حذف حرف الجر وحده، مع إبقاء عمله، وحذفه مع مجروره
يجوز أن يحذف حرف الجر، ويبقى عمله كما كان قبل الحذف، ويطرد هذا في مواضع قياسية، أشهرها أربعة عشر نذكرها كاملة هنا، وقد مر بعضها في مواضع متفرقة2. 1- أن يكون حرف الجر هو: "رب" بشرط أن تكون مسبوقة "بالواو"، أو: "بالفاء"، أو "بل"، كما سبق قريبًا عند الكلام عليها3 نحو: وعامل بالحرام، يأمر بالبر، … كهاد يخوض في الظلم 2- أن يكون الاسم المجرور بالحرف مصدرًا مؤولًا من "أن" من معموليها، أو من "أن" والفعل والفاعل؛ نحو: فرحت أن الصانع بارع، أو: أفرح أن يبرع الصانع، والأصل: فرحت بأن الصانع بارع، أو: أفرح بأن يبرع الصانع. والتقدير فيهما: فرحت ببراعة الصانع، أو: أفرح. . . ولا بد من أمن اللبس قبل حذف حرف الجر على الوجه الذي شرحناه في مكانه من باب: "تعدية الفعل ولزومه"4 3-- أن يكون حرف الجر حرفا من حروف القسم، والاسم المجرور به هو لفظ الجلالة "الله"، نحو: الله لأكثرن من العمل النافع، أي: بالله1 … 4- أن يكون حرف الجر داخلا على تمييز "كم" الاستفهامية، بشرط أن تكون مجرورة بحرف جر مذكرو قبلها؛ نحو: بكم درهم اشتريت كتابك؟ أي: بكم من درهم2؟ . . . 5- أن يكون حرف الجر مع مجروره واقعين في جواب سؤال، وهذا السؤال مشتمل على نظير لحرف الجر المحذوف؛ كأن يقال: في أي بلد قضيت الأمس؟ فيجاب: القاهرة، أي: في القاهرة. 6- أن يكون حرف الجر واقعًا هو والاسم المجرور به بعد حرف عطف، بغير فاصل بين الحرفين، والمعطوف عليه مشتمل على حرف جر مماثل للمحذوف؛ كقولهم: "ألا تفكر في تركيب جسمك لترى قدرة الله العجيبة، والسماوات؛ لترى ما يحير العقول، وخواص المادة؛ لترى الإبداع والإعجاز. . ." أي: في السماوات وفي خواص المادة؛. . . وقد حذف الحرف: "في"؛ لأنه مع مجروره معطوف بالواو بغير فاصل بينهما، والمعطوف عليه وهو: "تركيب" مشتمل على حرف جر قبله؛ مماثل للمحذوف3 7-- أن يكون حرف الجر واقعًا هو والاسم المجرور به بعد حرف عطف، والمعطوف عليه مشتمل على حرف جر مماثل للمحذوف مع وجود "لا" فاصلة بين حرف العطف وحرف الجر المحذوف؛ نحو: ما للفتى سلاح إلا علمه النافع، ولا لفتاة إلا فنها العملي الملائم، أي: ولا للفتاة. 8- أن يكون حرف الجر السابق ولكن الحرف الفاصل هو: "لو"؛ كقولهم: من تعود الاعتماد على غيره، ولو أهله، فقد استحق الخيبة والإخفاق، أي: ولو على أهله1. . . 9- أن يكون حرف الجر واقعًا هو ومجروره في سؤال بالهمزة، وهذا السؤال ناشئ من كلام مشتمل على نظير للحرف المحذوف؛ كأن يقال: أعجبت بمحمود، فيسأل القائل: أمحمود النجار؟ أي: أبمحمود النجار؟. 10- أن يكون حرف الجر ومجروره واقعين بعد "هلا" التي للتحضيض بشرط أن يكون التحضيض واردًا بعد كلام مشتمل على مثيل لحرف الجر المحذوف؛ كأن يقال: سأتصدق بدرهم، فيقال: هلا دينارٍ، أي: بدينارٍ، والمراد: هلا تتصدق بدينار. 11- أن يكون حرف الجر هو: "لام التعليل" الداخلة على: "كي" المصدرية؛ نحو: يجيد الصانع صناعته كي يقبل الناس عليه، أي: لكي يقبل الناس عليه، بمعنى: لإقبالهم عليه. 12- أن يكون حرف الجر داخلًا على المعطوف على خبر "ليس"، أو خبر "ما" الحجازية، بشرط أن يكون كل منهما صالحًا لدخول حرف الجر عليه2؛ نحو: لست مرجعًا فرصة ضاعت، ولا قادر على ردها، فكلمة "قادر" مجرورة؛ لأنها معطوفة على خبر ليس: "مرجعًا"، وهذا الخبر يجوز جره بالباء، فيقال: لست بمرجع، فكأنها موجودة توهمًا وتخيلًا، وعلى أساس هذا الجواز الموهوم عطفنا عليه بالجر؛ وهذا هو العطف الذي يسميه النحاة؛ "العطف على التوهم"، وقد سبق1 إبداء الرأي فيه تفصيلًا، وأنه لا يصح الالتجاء إليه، ولا القياس على ما ورد منه. 13- أن يكون حرف الجر مسبوقًا "بإن" الشرطية، وقبلهما كلام يشتمل على مثيل للحرف المحذوف، نحو: سلم على من تختاره، إن محمد، وإن علي؛ وإن حامد، التقدير: إن شئت فسلم على محمد، وإن شئت فسلم على علي، وإن شئت فسلم على حامد، وبالرغم من جواز هذا فالمحذوف فيه كثير، والمراد قد يخفى، فمن المستحسن عند محاكاته قدر الاستطاعة. 14- أن يكون حرف الجر مسبوقًا بفاء الجزاء الواقعة في جواب شرط، قبله نظير لحرف الجر المحذوف؛ نحو: اعتزمت على رحلة طويلة؛ إن لم تكن طويلة فقصيرة، أي: فعلى رحلة قصيرة، ويقال في هذا الموضع ما قيل في سابقه من ترك القياس عليه قدر الاستطاعة، بالرغم من صحة القياس. هذا، وجميع التأويلات والتقديرات السابقة جائزة وليست محتومة؛ بل إن الكثير منها يجوز فيه أوجه إعرابية أخرى؛ قد تكون أيسر، والمعنى عليها أوضح. واختيار هذه أو تلك متروك لمقدرة المتكلم والسامع، وخبرتهما بدرجات الكلام قوة، وضعفًا، وحسنًا، وقبحًا، مع التزام الصحة التزامًا دقيقًا، والبعد عن الخطأ في كل حالة، ومن الخير أن نترك ما فيه غموض وإلباس إلى ما لا خفاء فيه ولا إبهام؛ لأن اللغة ليست تعمية وإلغازًا، وإلا فقدت خاصتها، وعجزت عن أداء مهمتها، وهذا أساس يتحتم مراعاته عند استخدامها، وفي كل شأن من شؤونها. تلك مواضع حذف حرف الجر حذفًا قياسيًا مطردًا مع إبقاء عمله، وهناك أمثلة مسموعة وقع الحذف فيها مخالفًا ما سبق، ولا شأن لنا بها؛ فهي مقصورة على السماع؛ لا يجوز محاكاتها، لعدم اطرادها2 أما حذف الجار والمجرور معًا1 فجائز إذا لم يتعلق الغرض بذكرهما، بشرط وجود قرينة تعينهما، وتعين مكانهما، وتمنع اللبس، ومن الأمثلة قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} ، أي: لا تجزي فيه2 مصادر و المراجع: 1-شرح المقدمة المحسبة المؤلف: طاهر بن أحمد بن بابشاذ (ت ٤٦٩ هـ) 2-المفصل في صنعة الإعراب المؤلف: أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري جار الله (ت ٥٣٨هـ) 3-الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين: البصريين والكوفيين المؤلف: عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري، أبو البركات، كمال الدين الأنباري (ت ٥٧٧هـ) 4- نتائج الفكر في النَّحو للسُّهَيلي المؤلف: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (ت ٥٨١هـ) 5- البديع في علم العربية المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (ت ٦٠٦ هـ) 6- التبيين عن مذاهب النحويين البصريين والكوفيين المؤلف: أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري البغدادي محب الدين (ت ٦١٦هـ) 7- سفر السعادة وسفير الإفادة المؤلف: علي بن محمد بن عبد الصمد الهمداني المصري الشافعي، أبو الحسن، علم الدين السخاوي (ت ٦٤٣ هـ) 8- شرح المفصل للزمخشري المؤلف: يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا محمد بن علي، أبو البقاء، موفق الدين الأسدي الموصلي، المعروف بابن يعيش وبابن الصانع (ت ٦٤٣هـ) 9-الكافية في علم النحو المؤلف: ابن الحاجب جمال الدين بن عثمان بن عمر بن أبي بكر المصري الإسنوي المالكي (توفي: ٦٤٦ هـ) 10- أمالي ابن الحاجب المؤلف: عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمرو جمال الدين ابن الحاجب الكردي المالكي (ت ٦٤٦هـ) 11- شرح الكافية الشافية المؤلف: جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني 12- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد المؤلف: محمد بن عبد الله، ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين (ت ٦٧٢هـ) 13-شرح تسهيل الفوائد المؤلف: محمد بن عبد الله، ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين (ت ٦٧٢هـ) 14- الكناش في فني النحو والصرف المؤلف: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد ابن عمر بن شاهنشاه بن أيوب، الملك المؤيد، صاحب حماة (ت ٧٣٢ هـ) 15- التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل المؤلف: أبو حيان الأندلسي 16-شرح قطر الندى وبل الصدى المؤلف: عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله ابن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام (ت ٧٦١هـ) 17-أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك المؤلف: عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله ابن يوسف، أبو محمد، جمال الدين، ابن هشام (ت ٧٦١هـ) 18- تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد المؤلف: جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري (ت: ٧٦١ هـ) 19- المساعد على تسهيل الفوائد المؤلف: بهاء الدين بن عقيل 20- نحو مير = مبادئ قواعد اللغة العربية المؤلف: علي بن محمد بن علي الشريف الحسيني الجرجاني المعروف بسيد مير شريف (ت ٨١٦هـ) 21-همع الهوامع في شرح جمع الجوامع المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (ت ٩١١هـ) 22-شرح كتاب الحدود في النحو المؤلف: عبد الله بن أحمد الفاكهي النحوي المكي (٨٩٩ - ٩٧٢ هـ) 23-شرح الإمام الفارضي على ألفية ابن مالك المؤلف: العلامة شمس الدين محمد الفارضي الحنبلي (ت ٩٨١ هـ) 24-جامع الدروس العربية المؤلف: مصطفى بن محمد سليم الغلايينى (ت ١٣٦٤هـ) 25-النحو الوافي المؤلف: عباس حسن (ت ١٣٩٨هـ)