أحكام تابع المنادى
من المنادى ما يجب نصب لفظه، ومنه ما: يجب بناؤه على الضم، ومنه ما يصلح للأمرين. وليس للمنادى حكم آخر في حالة الاختيار، إلا في الاستغاثة -وما في حكمها- عند جر المنادى باللام، كما سنعرف في بابها2. أ- فإن كان المنادى منصوب اللفظ وجوبا وتابعه نعت، أو عطف بيان، أو توكيد وجب نصب التابع مطلقا3؛ مراعاة للفظ المتبوع؛ نحو، يا عربيا مخلصا لا تغفل مآثر قومك، وقول الشاعر: أيا وطني العزيز رعاك ربي … وجنبك المكاره والشرورا وقول الآخر: يا ساريا في دجى الأهواء معتسفا4 … مآل أمرك للخسران والندم ومثل: أجيبوا داعي الله يا عربا أهل اللغة الواحدة، والروابط الوثيقة، أو: يا عربا كلكم أو كلهم5 … و … وإن كان التابع بدلا أو عطف نسق مجردا من "أل"1 فالأحسن أن يكون منصوب اللفظ كالمتبوع؛ مثل: بوركت يا أبا عبيدة عامرا؛ فلقد كنت من أمهر قواد الفتح الأول، أو: بوركتما يا أبا عبيدة وخالدا … ولا داعي للتمسك بالرأي الذي يجعلهما في حكم المنادى المستقل -وهو القسم الرابع الآتي2. فالنصب هو الحكم العام لجميع توابع المنادى المنصوب اللفظ وجوبا، مع اشتراط التجرد من "أل" في: "عطف النسق3، غير أن نصب التوابع يكون واجبا في بعضها، وجائزا مستحسنا في بعض آخر؛ طبقا للبيان السالف4 وهناك حالة يجب فيها جر التابع -في رأي النحاة- هي التي يقع فيها المتبوع "المنادى" مجرورا باللام -وهذا لا يكون إلا في الاستغاثة، وما في حكمها- نحو: يا للوالد والوالدة فالأولاد1 ويخيز فيه فريق من النحاة أمرين: الجر مراعاة للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله، وهذا الرأي أحسن -كما يجيء1 في بابها2. ب- وإن كان المنادى مبنيا وجوبا على الضم -لفظا أو تقديرا- فتوابعه إما واجبة النصب فقط، وإما واجبة الرفع الشكلي فقط، وإما جائزة الرفع الشكلي والنصب، وإما بمنزلة المنادى المستقل، وفيما يلي بيان هذه الحالات الأربع: 1- يجب -على الأشهر- نصب التابع؛ مراعاة لمحل هذا المنادى، "ولا يصح مراعاة لفظه" في صورة واحدة، هي: أن يكون التابع نعتا3، أو عطف بيان، أو توكيدا، بشرط أن يضاف التابع في الثلاثة إضافة محضة -وهذه تقتضي أن يكون المضاف مجردا من "أل"؛ كقولهم: يا زياد أمير العراق بالأمس، نشرت لواء الأمن، وطويت بساط الدعة- يا أهرام أهرام الجيزة، أنتن من عجائب الآثار، شمر الإخوان من يساير الزمان؛ يقبل معه ويدبر معه؛ فاحذروا هذا يا أصدقاء كلكم4. فإن لم يتحقق الشرط خرجت التوابع المذكورة من هذا القسم ودخلت في الحالة الثالثة الآتية5 "حيث يصح فيها الرفع الصوري؛ مراعاة شكلية للفظ المنادى، والنصب مراعاة لمحله"؛ كأن يقع التابع مفردا مقرونا بأل6؛ مثل يا زياد الأمير، أو خاليا من "أل" ومن الإضافة المحضة1؛ مثل: يا رجل محمد -بالتنوين- أو محمدا، أو يكون مضافا إضافة غير محضة1؛ نحو: يا مسافر راكب2 السيارة، أو الراكب السيارة، حاذر عواقب الإسراع. أو يكون عطف نسق، أو بدلا، ولهذين حكمها الخاص … إلى غير هذا مما سيجيء بيانه مفصلا3 … وتجب الإشارة إلى أن حركة التابع المرفوع على الوجه السالف ليست حركة إعراب ولا بناء؛ ولذلك ينون إذا خلا من أل والإضافة1 و … فهي طارئة لتحقيق غرض معين، هو: المشاركة الصورية في المظهر اللفظي بين التابع والمتبوع؛ فلا تدل على شيء غير مجرد المماثلة الشكلية، ومن التساهل في التعبير أن يقال في ذلك التابع إنه مرفوع. أما الإعراب الدقيق فهو: أنه منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها ضمة الاتباع الشكلية للفظ المنادى -كما سيجيء في القسم الثالث". ومن النحاة من يوجب النصب في صورة ثانية2؛ هي التي يكون فيها المنادى المبني على الضم مختوما بألف الاستغاثة؛ نحو: يا جنديا وضابطا، أدركا المستغيث. فلا يجوز عنده في التابع -مهما كان نوعه، ومنه كلمة: "ضابطا" في المثال- إلا النصب مراعاة لمحل المنادى المبني على الفتح الطارئ بسبب الألف. لكن التحقيق والترجيح يقطعان بجواز النصب، وبجواز الرفع المباح في توابع المنادى المبني على الضم3. 2- ويجب رفع التابع مراعاة شكلية للفظ ذلك المنادى في صورتين: إحداهما: أن يكون التابع نعتا، ومنعوته -المنادى- هو كلمة: "أي" في التذكير، "وأية" في التأنيث؛ كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} ، وقوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} . "فأي وأية" مبنيتان على الضم في محل نصب؛ لأن كلا منهما منادى، نكرة مقصودة. و"ها" حرف تنبيه زائد زيادة لازمه لا تفارقهما1 وكلمتا: "الناس والنفس". "وأشباههما"، نعتان متحركان بحركة مماثلة وجوبا لحركة المنادى، مراعاة لمظهره الشكلي2 فقط، مع أنه مبني، وهما صفتان معربتان، منصوبتان محلا، لا لفظا3 "أي: أنهما منصوبتان تبعا لمحل المنادى" بفتحة مقدرة على الآخر، منع من ظهورها ضمة المماثلة للفظ المنادى في صورته الشكلية4؛ فالضمة التي على آخرهما هي الحركة الطارئة للمشاركة، ولا توصف بإعراب، ولا بناء -كما تقدم5. وكما يجب الإتباع بالرفع الشكلي الصوري في صفة "أي وأية" يجب -في الشائع- كذلك في صفة صفتهما، وفي كل تابع آخر للصفة ففي مثل: "بارك الله فيك يأيها الطبيب الرحيم"، يتعين الرفع وحده في كلمة: "الرحيم" التي هي صفة للصفة، لعدم ورود السماع بغيره، بالرغم من أن المنعوت.. الطبيب في محل نصب، فعدم ورود السماع بالنصب يقتضي امتناع نصب التابع، وعدم إباحته مطلقا، لا لفظا ولا محلا1 ثانيتهما: أن يكون التابع نعتا، والمنعوت -المنادى- اسم إشارة للمذكر، أو للمؤنث؛ جيء به للتوصل إلى نداء المبدوء "بأل"1؛ لأن المبدوء بها لا يجوز مناداته بغير واسطة -إلا في بعض مواضع سبقت-2 نحو: يا هذا السائح، لا تتعجل في حكمك، ويا هذه السائحة لا تتعجلي … فالمنادى مبني على ضم مقدر في محل نصب؛ فيجب رفع النعت في المثالين وأشبهاههما، رفعا صوريا؛ لا يوصف بإعراب، ولا بناء -كما سبق- وإنما هو رفع جيء به مراعاة شكلية للضم المقدر في اسم الإشارة المنعوت -المنادى- ولا يصح النصب؛ لأن النعت هنا بمنزلة المنادى المفرد المقصود، لا يصح نصب لفظه نصبا مباشرا. ووجود النعت على هذه الصورة ضروري، ليدل على المشار إليه، ويكشفه. ويجب مطابقة اسم الإشارة للمشار إليه في الإفراد والتذكير وفروعهما. أما إن كان المراد نداء اسم الإشارة فيجوز في التابع الأمران3 -كما سيأتي في القسم الرابع