طلبة الغرامة الحربية - تشربهم بالحضارة الغربية - أثرهم في
تفكك الوحدة الصينية - عمل المبشرين - صون يات - صن
المسيحي - مغامراته في شبابه - التقاؤه بلي هونج - جانج -
تدبيره للثورة - نجاحهما - يو آن شي - كاي - موت صون
بات - صن - الفوضى والنهب - الشيوعية - "الشمال
يهدأ" - جيانج كاي - شك - اليابان في منشوريا - شنغهاي
وغادر "طلبة الغرامة" وآلاف غيرهم من الطلبة بلاد الصين ليرتادوا حضارة الغزاة الفاتحين. فذهب كثيرون منهم إلى إنجلترا، وذهب أكثر من هؤلاء إلى ألمانيا، وأكثر من هؤلاء وأولئك إلى أمريكا، وأكثر منهم جميعا إلى اليابان، وتخرج في جامعات أمريكا وحدها مئات منهم في كل عام. وكانوا يأتون إلى هذه الجامعات وهم صغار السن سريعوا التأثر قبل أن تنضج عقولهم، فيدركوا ما تنطوي عليه حضارتهم القومية من عمق ومالها من قيمة، وارتووا وهم شاكرون معجبون من معين التربية الجديدة التي قدمت لهم، ومن علوم الغرب وأساليبه وأفكاره، وأدهشهم ما شاهدوه حولهم من وسائل الراحة والحياة النشيطة القوية، ومن حرية الأفراد في بلاد الغرب، وما تستمتع به الشعوب من حقوق. ودرسوا الفلسفة الغربية وفقدوا إيمانهم بدين آبائهم، وسرهم أن يكونوا مصلحين متطرفين يشجعهم في ذلك من لقنوهم علومهم وحضارتهم، كما تشجعهم بيئتهم الجديدة على نبذ جميع العناصر التي تتكون منها حضارة بلادهم. ورجع إلى الصين في كل عام آلاف من هؤلاء الشبان الذي انتزعوا من بيئتهم في حداثة سنهم وهم حانقون على تأخر بلادهم المادي وخطوها البطيء في سبيل الحضارة الغربية، وبذروا في كل مدينة دخلوها بذور البحث والثورة على القديم.
وأعانتهم على غرضهم سلسلة من الحوادث والظروف، منها أن التجار والمبشرين الذي غزوا الصين من الغرب قد ظلوا قرابة جيلين مراكز للعدوى الغربية أرادوا هم ذلك أو لم يريدوه، فقد كان طراز معيشتهم وأساليب متعتهم وراحتهم مما بعث في نفوس من حولهم من شباب الصين رغبة قوية في أن ينالوا حظاً من هذه الحضارة الراقية. وكان هؤلاء التجار والمبشرون رغم قلتهم قد قوّضوا بنشاطهم العقيدة الدينية التي كانت دعامة القانون الأخلاقي القديم؛ وأثاروا شبان البلاد على شيوخها بدعوتهم إلى نبذ عبادة الآباء؛ ومع أنهم كانوا يدعون إلى دين عيسى المسالم الوديع فقد كانوا إذا تأزمت الأمور تحميهم مدافع ترهب الشرق بضخامتها وقوتها وتخضعه لسيطرة الأوربيين. لقد كانت المسيحية في أول نشأتها ثورة المظلومين على الظالمين، وهاهي ذي قد عادت في يد معتنقيها من شباب الصين عاملاً من عوامل الثورة.
وكان زعيم الثورة ممن اعتنقوا المسيحية. ذلك أن أحد المستأجرين من الزراع القاطنين قرب كانتون قد ولد له في عام 1866م ولد مشاغب سماه العالم فيما بعد- في سخرية غير مقصودة- صون يات- صن؛ أي الشمس جنية السكينة (10). واعتنق صون المسيحية وقوى إيمانه بها فاندفع يحطم أصنام الآلهة في معبد قريته. وكان لهذا الغلام أخ له أكبر منه سناً هاجر من قبل إلى جزائر هاواي، فجاء بأخيه الأصغر إلى هنولولو وأدخله مدرسة يديرها راهب من أتباع الكنيسة الإنجليزية ويسير التعليم فيها بالأساليب الغربية البحتة (11). ولما عاد صون إلى الصين التحق بالكلية الحربية البريطانية فكان أول من تخرج فيها من الصينيين.
وكانت هذه الدراسات من أكبر الأسباب التي أفقدت الرجل كل ما كان في قلبه من العقائد الدينية، كما كانت الإهانات وضروب الإذلال التي يلقاها هو وأبناء وطنه في الجمارك التي يسيطر عليها الأوربيون وفي الأحياء الأجنبية من ثغور المعاهدات مما أوغر صدره وجعله يفكر في الثورة. وكان عجز الحكومة الفاسدة الرجعية عن أن تقي الصين العظيمة مذلة الهزيمة على يد اليابان الصغيرة، وتجزئة البلاد بين الدول الأوربية لأغراضها التجارية، مما أشعره بالمذلة وملأ قلبه حقداً وضغينة على تلك الحكومة، فاعتقد أن أول خطوة يجب عليه أن يخطوها في سبيل تحرير الصين هي أن يقضي على أسرة المنشو.
وكانت أولى حركاته شاهداً حقاً على ثقته بنفسه، ومثاليته، وبساطته. ذلك أنه ركب سفينة تجارية دفع أجرها من ماله الخاص وسار بها مدى ألف وستمائة ميل نحو الشمال ليعرض على لي هونج- جانج نائب الملكة الوالدة مشروعاته التي تهدف إلى إصلاح أحوال البلاد واستعادة عزها وكرامتها. فلما رفض هذا الحاكم مقابلته بدأ حياة كلها مغامرات وتجوال لجمع المال الذي يؤجج به نار الثورة الصينية، ولقي معونة من كثير من النقابات التجارية والجمعيات السرية القوية التي كان قادتها يحسدون الطبقة الحاكمة الأرستقراطية ويتوقون إلى إقامة نظام للحكم يكون فيه للطبقات الحديثة من أرباب المصانع والمتاجر شأن يتناسب وثروتهم المتزايدة. ثم غادر الصين وأبحر إلى أمريكا وأوربا يجمع المال القليل من ملايين الغسالين وآلاف التجار الصينيين. فلما جاء إلى لندن اعتقلته المفوضية الصينية دون سند قانوني وأوشكت أن ترسله سراً إلى الصين مكبلاً بالأغلال بحجة أنه خائن لحكومته، ولم ينجه إلا مبشر ممن علموه في صباه، فنبه الحكومة البريطانية وتدخلت هذه في الأمر وأنقذته. وظل خمسة عشر عاماً أخرى يتنقل من مدينة إلى مدينة في جميع أنحاء العالم، وجمع في تجواله مليونين ونصف مليون من الدولارات ليمول بها الثورة، ويلوح أنه لم ينفق شيئاً من هذا المال على نفسه. ثم جاءته على حين غفلة في أثناء تجواله رسالة تنبئه أن قوات الثورة قد استولت على الجزء الجنوبي من بلاد الصين، وأنها بسبيل الاستيلاء على شمالها، وإنما اختارته رئيساً مؤقتاً للجمهورية الصينية. وبعد بضعة أسابيع من ذلك الوقت رست السفينة التي أقلته في هنج كنج التي لقي في ثغرها المذلة منذ عشرين عاماً على يد الموظفين البريطانيين.
وكانت الإمبراطورة الوالدة قد قضت نحبها في عام 1908م بعد أن دبرت موت الإمبراطور السجين جوانج شو قبل موتها بيوم واحد، وخلفها على العرش بويسي ابن أخي جوانج، وهو الآن إمبراطور منشوكو (1). وأدخلت الحكومة الصينية في أواخر حكم الإمبراطورة الوالدة وأوائل حكم حليفها الطفل كثيراً من ضروب الإصلاح التي تهدف إلى تجديد البلاد وصبغها بالصبغة الغربية الحديثة؛ فمدت الطرق الحديدية مستعينة في الغالب برؤوس الأموال الأجنبية وبخبرة الأجانب وإشرافهم، وألغى نظام الامتحان للتعيين في المناصب الحكومية، وأنشئ نظام جديد للتعليم، ودعيت جمعية وطنية لتجتمع في عام 1910م، ووضع مشروع يستغرق تنفيذه تسع سنين يهدف إلى إقامة حكومة ملكية دستورية وينتهي بتعميم حق الانتخاب بعد أن يتدرج خطوة خطوة مع انتشار التعليم العام في البلاد. وجاء في المرسوم الذي أعلن به هذا المنهج ما يأتي: "كل تسرُّع في إدخال هذه الإصلاحات سيؤدي في النهاية إلى ضياع كل ما بذل فيها من جهود" (13). ولكن الثورة لم تكن لتوقف تيارها هذه النوبة التي جهرت بها الأسرة المريضة وهي على فراش الموت، وألفى الإمبراطور الشاب نفسه تحيط به الثورة من كل جوانبه، وقد تخلى عنه الجيش فلم يجد من يدافع عنه، فلم ير بُداً من أن يعلن تخليه عن العرش، وأصدر نائب الإمبراطور الأمير جون مرسوماً هو أعجب ما صدر من المراسيم في تاريخ الصين كله:
إن الشعب في جميع أنحاء الإمبراطورية يتجه الآن بعقله نحو الجمهورية ...
إن إرادة الله واضحة ورغبات الشعب غير خافية. فكيف أستطيع أن أعارض رغبات الملايين الكثيرة للاحتفاظ بمجد أسرة واحدة وكرامتها؟ ومن أجل ذلك فإني أنا والإمبراطور نرى أن تكون الحكومة في الصين جمهورية دستورية إجابة لرغبات الشعب في داخل الإمبراطورية كلها، وعملاً بآراء الحكماء الأقدمين الذي كانوا يرون أن العرض تراث عام (14).
وكانت الثورة كريمة كل الكرم في معاملتها لبو- يى؛ فقد أمنته على حياته ومنحته قصراً مريحاً ومرتباً سنوياً يقوم بشئونه وخليلة يسكن إليها. لقد جاء المنشو إلى الصين آساداً وخرجوا منها حملاناً.
وكان مولد الثورة هادئاً سلمياً، ولكن حياتها كانت حياة عاصفة مليئة بالأحداث. فقد كان ليوان شي- كاي وهو سياسي من الطراز القديم جيش قادر على مقاومة الثورة. وطلب أن يكون ثمن تأييده إياها أن يتولى رياسة الجمهورية، وأجابه صون يات- صن إلى ما طلب واعتزل الحياة العامة في كرم وعزة نفس، وكان قد بدأ منذ قليل يستمتع بمنصبه الجديد. وأخذ يوان يعد العدة لأن يجعل نفسه إمبراطوراً وينشئ أسرة حاكمة جديدة مستعيناً في عمله هذا بجماعات مالية قوية أجنبية ووطنية؛ وحجته في هذا أن الإمبراطورية هي السبيل الوحيد لمنع تدهور الصين وتفككها. واتهمه صون يات- صن بالخيانة وأهاب بأتباعه أن يجددوا عهد الثورة، ولكن يوان مرض ومات قبل أن يصل الأمر إلى امتشاق الحسام.
ولم تعرف الصين النظام والوحدة من ذلك الحين. فقد تبين أن صون يات- صن رجل أحلام يسبح في بيداء الخيال، وأنه خطيب مفوه ولكنه سياسي عاجز عن تولي زمام الحكم وقيادة الأمة إلى بر السلام، فكان ينتقل من خطة إلى خطة ومن نظرية إلى أخرى، أغضب من عاونوه من الطبقات الوسطى بما أظهر من ميل إلى الشيوعية، وانتهى أمره بالانزواء في كانتون ليعلم شبابها ويبث فيهم روحه، ويحكم أهلها في بعض الأحيان (1). وحرمت الصين من حكومة تعترف بها جميع أجزائها، ومن ملكية كانت رمز وحدتها، ونبذت عادة الطاعة والخضوع لتقاليدها وشرائعها؛ وهي من بداية أمرها ضعيفة النزعة الوطنية التي تربط النفس بالوطن كله لا بالإقليم الذي يعيش فيه، فشبت فيها نار حرب متقطعة بين الجنوب والشمال تارة، وبين طائفة وطائفة تارة أخرى، ثم بين السراة والجياع، وبين الشيوخ والشبان. وقام المغامرون يجيشون الجيوش ويفرضون سلطانهم على الولايات النائية يجبون منها الضرائب ويزرعون الأفيون (15) ويخرجون بجنودهم من حين إلى حين ليضموا ضحايا جدداً إلى رعاياهم المساكين. واضطربت أحوال الصناعة والتجارة واضمحلت لكثرة ما كان يفرضها عليها قائد منتصر بعد قائد. وأخذ اللصوص وقطاع الطريق يفرضون الإتاوات، وينهبون ويقتلون، لأنهم لا يجدون قوة منظمة تقف في وجههم وتضرب على أيديهم. ووجد الناس في التلصص والجندية وقاية لهم من الهلاك جوعاً، وكثيراً ما كان هذا القائد أو ذاك المنسر من اللصوص يداهم أسرة مقتصدة فيسلبها ما ادخرته طول حياتها من المال أو ما جمعته من المتاع. وحسبنا تصويراً لهذه الحال أن عدد قطاع الطريق في ولاية هونان وحدها قد بلغ في عام 1931م- 000ر400 (16) أو يزيدون.
وبينما كانت هذه الفوضى ضاربة إطنابها في البلاد أرسلت الروسيا في عام 1922م اثنين من أقدر ساستها هما كرخان وجف ليضما الصين إلى نطاق الثورة الشيوعية. ومهد كرخان لعمله هذا بنزول الروسيا عمالها من امتيازات في الصين، وبتوقيع معاهدة تعترف فيها بشرعية حكومة الثورة وبمركزها الدولي. ولم يجد جف الداهية صعوبة ما في أن يستميل صون يات- صن إلى الشيوعية لأن جميع السلطات الأخرى كانت قد نبذته، ولم يمض إلا وقت قصير حتى تكون جيش وطني جديد ودرب بمعونة سبعين من الضباط السوفيت. وزحف هذا الجيش من كانتون إلى الشمال تحت إمرة "جيانج كاي- شك" أمين سر صون يات- صن السابق، ويقوده عملياً المستشار الروسي برودين يخضع بلدة في إثر بلدة حتى استقر أخيراً في بيكين (1). ولكن المنتصرين انقسموا على أنفسهم في ساعة النصر فخرج جيان كاي- شك على الحركة الشيوعية وأقام دكتاتورية عسكرية إجابة لرغبات رجال الأعمال والمال (2).
إن الأمم كالأفراد من العسير عليها إلا تفيد من مصائب جيرانها. ومصداق ذلك أن اليابان، التي كان يبغي صون يات- صن أن تكون صديقة الصين وحليفتها على الأمم الغربية، والتي شجعت الثورة الصينية بنجاحها السريع في السير على النظم الأوربية في الصناعة والسياسة والحرب، نقول إن اليابان وجدت في الفوضى التي تردت فيها معلمتها القديمة فرصة سانحة لحل المشكلة التي أثارها نجاحها هي وتقدمها السريع. ذلك أن اليابان لم يكن في وسعها أن تحد من عدد سكانها دون أن تعرض سلامتها للخطر الشديد بعجزها عن صد من تحدثه نفسه بالإغارة عليها؛ ولم يكن في وسعها كذلك أن تكون سكانها المتزايدين إلا إذا زادت مواردها بتشجيع الصناعة والتجارة؛ وليس في وسعها أن تشجع الصناعة والتجارة من غير أن تستورد الحديد والفحم وغيرهما من المواد الأولية التي لا تجدها في بلادها، وليس في وسعها أن تنمي تجارتها وأن تفيد منها أكبر فائدة دون أن يكون لها نصيب موفور في السوق العظيمة الوحيدة التي لا تزال خارجة عن نطاق الاستعمار الأوربي الذي شمل الكرة الأرضية كلها. وكانت الصين مشهورة بكثرة ما فيها من الحديد والفحم ويرجى منها أن تكون في المستقبل أعظم الأسواق العالمية. وهي إلى ذلك أقرب الأسواق إلى اليابان. وهل في العالم أمة يبدو لها أن في مقدورها أن تختار بين العودة إلى الزراعة والفاقة والمذلة، وبين التقدم في الصناعة والفتح والاستعمار ثم تستطيع أن تقاوم الميل الشديد إلى اختطاف جزء من الصين الضعيفة المقطعة الأوصال في الوقت الذي كانت فيه النسور الأوربية يقطع بعضها أشلاء بعض في ميدان فرنسا (1).
من أجل هذا أعلنت اليابان الحرب على ألمانيا في بداية الحرب الأولى، وانقضت على إقليم جياو جو وهو الإقليم الذي كانت ألمانيا قد استأجرته من الصين قبل ذلك الوقت بستة عشر عاماً، ثم قدمت إلى حكومة يوان شي كاي "واحد وعشرين مطلبا" لو أجابتها الصين لأصبحت مستعمرة سياسية واقتصادية لليابان، ولولا احتجاج الولايات المتحدة ومقاطعة الصينيين بزعامة طلابها الغضاب للبضائع اليابانية لنفذت هذه المطالب قوة واقتداراً. ذلك أن الطلاب انطلقوا في شوارع المدن الصينية يبكون أو يقتلون أنفسهم لأنهم يستحون أن يرى الناس وجوههم بعد هذا الإذلال الذي حاق ببلادهم (17).
وكان اليابانيون يستمعون وهم ساخرون إلى غضب أوربا واحتجاجها وهي التي ظلت تنخر في عظام الصين خمسين سنة أو تزيد. وارتدت اليابان دون أن تصل إلى أهدافها ولكنها ظلت تتحين فرصة أخرى تحقق فيها أطماعها. ولاحت لها هذه الفرصة حين كانت أوربا وأمريكا تترديان في عواقب خططهما الصناعية الاستعمارية التي كانت تعتمد على الأسواق الأجنبية لاستيعاب "الفائض" من محصولاتها التي لا يستطيع منتجوها أن يبتاعوها. وزحفت اليابان على منشوريا وأقامت بو يي إمبراطور الصين السابق رئيساً لجمهورية منشوكو التي أنشأتها في ربوعها ثم نصبته بعدئذ إمبراطوراً عليها. ثم عقدت مع الدولة الجديدة حلفاً سياسياً، ثم تغلغلت فيها اقتصادياً، وسيطرت عليها عسكرياً، وجعلت لنفسها بهذه الوسائل فيها مركزاً ممتازاً يمكنها من استغلال موارد منشوريا الطبيعية، واستخدام أهلها، وفتح أسواقها للتجارة اليابانية. وانضمت الدول الأوربية التي كانت قد أنفقت فيما بينها على وقف غارات التلصص زمناً ما بعد أن جمعت كل ما تستطيع أن تجمعه من الأسلاب، انضمت هذه الدول إلى أمريكا، ووجهت احتجاجا ضعيفاً إلى اليابان على هذا النهب الصريح؛ ولكنها كانت في هذه المرة كما هي عادتها في جميع الأحوال على استعداد لأن تعد النصر مبرراً للغاية.
وكانت آخر مذلة لحقت بأوربا وأمريكا هي ما أقدمت عليه اليابان في شنغهاي. ذلك أن اليابان ثار ثائرها لما أصاب تجارتها من جراء المقاطعة الصينية، فأنزلت جيوشها المنتصرة في أغنى ثغور الصين، واحتلت حي جاباي ودمرته، وأنذرت الحكومة الصينية بأن توقف أعمال جمعيات المقاطعة. ودافع الصينيون عن أنفسهم دفاع الأبطال، وقاوم جيش الطريق التاسع عشر القادم من كانتون قوى اليابان التي كانت تفوقه عدة ونظاماً، ووقف وحده تقريباً في وجهها شهرين كاملين. ثم عرضت حكومة نانكنج على اليابان أن تتراضى وإياها على حل وسط، وانسحبت اليابان من شنغهاي، وعادت الصين تضمد جراحها، فاعتزمت أن تضع لنفسها أساس حضارة جديدة أقوى من حضارتها السابقة وأمتن منها دعامة تستطيع أن تدفع بها العالم النهم وترد مطامعه.
مصادر و المراجع :
١- قصة الحضارة
المؤلف: وِل ديورَانت = ويليام جيمس ديورَانت (المتوفى: 1981 م)
تقديم: الدكتور محيي الدّين صَابر
ترجمة: الدكتور زكي نجيب محمُود وآخرين
الناشر: دار الجيل، بيروت - لبنان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس
عام النشر: 1408 هـ - 1988 م
عدد الأجزاء: 42 وملحق عن عصر نابليون
تعليقات (0)