أسماء الأفعال
تعريفها: "نقدم أمثلة": في اللغة ألفاظ يدل على الواحد منها على "فعل" معين، أي: محدد بزمنه، ومعناه، وعمله -لكنه لا يقبل العلامة التي يقبلها هذا الفعل المعين، والتي تبين نوعه؛ كاللفظ: "هيهات"1 في قول الشاعر يخاطب عزيزا رحل عنه: بعدت ديار، واحتوتك ديار … هيهات1 للنجم الرفيع قرار فإنه يدل على الفعل الماضي: "بعد" ويقوم مقامه في أداء معناه2، وفي عمله، وزمنه، من غير أن يقبل العلامة الخاصة بالفعل الماضي، "مثل: إحدى التاءين؛ تاء التأنيث الساكنة، أو تاء الفاعل … "؛ إذ لم يرد عن العرب وجود علامة من العلامات الخاصة بالفعل الماضي في "هيهات". وكاللفط: "آه" في قول الشاعر: آها لها من ليال!! هل تعود كما … كانت؟ وأي ليال عاد ماضيها؟ فإنه يدل على الفعل المضارع: "أتوجع" ويقوم مقامه في معناه، وعمله، وزمنه. ولكنه لا يقبل علامة من العلامات الخاصة بالمضارع؛ لأن العرب لم تدخلها على "آه" قط. وكاللفظ "حذار" في قول المادح: سل عن شجاعته، وزره مسالما … وحذار، ثم حذار منه، محاربا فإنه يدل على فعل الأمر: "احذر" من غير أن يقبل علامة الأمر؛ لأن العرب لم تدخلها على "حذار" مطلقا … والمراد من أن كل لفظ من هذه الألفاظ يدل على فعل مأنك لو سألت المراجع اللغوية عن القصود من لفظ: "هيهات" لكان الجواب: "هيهات، معناه: بعد" -"آها، معناه: أتوجع"- "حذار، معناه: احذر"، وهكذا نظائرها. فكل لفظ مما سبق -ونظائره- يسمى: "اسم فعل". وهو1: اسم يدل عين محدد؛ هو على فعل معين، ويتضمن معناه، وزمنه، وعمله، من غير أن يقبل علامته، أو يتأثر بالعوامل1. ما يمتاز به اسم الفعل2: بالرغم من أن شأنه هو ما وصفنا فقد اكتسب بالاستعمال العربي القديم مزيتين ليستا للفعل الذي بمعناه. الأولى: أن اسم الفعل أقوى من الفعل الذي بمعناه في أداء المعنى، وأقدر على إبرازه كاملا مع المبالغة فيه. فالفعل: "بعد" -مثلا- يفيد: مجرد "البعد"، ولكن اسم الفعل الذي بمعناه؛ وهو: "هيهات". يفيد البعد البعيد، أو: الشديد؛ لأن معناه الدقيق هو: بعد جدا؛ كما في قولهم: هيهات إدراك الغاية بغير العمل الناجع. والفعل: "افتراق" يفيد: "الافتراق" المجرد؛ ولكن اسم الفعل "شتان" وهو بمعناه -يفيد: الافتراق الشديد1؛ لأن معناه الحقيقي هو: "افتراق جدا" … كقولهم: شتان الإحسان والإساءة، وشتان ما بين العناية والإهمال. وكقول الشاعر: الفكر قبل القول يؤمن زيفه … شتان بين روية وبديه2 الثانية: أنه يؤدي المعنى على الوجه السالف، مع إيجاز اللفظ واختصاره، لالتزامه -في الأغلب- صورة واحدة لا تتغير بتغير المفرد، أو المثنى، أو الجمع أو التذكير، أو التأنيث؛ إلا ما كان منه متصلا بعلامة تدل على نوع معين دون غيره3؛ تقول: صه يا غلام، أو: يا غلامان، أو: يا غلمان، أو: يا فتاة، أو: يا فتاتان، أو: يا فتيات. ولو أتيت مكانه بالفعل الذي بمعناه لتغيرت حالة الفعل؛ فقلت: اسكت يا غلام، اسكتا يا غلامان، سكتوا يا غلمان، اسكتي يا فتاة، اسكتا يا فتاتان، اسكتن يا فتيات … وبسبب هاتين المزيتين كان استعمال اسم الفعل هو الأنسب حين يقتضي المقام إيجاز اللفظ واختصاره، مع وفاء المعنى، والمبالغة فيه. أقسام أسماء الأفعال: أ- تنقسم بحسب نوع الأفعال التي تدل عليها4، إلى ثلاثة أقسام أولها: اسم فعل أمر، وهو أكثرها ورودا في الكلام المأثور، نحو: "آمين"، بمعنى: استجب، و"صه" -بالسكون- بمعنى؛ اسكت عن الموضوع المعين الذي تتكلم فيه، و"حي" "بفتح الياء المشددة، مثل: حي على الصلاة -حي على الفلاح" بمعنى: أقبل، أو: عجل … وجميع هذه الألفاظ سماعية. ومن هذا القسم نوع قياسي مطرد -على الأصح- هو: ما كان من اسم فعل الأمر على وزن "فعال"1 مبنيا على الكسر بشرط أن يكون له فعل ثلاثي، تام، متصرف، نحو: حذار، "في البيت السالف"2 بمعنى: احذر، ونحو: نزال إلى ميدان الجهاد، وزحام في مجال الإصلاح؛ بمعنى انزل، وازحم. ولا يصح صوغ "فعال" إذا كان فعله غير ثلاثي، كدحرج، "وشذ: دراك، من أدرك" أو: كان فعله ناقصا؛ مثل: كان، وظل، وبات: الناسخات، أو كان غير متصرف، نحو: عسى، وليس. واسم فعل الأمر مبني دائما، ولا بد له من فاعل مستتر وجوبا3. وقد يتعدى للمفعول به أو لا يتعدى على حسب فعله. ومن أسماء فعل الأمر السماعية: "هيا، بمعنى: أسرع" -"ومه؛ بمعنى: انكفف4 عما أنت فيه"- "وتيد، وتيدخ، وهما بمعنى: أمهل" "وويهما، بمعنى: حرض، وأغر"1، "وحيهل2 بمعنى أقبل، أو عجل … "، "وهلم3 بمعنى: أقبل، وتعال"4، "وقط، بمعنى: انته … "5. ثانيها: اسم فعل مضارع -وهو سماعي، وقليل- نحو: "أوه، بمعنى: أتألم"، وأف بمعنى: أتضجر، قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} أي: للوالدين، "ووي، بمعنى: أعجب، وهذا أحد معانيها؛ كقوله تعالى: {وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} 6" وقد يكون اسم الفعل: "وي" مختوما بكاف الخطاب الحرفية1، ومنه قول عنترة: ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها … قيل الفوارس: ويك عنتر أقدم واسم الفعل المضارع مبني حتما، ولا بد له من فاعل مستتر وجوبا، وهو مثل فعله في التعدي واللزوم. ثالثها: اسم فعل ماض -وهو ساعي وقليل؛ كالسابق، ومنه: "هيهات"، وكذا: "شتان" وقد تقدما. والصحيح الفصيح في "شتان" أن يكون الافتراق خاصا بالأمور المعنوية2؛ كالعلم، والفهم والصلاح؛ تقول: شتان3 علي ومعاوية في الشجاعة، وشتان المأمون والأمين في الذكاء، وشتان الإيثاء، والأثرة4؛ فلا يقال شتان المتخاصمان عن مجلس الحكم، ولا شتان المتعاقدان عن مكان التعاقد5 … واسم الفعل الماضي مبني في كل أحواله كغيره من سائر أسماء الأفعال، ولكنه يحتاج إلى فاعل إما ظاهر، وإما ضمير مستتر جوازا، يكون للغائب في الأعم الإغلب1 -كما سيجيء- وهو بهذين يخالف النوعين الآخرين فوق مخالفته لهما في المعنى والزمن. أما تعديته ولزومه فيجري فيهما كغيره على نظام فعله. ب- وتنقسم بحسب أصالتها في الدلالة على الفعل2 وعدم أصالتها، إلى قسمين: أولهما: المرتجل؛ وهو: ما وضع من أول أمره اسم فعل ولم يستعمل في غيره من قبل. مثل: شتان - وي - مه … ثانيهما: المنقول؛ وهو الذي وضع في أول الأمر لمعنى ثم انتقل منه إلى اسم الفعل. والمنقول أقسام؛ فهو: 1- إما منقول من جار مع مجروره3، مثل: "عليك"، بمعنى: تمسك أو: بمعنى: الزم، أو: بمعنى: "أعتصم" -فعل مضارع- فمن الأول قولهم: عليك بالعلم؛ فإنه جاه من لا جاه له، وعليك بالخلق الكريم؛ فإنه الغني الحق. أي: تمسك بالعلم - تمسك بالخلق1 … وقولهم: من نزل به مكروه فعليه بالصبر؛ فهو أبعد للألم، وأجلب للأجر، أي: فليتمسك بالصبر … ومن الثاني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، أي: الزموا شأن أنفسكم. ومن الثالث: علي بالكفاح لبلوغ الأماني. أي: أعتصم. ومن المنقول من الجار والمجرور: "إليك"؛ بمعنى: ابتعد وتنح؛ مثل: "إليك عني -أيها المنافق؛ فذو الوجهين لا مكان له عندي، ولا منزلة له في نفسي" وهذا هو الغالب في معناها، وقد تكون بمعنى: "خذ"، نحو: إليك الوردة، أي: خذها2 … ومنه: "إلي"، بمعنى: أقبل، نحو: إلي -أيها الوفي- فإني أخوك الصادق العهد. والأحسن في الأمثلة السالفة -وأشباهها- إعراب الجار ومجروره معا، اسم فعل مبني، لا محل له من الإعراب3. 2- وإما منقول من ظرف مكان4؛ مثل: "أمامك"؛ بمعنى تقدم و"وراءك"؛ بمعنى: تأخر، تقول: أمامك إن واتتك الفرصة، وساعفتك القوة. ووراءك إن كان في إدراك الفرصة غصة، وفي نيلها حسرة وندامة. ومثل: "مكانك"، بمعنى: اثبت1، تقول لمن يحاول الهرب من أمر يمارسه: مكانك تحمد وتدرك غايتك. ومثل: "عندك" بمعنى خذ. تقول: عندك كتابا، بمعنى: خذه2. والأيسر اعتبار الظرف كله "بما اتصل بآخره من علامة تكلم أو خطاب أو غيبة" هو اسم الفعل3. 3- وإما منقول من مصدر له فعل مستعمل من لفظه؛ مثل؛ "وريد" "بغير تنوين" بمعنى: تمهل، وبمعنى: أمهل؛ فالأول نحو: رويد -أيها العالم- لقوم يتعلمون؛ فإن التمهل داعية افهم، والفهم داعية الاستفادة. ومثل قول الشاعر: رويدك4، لا تعقب جميلك بالأذى … فتضحى وشمل الفضل والحمد منصدع والثاني: نحو: رويد مدينا؛ فإن الإمهال مروءة … فكلمة: "رويد" في الأمثلة السالفة اسم فعل أمر، مبني، غير منون. وأصل المصدر: "رويد" هو: "إرواد"، مصدر الفعل الرباعي: "أرود"، ثم صغر المصدر5: "إرواد" تصغير ترخيم؛ بحذف حروفه الزائدة؛ فصار: "رويد"6، ثم نقل بغير تنوين إلى اسم الفعل …وقد يكون اسم الفعل منقولا من مصدر ليس له فعل من لفظه، لكن له فعل من معناه، مثل كلمة: "بله" -بغير تنوين- بمعنى: اترك؛ تقول: بله مسيئا قد اعتذر، واغفر له إساءته، أي: اترك … والأصل: بله المسيء … ، بمعنى: ترك المسيء، من إضافة المصدر لمفعوله. ومن الجائز أن يكون الأصل: بلها مسيئا … باستعمال كلمة: "بلها"1 مصدرا ناصبا معموله؛ قياسا على: تركا مسيئا، بمعنى تركا المسيء، ومن هذا المصدر الناصب لمفعوله انتقل لفظ "بله" ولكن بغير تنوينه -إلى اسم فعل بمعناه2 …