الكلام على الاسم الممنوع من الصرف للوصفية
1-- يمنع الاسم من الصرف للوصفية مع زيادة الألف والنون إذا كان على وزن "فعلان" -بفتح الفاء وسكون العين- بشرطين: أن تكون وصفيته أصيلة "أي: غير طارئة"، وأن يكون تأنيثه بغير التاء؛ إما لأنه لا مؤنث له؛ لاختصاصه بالذكور، وإما لأن علامة تأنيثه الشائعة بين العرب ليست تاء التأنيث، كأن يكون، بألف التأنيث … ، فمثال ما ليس له مؤنث: "لحيان"2، لكبير اللحية. ومثال الآخر عطشان، غضبان، سكران، ريان … ؛ فإن أشهر مؤنثاتها3: عطشى، غضبى، سكرى، ربا … 3 ومن الأمثلة قولهم: "كان أبو بكر لحيان2، تزيده لحيته وقارا، وهيبة كثير الصمت، وافر الحلم. وما رآه الناس غضبان إلا حين يحمد الغضب". وقوله عليه السلام: "ليس بمؤمن من بات شبعان ريان، وجاره جائع طاو". فإن كان الغالب المسموع على مؤنثه وجود تاء التأنيث في آخره لم يمنع من الصرف؛ نحو: "سيفان، للرحل الطويل الممشوق القامة" "ومصان، للرجل اللئيم"؛ فإن مؤنثهما الشائع: سيفانة ومصانة. وكذلك إن كانت وصفيته غير أصيلة؛ فإنه لا يمنع من الصرف؛ ككلمة: "صفوان" في قولهم: "بئس رجل صفوان قلبه". وأصل الصفوان: الحجر. وإذا زالت الوصفية وحدها وسمى بهذا الاسم؛ بأن صار علما مزيدا بالألف والنون؛ كتسمية رجل بغضبان، أو بعطشان فإنه يظل على حاله ممنوعا من الصرف؛ لأن الوصفية التي زالت حل محلها العلمية الجديدة؛ وبانضمام العلمية الجديدة إلى الزيادة يجتمع في الاسم العلتان المؤديتان إلى منعه من الصرف1. 2- ويمنع الاسم من الصرف للوصفية مع وزن الفعل2 بالشرطين السالفين وهما: ألا يكون مؤنثه الشائع بالتاء، وألا تكون وصفيته طارئة غير أصيلة". ويتحقق الشرطان في الوصف الذي على وزن "أفعل"، ومؤنثه "فعلاء، أو فعلى"؛ نحو: أحمر وحمراء - أبيض وبيضاء - أجمل وجملاء1، ونحو: أفضل وفضلى، وأحسن وحسنى. وأدنى ودنيا … فهذه الألفاظ - وأشباهها ممنوعة من الصرف. لتحقق الشرطين. فإن كان الوصف مؤنثه بالتاء لم يمنع من الصرف، نحو: "أرمل" في قولنا: عطفت على رجل أرمل "بالكسرة مع التنوين"، أي: فقير؛ لأن مؤنثه أرملة. وكذلك ينصرف الوصف إذا كان وصفيته طارئة "أي: ليست أصيلة"، نحو "أرنب" في قولنا: مررت برجل أرنب "بالكسرة مع التنوين، أي: جبان". فالوصف منصرف -بالرغم من أن مؤنثه لا يكون بالتاء في الأغلب- لأن وصفيته طارئة، سبقتها الاسمية الأصيلة، للحيوان المعروف. ومما فقد الشرطين معا كلمة: "أربع" في مثل: قضيت في النزهة ساعات أربعا؛ لأن مؤنثها يكون بالتاء؛ فتقول: سافرت أياما أربعا؛ ولأن وصفيتها طارئة عارضة؛ إذ الأصل السابق فيها أن تستعمل اسما للعدد المخصوص في نحو: والخلفاء الراشدون أربعة". ولكن العرب استعملتها بعد ذلك وصفا2؛ فوصفيتها ليست أصيلة سابقة. وبسبب فقد الشرطين وجب صرف الكلمة في جميع استعمالاتها. ومن أمثلة الوصفية الطارئة التي لا يعتد بها في منع الاسم من الصرف كلمات أخرى؛ مثل: "أجدل"، للصقر "وأخيل"، لطائر فيه نقط تخالف في لونها سائر البدن" "وأفعى"، للحية. فكل هذه، وما شابهها، أسماء بحسب وضعها الأصلي لتلك الأشياء؛ ولهذا تصرف. وقد يصح في هذه الكلمات -ولا يدخل فيها كلمة: أربع- منعها من الصرف على اعتبار أن معنى الصفة يلاحظ فيها، ويمكن تخيله مع الاسمية، وقد وردت ممنوعة من الصرف في بعض الكلام الفصيح، فالأجدل: يلحظ فيه القوة؛ لأنه مشتق من الجدل "بسكون الدال" بهذا المعنى. والأخيل: يلحظ فيه التلون؛ لأنه من الخيلان، بهذا المعنى. والأفعى: يلحظ فيها الإيذاء الذي اشتهرت به، واقترن باسمها1، وعلى أساس التخيل والملاحظة المعنوية مع السماع يجوز منع الصرف. ولكن الأنسب الاقتصار على صرف هذه الأسماء: لغلبة الاسمية عليها. وهناك ألفاظ وضعت أول نشأتها أوصافا أصلية، ثم انتقلت بعد ذلك إلى الاسمية المجردة2 وبقيت فيها، فاستحقت منع الصرف بحسب أصلها الأول الذي وضعت عليه؛ لا بحسب حالتها الجديدة التي انتقلت إليها؛ مثل: "أدهم" للقيد3؛ فإنه في أصل وضعه وصف للشيء الذي فيه دهمه، "أي: سواد"، ثم انتقل منه؛ فصار اسما مجردا للقيد؛ ومثل: "أرقم"؛ فإنه في أصل وضعه وصف للشيء المرقوم، "أي: المنقط" ثم انتقل منه فصار اسما للثعبان الذي ينتشر على جلده النقط البيض والسود. ومثل: "أسود" فأصله وصف لكل شيء أسود، ثم انتقل منه؛ فصار اسما للثعبان المنقط بنقط بيض وسود، ومثل: "أبطح" وأصله وصف للشيء المرتمي على وجهه: ثم صار اسما للمكان الواسع الذي يجري فيه الماء بين الحصى الدقيق، ومثل: "أبرق"، وأصله وصف لكل شيء لامع براق، ثم صار اسما للأرض الخشنة التي تختلط فيها الحجارة والرمل والطين. وقد يجوز صرف هذه الأسماء على اعتبار أن وصفيتها الأصيلة السابقة قد زالت بسبب الاسمية الطارئة. ولكن الاقتصار على الرأي الأول أنسب. ويفهم مما سبق -في غير كلمة: أربع-4 أن الوصفية الأصيلة الباقية لا يصح إغفالها في منع الصرف. أما الوصفية الأصيلة التي زالت وحل محلها الاسمية الطارئة المجردة؛ فيصح أن يلاحظ كل منهما عند منع الصرف أو لا يلاحظ؛ بمعنى أنه يجوز -عند وجود إحداهما مع العلة الثانية- صرف الاسم ومنعه من الصرف، بشرط تحقق الشرط الثاني. "وهو ألا يكون تأنيث الوصف بالتاء … "، وأن الأفضل الاقتصار على حالة واحدة؛ فالصرف أفضل إن كانت الاسمية هي الأصيلة، والوصفية هي الطارئة. والمنع أولى؛ إن كانت الوصفية هي الأصيلة والاسمية هي الطارئة. وفي مراعاة هذه الأفضلية مسايرة للسبب العام في منع الصفة من الصرف، وتيسير في الاستعمال1 … وإذا سمي بهذا الوصف زالت عنه الوصفية، وحل محلها العلمية؛ فيجتمع فيه العلمية ووزن الفعل؛ وهما علتان يؤدي اجتماعهما إلى منع صرفه؛ كتسمية رجل: أرقم -أو: أسود2 3-- ويمنع الاسم من الصرف للوصفية مع العدل1 في إحدى حالتين: الأول: أن يكون اسم أحد الأعداد العشرة2 الأول، وصيغته على وزن "فعال" أو: "مفعل"، نحو: أحاد وموحد، ثناء ومثنى، ثلاث ومثلث، رباع ومربع، خماس ومخمس، سداس ومسدس، سباع ومسبع، ثمان ومثمن، تساع ومتسع، عشار ومعشر. ويقول النحاة: إن كل لفظ من هذه الألفاظ معدول عن لفظ العدد الأصلي المكرر مرتين للتوكيد؛ فكلمة: "أحاد" في مثل: "صافحت الأضياف أحاد، معدولة عن الكلمة العددية الأصيلة المكررة: "واحدا واحدا" والأصل: صافحت الأضياف واحدا واحدا؛ فعدل العرب عن الكلمتين، واستغنوا عنهما بكلمة واحدة -للتخفيف- تؤدي معناهما؛ هي: أحاد، ومثلها موحد"1 وكلتا الكلمتين ممنوعة من الصرف مع أن أصلهما المعدول عنه منصرف، ولا ينظر لهذا الأصل هنا؛ ولهذا كنت كل واحد منهما محتومة المنع من الصرف2. وكلمة: "ثناء"، في مثل: سار الجند ثناء … ، معدولة عن أصلها العددي المكرر للتوكيد، وهو: "اثنين اثنين" والأصل: سار الجند اثنين اثنين، فعدل العرب عن الكلمتين، وأتوا بدلهما بكلمة واحدة -للتخفيف- تؤدي معناهما، هي: ثناء، ومثلها: "مثنى" وهاتان ممنوعتان من الصرف مع أن أصلهما مصروف. ومثل هذا يقال في بقية الأعداد العشرة الأولى المعدولة. والأغلب في هذه الأعداد العشرة المعدولة أن تكون حالا، كالأمثلة السالفة، أو تكون نعتا؛ نحو: شاهدت حول الماء طيورا مثنى؛ وطيورا ثلاث … أو تكون خبرا؛ نحو: أصابع اليدين والرجلين خماس … ومن القليل أن تكون مضافا، ومن الممنوع أن تكون مقرونة بأل1 … ويجوز أن يتكرر اللفظ المعدول فيكون التالي توكيدا2 لفظيا للأول، فنقول: سار الجند مثنى مثنى -أو: ثلاث ثلاث … وهكذا. ومن العرب من يجيز صرف تلك الألفاظ، فيقول: ادخلوا ثلاث ثلاث، أو ثلاثا ثلاثا … وهكذا، وعند صرفها يعدها أسماء مجردة من الوصفية، والرأي الأول أكثر وأشهر. الثانية: كلمة: "أخر"؛ في مثل: "سجل التاريخ لعائشة أم المؤمنين، ولنساء أخر أثرهن في السياسة، والثقافة، ونشر العلم"، فهي جمع، مفردة: "أخرى" و "أخرى" مؤنث للفظ مذكر؛ هو: "آخر" … "بفتح الخاء"، على وزن: "أفعل"، ومعناه: أكثر مغايرة ومخالفة فلفظ: "آخر" هنا: "أفعل للتفضيل"، مجرد من "أل" والإضافة للمعرفة3؛ فحقه أن يكون مفردا مذكرا في جميع استعمالاته ولو كان المراد مه مثنى، أو جمعا، أو مؤنثا، وهذا ما تقتضيه الأحكام العامة لأفعل التفضيل المجرد منهما؛ "نحو: المتعلم والمتعلمة أقدر على نفع الوطن من غيرهما -الإخوان والأصدقاء أنفع في الشدة، وأبعد عن التقصير- ليس بين النساء أفضل، ولا أحسن من الساهرات على تربية أولادهن … " وبناء على هذا الحكم العام يكون القياس في المثال السابق وأشباهه أنن قول: لعائشة أم المؤمنين ولنساء آخر -بمد الهمزة وفتح الخاء- أثرهن … ، لكن العرب عدلو عنه. وقالوا: نساء "أخر" بصيغة الجمع، ومنعوه من الصرف؛ فكان العدل بانضمامه للوصفية سببا في منعه من الصرف. وإن شئت فقل: كان منعه من الصرف. وإن شئت فقل: كان منعه من الصرف دليلا على وجود العدل فيه مع الوصفية1. وإذا زالت الوصفية وحدها وحل محلها العلمية بقي الاسم على منع الصرف؛ لاشتماله في حالته الجديدة على علتين مانعتين معا لصرفه؛ وهما: العلمية والعدل، كتسمية إنسان: "مثنى" أو "ثلاث" أو نحوهما مما كان في أصله وصفا معدولا، ثم صار علما باقيا على حاله من العدول … ويتبين مما سبق في الصور الثلاث الخاصة بالوصفية ومعها العلامة الأخرى، أن الوصفية إذا اختفت وحدها بسبب أن الاسم صار "علما مزيدا"، أو: "علما على وزن الفعل". أو: علما معدولا" -بقي هذا الاسم ممنوعا من الصرف كما كان، ولكن للعلمية ومعها العلامة الأخرى2 …