المنشورات

سيطرة التسكانيين

وتروي الأقاصيص بعدئذٍ أن دمراتس Demaratus، وهو تاجر ثري نفي من كورنث، جاء ليعيش في تاركويناي حوالي عام 665 ق. م؛ وتزوج بامرأة تسكانية (38). ثم هاجر ابنه لوسيوس تاركوينيوس Lucius Tarquinius إلى روما وارتفعت مكانته فيها؛ ولما مات أنكس اغتصب العرش أو رفعه عليه حلف من الأسر التسكانية في المدينة، والاحتمال الثاني أرجح من الأول. ويقول ليفي Livy إنه أول ملك سعى إلى التاج وألقى خطبة يطلب فيها معونة السوفة أي المواطنين الذين لا يستطيعون أن يثبتوا انتسابهم إلى الآباء الذين أسسوا المدينة. وزاد سلطان الملكية على الأشراف في عهد تاركوينيوس برسكس Tarquinius Priscus، كما زاد نفوذ التسكانيين في شئون روما السياسية والهندسية والدينية والفنية. وحارب تاركون السبنيين وانتصر عليهم، وأخضع لاتيوم Latium كلها لسلطانه، ويقال أنه استخدم موارد روما ليجمل بها تاركونياي وغيرها من المدن الإترورية، ولكنه جاء أيضًا بالفنانين التسكانيين واليونان إلى عاصمة ملكه وزينها بالهياكل الفخمة (1) ويلوح أنه كان يمثل سلطان الأعمال التجارية والمالية المتزايد على سلطان الأشراف ملاك الأراضي الزراعية.
وحكم تاركون الأول ثمانية وثلاثين عامًا ثم قتله الأشراف غيلة لأنهم أرادوا أن يحدوا من سلطان الملكية ويفرضوا عليها سلطان الدين؛ ولكن تناكويل Tanaquil أرملة تركون تولت الأمر بنفسها، واستطاعت أن ترفع ابنها سرفيوس تليوس Servius Tallius على العرش. ويقول شيشرون إن سرفيوس هذا هو أول ملك روماني استطاع "أن يتولى الملك دون أن يختاره الشعب" (41) أي أن تختاره الأسر الكبيرة. وحكم هذا الملك البلاد حكماً صالحاً، وأنشأ حول روما خندقاً وسوراً ليحميها من الغارات؛ ولكن كبار الملاك لم يرضوا عن حكمه ودبروا المؤامرات لخلعه، فقابل هذا بأن تحالف مع الأثرياء من العامة ( Plebs) وأعاد تنظيم الجيش والناخبين ليقي بذلك مركزه، فبدأ بإحصاء السكان والأملاك، وقسّم الأهلين طبقات على أساس ثروتهم لا على أساس مولدهم، فترك بذلك طبقة الأشراف القديمة محتفظة بكيانها، ولكنه رفع تجاهها طبقة من الإكويتي equites ومعناها الفرسان -أي الرجال الذين كان في مقدور كل منهم أن يعد له جوادًا وسلاحًا نخرط بهما في سلك فرقة الفرسان في الجيش (1) , وتبين من الإحصاء أن هناك 80000 شخص يستطيعون حمل السلاح. وإذا قدرنا أن أسرة كل جندي من هؤلاء الجنود تتألف منه ومن زوجة له وولد واحد، وأن لكل أسرة من أربع أسر عبداً رقيقاً، فإنا لا نكون مخطئين إذا قدرنا سكان روما والبلاد المحيطة بها الخاضعة لسلطانها حوالي عام 560 ق. م بنحو 260000 نسمة. وقسم سرفيوس هؤلاء السكان إلى خمس وثلاثين قبيلة جديدة، ورتبها حسب مسكنها لا حسب طبقتها أو ما بينها من صلات القرابة؛ وفعل بذلك ما فعله كليستينز Cleisthenes في أتيكا Attica بعد حيل من ذلك الوقت، فأضعف ما كان للأشراف -أي الطبقة التي كانت تضع نفسها بفضل مولدها فوق سائر الطبقات- من تماسك سياسي وقوة انتخابية. ولما قام تاركون آخر، هو حفيد تاركوينيوس برسكس Taquinius Priscus واتهم سرفيوس بأنه يحكم حكماً غير شرعي، استفتى سرفيوس الشعب فنال "ثقته الاجتماعية" كما يقول ليفي Livy (42) ؛ غير أن تاركوين لم تقنعه نتيجة هذا الاستفتاء فعمل على اغتيال سرفيوس، ونادى بنفسه ملكاً على روما (1).
وأصبحت الملكية في عهد تاركوينيوس سوبربس Tarquinius Superbus " المتكبر" مطلقة السلطان، كما أصبح للتسكانيين النفوذ الأعلى في البلاد. ولكن الأشراف كانوا من قبل يرون أن الملك Rex إن هو إلا السلطة التي يكل إليها مجلس الشيوخ Senate تنفيذ أحكامه، وأنه الكاهن الأكبر للدين القومي ولذلك لم يستطيعوا أن يصبروا طويلاً على سلطانه غير المحدود. ومن أجل هذا قتلوا تاركوينيوس برسكس ولم يحاولوا الدفاع عن سرفيوس. ولكن هذا الملك الجديد كان شراً من الملك الأول؛ فقد أحاط نفسه بحرس خاص وحقر الأحرار بأن فرض عليهم السخرة شهوراً طوال، وأمر بصلب المواطنين في السوق العامة، وقتل عدداً كبيراً من زعماء الطبقات العليا في البلاد، وحكم حكماً وحشياً ساخراً أغضب جميع أصحاب الرأي فيها (2). وظن هذا الملك أن النصر في ميدان القتال يكسبه حب الشعب ورضاه، فهاجم الوتليين Rutili والفلشيين Volscians. وبينما كان هو مع الجيش في الميدان اجتمع مجلس الشيوخ وأعلن خلعه (508 ق. م)، وكان ذلك انقلاباً خطيراً في تاريخ روما.











مصادر و المراجع :

١- قصة الحضارة

المؤلف: وِل ديورَانت = ويليام جيمس ديورَانت (المتوفى: 1981 م)

تقديم: الدكتور محيي الدّين صَابر

ترجمة: الدكتور زكي نجيب محمُود وآخرين

الناشر: دار الجيل، بيروت - لبنان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس

عام النشر: 1408 هـ - 1988 م

عدد الأجزاء: 42 وملحق عن عصر نابليون

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید