- الأشياء الممكنة لا يجوز أن تمرّ بلا نهاية، في كونها علّة ومعلولا. ولا يجوز كونها على سبيل الدور، بل لا بدّ من انتهائها إلى شيء واجب، هو الموجود الأول (ف، ع، 4، 9) - الموجود الأول هو السبب الأول لوجود سائر الموجودات كلّها، وهو بريء من جميع أنحاء النقص. وكل ما سواه فليس يخلو من أن يكون فيه شيء من أنحاء النقص، إما واحدا وإما أكثر من واحد. وأما الأول فهو خلو من أنحائها كلّها، فوجوده أفضل الوجود، وأقدم الوجود، ولا يمكن أن يكون وجود أفضل ولا أقدم من وجوده. وهو من فضيلة الوجود في أعلى أنحائه، ومن كمال الوجود في أرفع المراتب.
و لذلك لا يمكن أن يشوب وجوده وجوهره عدم أصلا (ف، أ، 23، 6) - (الموجود الأول) لا يمكن أن يكون له وجود بالقوة، ولا على نحو من الأنحاء، ولا إمكان أن لا يوجد ولا بوجه ما من الوجوه. فلهذا هو أزلي، دائم الوجود بجوهره وذاته، من غير أن يكون به حاجة في أن يكون أزليا إلى شيء آخر يمدّ بقاءه، بل هو بجوهره كاف في بقائه ودوام وجوده (ف، أ، 23، 13) - (الموجود الأول) هو الموجود الذي لا يمكن أن يكون له سبب به، أو عنه، أو له، كان وجوده. فإنه ليس بمادة، ولا قوامه في مادّة ولا في موضوع أصلا. بل وجوده خلو من كل مادة ومن كل موضوع، ولا أيضا له صورة، لأن الصورة لا يمكن أن تكون إلّا في مادة (ف، أ، 24، 3) - (الموجود الأول) هو مباين بجوهره لكل ما سواه، ولا يمكن أن يكون الوجود الذي له لشيء آخر سواه، لأن كل ما وجوده هذا الوجود لا يمكن أن يكون بينه وبين شيء آخر له أيضا هذا الوجود مباينة أصلا، ولا تغاير أصلا، فلا يكون اثنان، بل يكون هناك ذات واحد فقط، لأنه إن كانت بينهما مباينة كان الذي تباينا به غير الذي اشتركا فيه (ف، أ، 25، 3) - لا يمكن أن يكون له (الموجود الأول) ضدّ، وذلك يتبيّن إذا عرف معنى الضدّ. فإن الضدّ مباين للشي ء، فلا يمكن أن يكون ضدّ الشيء هو الشيء أصلا (ف، أ، 27، 3) - إنه (الموجود الأول) غير منقسم بالقول إلى أشياء بها تجوهره. وذلك لأنه لا يمكن أن يكون القول الذي يشرح معناه يدلّ على جزء من أجزائه، أو على جزأيه (مما) يتجوهر به (ف، أ، 29، 3) - (الموجود) الأول غير منقسم في جوهره (ف، أ، 29، 16) - إنه (الموجود الأول) ليس بمادة، ولا مادة له بوجه من الوجوه، فإنه بجوهره عقل بالفعل.
لأن المانع للصورة أن تكون عقلا وأن تعقل بالفعل، هو المادة التي فيها يوجد الشي ء.
فمتى كان الشيء في وجوده غير محتاج إلى مادة، كان ذلك الشيء بجوهره عقلا بالفعل وتلك حال الأول. فهو إذن عقل بالفعل. وهو أيضا معقول بجوهره (ف، أ، 30، 9) - (الموجود) الأول ... العقل والعاقل والمعقول فيه معنى واحد، وذات واحدة، وجوهر واحد غير منقسم (ف، أ، 31، 7) - إنه (الموجود الأول) ليس يحتاج في أن يعلم إلى ذات أخرى يستفيد بعلمها الفضيلة خارجة عن ذاته، ولا في أن يكون معلوما إلى ذات أخرى تعلمه، بل هو مكتف بجوهره في أن يعلم ويعلم. وليس علمه بذاته شيئا سوى جوهره، فإنه يعلم وإنه معلوم وإنه علم. فهو ذات واحدة وجوهر واحد (ف، أ، 31، 10) - إنه (الموجود الأول) حيّ، وإنه حيوة. فليس يدل بهذين على ذاتين، بل على ذات واحدة.
فإن معنى الحيّ أنه يعقل أفضل معقول بأفضل عقل، أو يعلم أفضل معلوم بأفضل علم (ف، أ، 32، 7) - إن (الموجود) الأول يعشق ذاته ويحبها ويعجب بها إعجابا بنسبته. ونسبته إلى عشقنا لما نلتذّ به من فضيلة ذاتنا كنسبة فضيلة ذاته هو، وكمال ذاته، إلى فضيلتنا نحن وكمالنا الذي نعجب به من أنفسنا، والمحب منه هو المحبوب بعينه، والمعجب منه هو المعجب منه، والعاشق منه هو المعشوق (ف، أ، 36، 18) - (الموجود) الأول هو الذي عنه وجد. ومتى وجد للأول الوجود الذي هو له، لزم ضرورة أن يوجد عنه سائر الموجودات التي وجودها لا بإرادة الإنسان واختياره، على ما هي عليه من الوجود الذي بعضه مشاهد بالحس وبعضه معلوم بالبرهان (ف، أ، 38، 3) - إذا فاضت منه (الموجود الأول) الموجودات كلّها بترتيب مراتبها، حصل عنه لكل موجود قسطه الذي له من الوجود ومرتبته منه. فيبتدئ من أكملها وجودا ثم يتلوه ما هو أنقص منه قليلا، ثم لا يزال بعد ذلك يتلو الأنقص فالأنقص إلى أن ينتهي إلى الموجود الذي إن تخطّى عنه إلى ما دونه تخطّى إلى ما لم يمكن أن يوجد أصلا (ف، أ، 40، 5) - يفيض من (الموجود) الأول وجود الثاني، فهذا الثاني هو أيضا جوهر غير متجسّم أصلا، ولا هو في مادة. فهو يعقل ذاته ويعقل الأول، وليس ما يعقل من ذاته هو شيء غير ذاته. فيما يعقل من الأول يلزم عنه وجود ثالث، وبما هو متجوهر بذاته التي تخصّه يلزم عنه وجود السماء الأولى. والثالث أيضا وجوده لا في مادة، وهو بجوهره عقل. وهو يعقل ذاته ويعقل الأول. فبما يتجوهر به من ذاته التي تخصه يلزم عنه وجود كرة الكواكب الثابتة، وبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود رابع (ف، أ، 44، 3) - إنّ المبدأ الأول قد صحّ أنّه الموجود الأول الواجب الوجود بذاته، والواجب الوجود بذاته هو المبدأ الأول ولا يجوز أن يكون إلّا واحدا (بغ، م 2، 59، 14) - حدّوا (الفيثاغوريون) الموجود الأول والذي هو أعرف أي أحقها (الموجودات) بالوجود والمعرفة يعني الجوهر بالتحديد الذي ذكروه يعني بقولهم فيه إنه الواحد والغير متناه وإنه العدد (ش، ت، 61، 1) - واجب أن يكون هاهنا موجودا أول هو السبب في كون سائر الموجودات موجودة ومعدودة ومعلومة (ش، ما، 119، 11)
موجود بالحقيقة
- إن الموجود بالحقيقة هو الجوهر (ش، ت، 750، 6)
مصادر و المراجع :
١- موسوعة مصطلحات الفلسفة عند العرب
المؤلف: جيرار جهامي (معاصر)
عدد الأجزاء: 1
الناشر: مكتبة لبنان ناشرون - بيروت
الطبعة: الأولى/ 1998 م
تعليقات (0)