التحذير والإغراء
أ- التحذير: "تنبيه المخاطب على أمر مكروه؛ ليجتنبه"1. والأصل في أسلوب التحذير أن يشتمل على ثلاثة أمور مجتمعة: أولها: "المحذر"، وهو المتكلم الذي يوجه التنبيه لغيره. ثانيها: "المحذر"، وهو الذي يتجه إليه التنبيه. ثالثها: "المحذور"، أو "المحذر منه"، وهو: الأمر المكروه الذي يصدر بسببه التنبيه. ولكن هذا الأصل قد يعدل عنه أحيانا كثيرة، فيقتصر الأسلوب على بعض تلك الأمور الثلاثة -كما سنعرف. ولأسلوب التحذير -بمعناه اللغوي العام-2 صور مختلفة؛ منها: صورة الأمر؛ كالذي في قول الشاعر: احذر مصاحبة اللئيم، فإنها … تعدي كما يعدي السليم الأجرب ومنها: صورة النهي؛ كقول الأعرابي في لغته، وقد فتنته: لا تلمني في هواها … ليس يرضيني سواها … ومنها: الصورة المبدوءة بالضمير "إياك"3 وفروعه الخاصة بالخطاب4 كالذي في قول أعرابية لابنها: "إياك والنميمة1. فإنها تزرع الضغينة2، وتفرق بين المحبين. وإياك والتعرض للعيوب؛ فتتخذ غرضا3؛ وخليق4 ألا يثبت الغرض على كثرة السهام … " وقولهم: "إياكم وثورة الغضب فإنها تجلب المرض وسوء العاقبة". إلى غير هذا من العبارات والصور المتعددة التي تحقق "التحذير" بمعناه اللغوي العام. غير أن الكثير من الصور السالفة لا يخضع لأحكام هذا الباب. ولا تنطبق عليه ضوابطه النحوية وقواعده؛ لأن هذه الضوابط والقواعد والأحكام، لا تنطبق إلا على خمسة أنواع "اصطلاحية"؛ يسمونها: "صور التحذير الاصطلاحي"، هي -وحدها- المقصودة من هذا الباب بكل ما يحويه. ولا سيما اشتمال كل منها على اسم منصوب يعرب مفعولا به لفعل محذوف مع مرفوعه، وفيما يلي بيان هذه الأنواع الخمسة الاصطلاحية: النوع الأول: صورة تقتصر على ذكر "المحذر منه" "وهو: الأمر المكروه" اسما ظاهرا5، دون تكرار، ولا عطف مثيل له عليه -والمراد بالمثيل هنا؛ محذر منه. آخر؛ كتحذير الطفل من النار؛ بأن يقال له: النار، وكتحذيره من سيارة؛ بأن يقال له: السيارة. وحكم هذا النوع: جواز نصبه بفعل محذوف جوازا هو ومرفوعه. فكلمة: "النار" أو "السيارة" يجوز نصبها على اعتبارها مفعولا به لفعل لمحذوف جوازا تقديره مثلا: احذر النار - احذر السيارة. والفاعل ضمير محذوف معه أيضا؛ تقديره: أنت. ويجوز تقدير فعل آخر يناسب المعنى والسياق من غير تقيد بشيء في اختياره إلا موافقة المعنى. وصحة التركيب، مثل: اجتنب النار - اجتنب السيارة … أو: حاذر، أو: جانب … وفي كل هذه الأمثلة يصح حذف الفعل وفاعله معا. أو ذكرهما معا6 فيقال: النار، أو اجتنب النار.. كما يصح ضبط "المحذر منه" ضبط آخر غير النصب، كالرفع؛ فيقال: النار، على اعتباره -مثلا- مبتدأ خبره محذوف. لكنه في حالة التصريح بفعله لا يدخل في عداد الأساليب الاصطلاحية الخمسة، وكذلك في حالة ضبطه بغير النصب، إذ الشرط الأساسي في التحذير الاصطلاحي. أن يكون الاسم منصوبا على أنه: "مفعول به"، وناصبه عامل محذوف هو مرفوعه1. معا