المنشورات

المقالة اليابانية

"السيدة سي شوناجون" - "كامو نو - شومي"
كان "آرامي" كاتباً للمقالة كما كان مؤرخاً، وله نتاج عظيم في هذا اللون من الأدب (أدب المقالة) الذي ربما كان أمتع ضروب الأدب الياباني جميعاً؛ على أن الزعامة في أدب المقالة- كما هي الحال في القصة- كانت لامرأة؛ فكتاب "صُوَر على الوسادة" "ماكورازوشي" الذي كتبته "السيدة سي شوناجون" يوضع عادة في أعلى مراتب هذا الأدب، كما أنه أول ما كتب فيه؛ والسيدة الكاتبة قد نشأت في نفس البلاد ونفس الجيل
اللذين نشأت فيهما "السيدة موراساكي"، واختارت لقلمها الحياة المترفة الداعرة من حولها، فراحت تصف تلك الحياة في صور عابرة، يستحيل علينا أن نلم بروعتها في لغتها الأصلية إلا على سبيل التخمين، مهتدين بما نراه باقياً في الترجمة الإنجليزية لتلك الصور من آثار جمالها الفاتن؛ والكاتبة من طائفة "فيوجيورا"، وصعدت حتى أصبحت وصيفة الإمبراطورة؛ فلما قضت الإمبراطورة نحبها، توارت "السيدة سي": فمن قائل إنها أوت إلى دير، ومن قائل إنها انطوت في ثنايا الفقر؛ لكن كتابها ليس فيه ما يدل على صدق هذا القول أو ذاك؛ وهي تنظر إلى الإباحية الخلقية في عصرها، بالعين المتساهلة التي عرف بها ذلك العصر، ثم هي لا تنزل رجال الدين الماديين منزلة عالية من نفسها.
"إن الواعظ الديني لابد أن يكون وسيم المحيا، إذ يسهل عليك عندئذ أن تحدج بعينيك في وجهه، وبغير ذلك يستحيل الانتفاع بحديثه، لأن عينيك ستحومان هنا وهناك، ويفوتك أن تصغي إلى قوله؛ وإذن فالواعظون الدميمون تقع عليهم تبعة كبرى .... ولو كان رجال الوعظ يحيون في عصر أنسب لهم من عصرنا، لسرني أن أحكم عليهم حكماً أقرب إلى صالحهم من حكمي عليهم الآن؛ لكن الأمر كما أراه في الواقع، يدعوني إلى القول بأن خطاياهم أشنع فحشاً من أن تحتمل منا مجرد التفكير" (38).
ثم تضيف الكاتبة إلى ذلك قوائم صغيرة بما تحب وما تكره:
فالأشياء التي تبعث في نفسها النشوة:

أن أعود إلى البيت من رحلة وقد امتلأت العربات حتى فاضت؛

وأن يكون حول العربة عدد كبير من المشاة الذين يحفزون الثيرة

والعربات تسرع في السير؛

زورق نهري يسبح على الماء. 

الأسنان زينت بالسواد على نحو جميل ...

والأشياء التي تثير في نفسها الكراهية:

غرفة مات فيها طفل

مدفأة انطفأت نارها

حوزي يكرهه ثور عربته

ولادة سلسلة متصلة من البنات في بيت عالم ...

ومن الأشياء الممقوتة:

الناس الذين إذا قصصت عليهم قصة قاطعوك بقولهم: إننا نعرفها

ثم يقولون القصة على صورة تختلف كل الاختلاف عما كنت تنوي أن تقوله ...

والرجل الذي تصادفه امرأة، ويكون بينهما ود، فيثني على امرأة أخرى يعرفها ...

والضيف الذي يقص عليك قصة طويلة وأنت عجلان ....

شخير رجل تحب أن تخفيه، والرجل ينام في مكان لا شأن له به ...

البراغيث (39).

وليس ينافس هذه السيدة في مكان الصدارة من أدب المقالة في اليابان، إلا "كامونو- شومي"؛ الذي حُرِمَ خلافة أبيه في حراسة الضريح الشنتوي "لكامو" في مدينة كيوتو، فاعتنق البوذية حتى أصبح راهباً من رهبانها؛ ولما بلغ من عمره عامه الخمسين، اعتكف في حديقة في الجبل، حيث انصرف إلى حياة التأمل، وهناك كتب كتاباً يودع به الحياة الصاخبة، وأسمى كتابه "هوجوكي" (1212) ومعناها "مدوَّن الأقدام العشر المربعة" فبعد أن بين الصعاب والمضايقات التي يلاقيها الإنسان في حياة المدنية، ووصف مجاعة سنة 1181 (1) أخذ يروي لنا كيف أقام لنفسه كوخاً مساحته عشرة أقدام مربعة وارتفاعه سبع أقدام، واستقر فيه راضي النفس بفلسفة لا يعكر هدوءها شيء وزمالة هادئة لما يحيط به من كائنات الطبيعة؛ ولا يسع الأمريكي الذي يقرؤه إلا أن يسمع فيه صوتاً شبيهاً بصوت "ثورو" وإن يكن صادراً من اليابان في القرن الثالث عشر؛ فالظاهر أن كل جيل لابد له من كاتب يدعو إلى معاشرة الطبيعة بمثل كتاب "بِركة وولدِنْ". 












مصادر و المراجع :

١- قصة الحضارة

المؤلف: وِل ديورَانت = ويليام جيمس ديورَانت (المتوفى: 1981 م)

تقديم: الدكتور محيي الدّين صَابر

ترجمة: الدكتور زكي نجيب محمُود وآخرين

الناشر: دار الجيل، بيروت - لبنان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس

عام النشر: 1408 هـ - 1988 م

عدد الأجزاء: 42 وملحق عن عصر نابليون

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید