المنشورات
ذكر النقيع المحمىّ
هو أفضل الأحماء التى حماها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى عنه أنّه قال: لا حمى إلّا لله ولرسوله. رواه أبو الزّناد، عن الأعرج، عن أبى هريرة.
ورواه الزمرىّ عن ابن عبّاس، عن الصّعب بن جثّامة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وروى عاصم بن محمد، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين. ورواه العمرىّ عن نافع، عن ابن عمر. والنقيع: صدر وادى العقيق، وهو متبدّى للناس ومتصيّد «3» .
وروى أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى الصبح فى المسجد، بأعلى عسيب، وهو جبل بأعلى قاع النقيع، ثم أمر رجلا صيّتا فصاح بأعلى صوته، فكان مدى صوته بريدا، وهو أربعة فراسخ، فجعل ذلك حمى، طوله بريد، وعرضه الميل «4»
، وفى بعضه أقلّ، فى قاع مدر «5»
طيّب، ينبت أحرار البقل والطرائف ويستأجم «1»
حتّى يغيب فيه الراكب، وفيه مع ذلك من العضاه والعرفط والسّدر والسّيال والسّلم والطّلح والسّمر والعوسج «2»
والعرفج شجراء «3»
كثيرة.
وتحف هذ القاع الحرّة، حرّة بنى سليم فى شرقيّه، وقيها قيعان دوافع فى بطن النقيع، وفى غربيّه الصخرة، وأعلام مشهورة، منها برام والوتد [وصاف. وقد ذكر أن أوّل أعلامه عسيب، فبرام جبل كأنه فسطاط. والوتد فى أسفل النقيع كأبه قرن منتصب. ومقمّل «4»
: جبل أحمر «5»
أفطح، بين برام] «6»
والوتد، شارع فى غربىّ النقيع. وروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على مقمّل، وصلّى عليه، فمسجده هناك. وبقاع النقيع غدر تصيف، فأعّلاها براجم، وأذكرها يلبن، وغدير سلامة أسفل من يلبن، وبشرقىّ النقيع فى الحرّة قلتان، يبقى ماؤهما ويصيف، وهما أثيّت وأثيث، هكذا نقل السّكونىّ؛ وقال كثيّر فى يلبن:
أأطلال دار من سعاد بيلبن ... وقفت بها وحشا كأن لم تدمّن
إلى تلعات الجزع غيّر رسمها ... همائم هطّال من الدّلو مدجن «7»
وقال آخر فى براجم، وهو تبّع:
ولقد شربت على براجم شربة ... كادت بباقية الحياة تذيع «8» وقال أبو قطيفة يذكر النّقيع ويلبن وبرام، حين أجليت بنو أميّة من المدينة:
ليت شعرى وأين منّى ليت ... أعلى العهد يلبن وبرام
أو كعهدى النّقيع أو غيّرته ... بعدى المعصرات والأيّام
اقر منّى السلام إن جئت قومى ... وقليل لهم لدىّ السّلام
وقال عروة وذكر صافا:
لسعدى بصاف منزل متأبّد ... عفا ليس مأهولا كما كنت أعهد
عفته السوارى والغوادى وأدرجت ... به الريح أبواغا «1» تصبّ وتصعد
فلم يبق إلّا النّؤى كالنّون ناحلا ... نحول الهلال والصفيح المشيّد
وقال صخر بن الشّريد وذكر عسيبا:
أجارتنا إنّ المنون قريب ... من الناس كلّ المخطئين تصيب
أجارتنا لست الغداة بظاعن ... ولكن مقيم ما أقام عسيب
وليس بإزاء النّقيع ممّا يلى الصخرة إلّا ماءة واحدة «2» ، وهى حفيرة لجعفر ابن طلحة بن عمرو «3» بن عبيد الله «4» بن معمر، يقال لها حفيرة السّدرة.
وسيل النقيع يفضى إلى قرار أملس «5» ، وهى أرض بيضاء جهاد، لا تنبت شيئا، لها حسّ تحت الحافر. هذا لفظ السّكونى، والعرب تسمّى هذه الأرض النّفخاء، والجمع النّفاخى. ويليها أسفل منها حصير، قاع يفيض عليه سيل النقيع، فيه آبار ومزارع ومرعى للمال، من عضاه ورمت وأشجار، وفيه يقول مصعب «1» وكان يسكنه هو وولده بعده، ولامته امرأته فى بعض أمره، وتركه المدينة، أنشدها لمصعب «2» :
ألا قالت أثيلة إذ رأتنى ... وحلو العيش يذكر فى السّنين
سكنت مجابلا وتركت سلعا ... شقاء فى المعيشة بعد لين
فقلت لها: ذببت الدّين عنّى ... ببعض العيش ويحك فاعذرينى
وقرفى الأرض إنّ به معاشا ... يكفّ الوجه عن باب الضّنين «3»
ستكفينى المذاق على حصير ... فتغنينى وأحبس فى الدّرين «4»
أسرّك أنّنى أتلفت مالى ... ولم أرع على حسبى ودينى
ويدفع أيضا «5» على حصير الأتمة «6» ، أتمة ابن الزّبير، وهى بساط طويلة واسعة، تنبت عصما «7» للمال. وهناك بئر تنسب إلى ابن الزبير. وكان الأشعث المدنى «8» ينزل الأتمة ويلزمها، فاستمشى ماشية كثيرة، وأفاد مالا جزلا، حتّى اتّخذ أصولا واستغنى ثم يفضى «1» من حصير إلى غدير يقال له المزج «2» لا يفارقه الماء، وهو فى شقّ بين جبلين، يمرّ به وادى العقيق، فيحفره، لضيق مسلكه، وهذا الجبل المنفلق «3» ، الذي يمرّ به السيل، يقال له سقف، ثم يفضى السيل منه «4» إلى غدير يقال له رواوة «5» ، وقد ذكره «6» ابن هرمة فقال:
عفا النّعف من أسماء نعف رواوة ... فريم فهضب المنتضى فالسلائل
ولا يرى قعر هذا الغدير أبدا، ولا يفارقه الماء. ثم يفضى إلى غدير الطّفيّتين، وهو من أعذب ماء يشرب، إلّا أنّه يبيل «7» الدم، ثم يفضى إلى الأثبة؛ وفيه «8» غدير يقال له الأثبة، سمّيت به الأرض، وفيها مال لعباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، كثير النّخل، وهو وقف. ثم أسفل من ذلك رابغ، وهو فلق من جبل سقف متضايق، يجتمع فيه السيل، سيل العقيق، ثم يلتقى وادى العقيق ووادى ريم، وهو الذي ذكره ابن أذينة، فقال:
لسعدى موحش طلل قديم ... بريم ربّما أبكاك ريم
وهما إذا التقيا دفعا فى الخليقة، خليقة عبد الله بن أبى أحمد بن جحش، وفيها مزارع ونخل وقصور لقوم من آل الزبير، وآل عمر، وآل أبى أحمد. ثم يفضى ذلك إلى المنبجس، وهو غدير. ثم تنبطح «1» السيول، سيل النقيع وصراح وآنقة، عند جبل يقال له «2» فاضح «3» ، والمنتطح «4» . وهو واسط «5» أيضا، الذي «6» عناه كثيّر بقوله:
أقاموا فأمّا آل عزّة غدوة ... فبانوا وأمّا واسط فيقيم
وقال ابن أذينة:
يا دار من سعدى على آنقه ... أمست وما عير بها طارقه «7»
ثم يفضى ذلك إلى الجثجاثة، وهى صدقة عبد الله بن حمزة، وبها قصور ومتبدى «8» ، وله دوافع أيضا من الحرّة مشهورة مذكورة، منها شوطى، ومنها روضة ألجام، قال ابن أذينة فيهما:
جاد الربيع بشوطى رسم منزلة ... أحبّ من حيّها شوطى فألجاما
فبطن خاخ فأجزاع العقيق لما ... نهوى «9» ومن جوّذى عبرين أهضاما
دارا «10» توهّمتها من بعد ما بليت ... فاستودعتك رسوم الدار أسقاما
وقال ابن أذينة أيضا:
عرفت بشوطى أو بذى الغصن منزلا «1» ... فأذريت دمعا يسبق الطرف مسبلا
وكنت إذا سعدى بليت بذكرها ... بدا ظاهرا منك الهوى وتغلغلا «2»
وقال كثيّر:
يا لقومى «3» لحبلك المصروم ... يوم شوطى وأنت غير مليم
ثم يفضى ذلك إلى حمراء الأسد، التى ورد فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا كان الغد من يوم أحد، تبعهم إلى حمراء الأسد. وبالحمراء قصور لغير واحد من القرشيّين، وفى شقّ حمراء الأسد منشد، وفى شقّها الأيسر أيضا شرقيّا خاخ، الذي روى على بن أبى طالب فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه هو والزّبير والمقداد، وقال انطلقوا حتى تأتوا روصة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها، وأتونى به ... الحديث. وقال الأحوص ابن محمد:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا
نظرت رجاء بالموفّر أن أرى ... أكاريس «4» يحتلّون خاخا فمنشدا
وقال أيضا: «5»
ولها منزل بروضة خاخ «6» ... ومصيف بالقصر قصر قباء
وخاخ: للعلويّين وغيرهم من الناس. ثم يفضى إلى ثنيّة الشّريد، وبها مزارع وآبار، وهى ذات عضاه وآجام، تنبت ضروبا من الكلأ، وهى للزبير بن بكّار. وفى شرقيّها عين الوارد، وفى غربيّها جبل يقال له الغراء، يقول فيه عبد الله بن الزّبير بن بكار «1» :
ولقد قلت للغراء عشيّا ... كيف أمسيت يا نعمت صباحا
ثم يفضى ذلك إلى الشجرة التى بها محرم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وبها يعرّس من حجّ وسلك ذلك الطريق، بينها وبين جبل الغراء نحو ثلاثة أميال، والبيداء: مشرفة على الشجرة غربا، على طريق مكة. ثم على أثر ذلك مزارع أبى هريرة رضى الله عنه، ثم القصور يمنة ويسرة، ومنازل الأشراف من قريش وغيرهم. فمنها عن يمين الطريق للمقبل من مكة بسفح عير قصور كثيرة. ثم تجاه «2» ذلك فى إقبال تضارع من الجمّاء قصور، وتجاهها فى ضيق حرّة الوبرة، وهى ما بين الميل الرابع من المدينة إلى ضفيرة، أرض المغيرة ابن الأخنس، التى فى وادى العقيق. وكان هذا الموضع قد أقطعه مروان بن الحكم عبد الله بن عبّاس بن علقمة، من بنى عامر بن لؤىّ، فاشتراه منه عروة، فذلك مال عروة بن الزبير، وهناك قصره المعروف بقصر العقيق، وبئره المنسوبة إليه، وهى سقايته التى يقول فيها الشاعر:
كفّنونى إن متّ فى درع أروى ... واستقوا لى من بئر عروة ماء
وفيها يقول عروة:
وبكرات ليس فيهنّ فلل ... بكلّ محدول ممرّ قد فتل
يغرفن من جمّات بحر ذى مقل ... حفيرة الشيخ الذي كان اعتمل «3»
يرجو ثواب الله فيما قد فعل ... إنّ الكريم للمعالى معتمل
ولا ينال المجد رخو مشتمل ... يرضى بأدنى سعيه ويعتزل
إنى على بنيان مجد لن يضل «1» ... بنيان آبائى وأبنى ما فضل
وفى قصره «2» يقول لمّا بناه:
بنيناه فأحسنّا بناه ... بحمد الله فى خير العقيق
تراهم ينظرون إليه شزرا ... يلوح لهم على ظهر الطريق
يراه كلّ مختلف وسار ... ومعتمد إلى البيت العتيق
فساء الكاشحين وكان غيظا ... لأعدائى وسرّ به صديقى
وأسفل من هذا القصر العرصة، وهى بأعلى الجرف، وهى أربع عرصات:
عرصه البقل، وعرصة الماء، وعرصة جعفر بن سليمان قبل الجمّاء، وعرصة «3» الحمراء، وبها قصر سعيد بن العاصى، الذي عنى الشاعر بقوله:
القصر ذو النّخل فالجمّاء بينهما «4» ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون
إلى البلاط فما حازت قرائنه ... دور نزحن عن الفحشاء والهون
وقال آخر:
وكائن بالبلاط إلى المصلّى ... إلى أحد إلى ما حاز ريم «1»
إلى الجمّاء من وجه عتيق ... أسيل الخدّ ليس به كلوم
يلومك فى تذكّره رجال ... ولو بهم كما بك لم يلوموا
ولهذا الشعر خبر.
ثم يفضى ذلك إلى الجرف، وفيه سقاية سليمان بن عبد الملك. وبالجرف كان عسكر أسامة بن زيد، حين توفّى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويلى ذلك الرّغابة «2» ، وبها مزارع وقصور، وتجتمع سيول العقيق وبطحان وقناة بالرّغابة «3» .
ثم يفضى ذلك إلى إضم. وبإضم أموال رغاب، من أموال السلطان وغيره من أهل المدينة، منها عين مروان واليسر «4» والفوّار والشّبكة، وتعرف بالشّبيكة.
ثم يفضى ذلك إلى سافلة المدينة: الغابة وعين الصّورين «5» . وبالعابة أموال كثيرة: عين أبى زياد، والنّخل التى هى حقوق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وثرمد مال كان للزبير، باعه عبد الله ابنه فى دين أبيه، ثم صار للوليد بن يزيد.
وبها الحفياء «6» وغيرها «7» .
مصادر و المراجع :
١- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع
المؤلف: أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (المتوفى: 487هـ)
25 يونيو 2023
تعليقات (0)