمّ أكثر من واحد منها. والقسم الثالث ينظر فيه في موضوعات العلوم الجزئية ويزيل الأغاليط الواقعة فيها لمن سلف من القدماء، وذلك في صناعة المنطق وفي الصناعتين الجزئيتين، أعني العلم الطبيعي والتعليمي (ش، ما، 32، 12) - أما منفعة هذا العلم (ما بعد الطبيعة) فهي من جنس منفعة العلوم النظرية ... إذ كانت نسبة هذا العلم إلى سائر العلوم النظرية نسبة الغاية والتمام، لأن بمعرفته تحصل معرفة الموجودات بأقصى أسبابها الذي هو المقصود من المعرفة الإنسانية. وأيضا فإن العلوم الجزئية إنما تحصل على التمام بهذا العلم، إذ كان هو الذي يصحّح مبادئها ويزيل الغلط الواقع فيها ... وأما مرتبته في التعليم فبعد العلم الطبيعي، إذ كان ... يستعمل على جهة الأصل الموضوع ما تبرهن في ذلك العلم من وجود قوى لا في هيولى. ويشبه أن يكون إنما سمّي هذا العلم علم ما بعد الطبيعة من مرتبته في التعليم، وإلّا فهو متقدّم في الوجود، ولذلك يسمّى الفلسفة الأولى (ش، ما، 34، 5) - الموجودات التي وراء الحسّ وهي الروحانيات ويسمّونه (الفلاسفة) العلم الإلهي وعلم ما بعد الطبيعة فإنّ ذواتها مجهولة رأسا ولا يمكن التوصّل إليها ولا البرهان عليها لأنّ تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية إنّما هو ممكن فيما هو مدرك لنا، ونحن لا ندرك الذوات الروحانية حتى نجرّد منها ماهيّات أخرى بحجاب الحسّ بيننا وبينها فلا يتأتّى لنا برهان عليها (خ، م، 430، 20) 












مصادر و المراجع :

١- موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب

المؤلف: جيرار جهامي (معاصر)

عدد الأجزاء: 1

الناشر: مكتبة لبنان ناشرون - بيروت

الطبعة: الأولى/ 1998 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید