"لو" الشرطية
هي نوعان: شرطية امتناعية، وشرطية غير امتناعية، وكلا النوعين حرف، واستعماله قياسي. أ- "لو" الشرطية الامتناعية؛ معناها، وأحكامها النحوية: فأما معناها فأمران مجتمعان؛ هما: "إفادة الشرطية، وأن هذه الشرطية لم تتحقق في الزمن الماضي؛ فقد امتنع وقوعها فيه". فإفادتهما الشرطية تقتضي تعليق شيء على آخر؛ وهذا التعليق يستلزم -حتما- أن يقع بعدها جملتان، بينهما نوع ترابط واتصال معنوي؛ يغلب أن يكون هو: "السببية" في الجملة الأولى، و "المسببية" في الجملة الثانية؛ نحو: لو تعلم الجاهل لنهضت بلاده، لكنه لم يتعلم -لو عف السارق لنجا من العقوبة التي تزلت له به- لو أتقن الصانع عمله بالأمس ما بارت صناعته. فالجملة الأولى من المثال الأول هي: "تعلم الجاهل"، والثانية هي: "نهضت بلاده" وبين الجملتين ذلك الارتباط المعنوي؛ لأن نهضة الجواب"1. ومثل هذا يقال في الأمثلة الأخرى. وإفادتها امتناع المعنى الشرطي في الزمن الماضي تقتضي أن شرطها لم يقع فيما مضى، "أي: لم يتحقق معناه في الزمن السابق على الكلام" فهي تفيد القطع بأن معناه لم يحصل2، كما تفيد أن تعليق الجواب علهي كان في الزمن الماضي أيضا1، على خلاف المعهود في التعليق بالأدوات الشرطية الجازمة، حيث يتعين الاستقبال في شروطها وجوابها معا -على الأغلب2. ويترتب على امتناع الشرط هنا وعدم وقوعه امتناع جوابه تبعا له، إذا كان فعل الشرط هو السبب الوحيد في إيجاد جوابه وتحقيقه، وليس هناك سبب آخر للإيجاد والتحقيق؛ لأن امتناع السبب الوحيد الموجد للشيء يؤدي حتما إلى امتناع المسبب الوحيد؛ فامتنع له الجواب -وهو المسبب عنه- إذ ظهور النار متوقف على طلوع الشمس دون شيء آخر؛ فلا يمكن أن يظهر إلا بطلوعها ما دام طلوعها هو السبب الفرد في إيجاده. فإن كان للجواب سبب آخر فلا يتحتم الامتناع بامتناع هذا الشرط، لجواز أن يؤدي السبب الآخر إلى إيجاد الجواب، وتحقيق معناه3؛ نحو: لو طلعت الشمس أمس لكان النور موجودا. فطلوع الشمس هنا ممتنع، أما الجواب فيصح أن يكون غير ممتنع -برغم امتناع الشرط- إذا وجد سبب آخر غير الشمس يحدثه؛ كمصباح مضيء، أو برق، أو نار … ؛ فالشرط في هذا المثال ليس السبب الفريد في إحداث الجواب؛ فامتناعه لا يستلزم ولا يوجب امتناع جوابه؛ فقد يمتنع الجواب حينا؛ ولا يمتنع حينا آخر؛ على حسب ما تقضي به القرائن والمناسبات. ومن الأمثلة لامتناع الجواب امتناعا حتميا تبعا لامتناع الشرط: لو توقفت الأرض عن الدوران لهلك الأحياء جميعا من شدة البرد أو الحر لو سكنت الأرض ما تعاقب عليها الليل والنهار -لو امتنع الغذاء لمات الحي- لو اختلت الجاذبية الكونية لا نفرط عقد الكواكب والنجوم لو توقف القلب عن النبض نهائيا لمات الحيوان … ومن أمثلة امتناع الشرط دون أن يستلزم امتناع الجواب استلزاما محتما: لو تعلم الفقير لاغتنى -لو استقل المسافر الطائرة لبلغ غايته- لو قرأ الريفي الصحف لعلم أهم الأخبار العالمية -لو واظب الغلام على السباحة لقوي جسمه- لو استشار المريض طبيبه لشفي … ؛ فالجواب في هذه الأمثلة ليس حتمي الامتناع؛ إذ الشرط ليس السبب الوحيد في إيجاده، فهناك ما يصلح أن يكون سببا للإيجاد سواه. ومما تقدم يتبين خطأ التعبير الشائع على ألسنة المعربين وهو: "أنها حرف امتناع لامتناع"؛ يريدون: أنها حرف يدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط. وإنما كان هذا خطأ لما قدمناه من أن امتناع الشرط لا يستلزم امتناع الجواب؛ فقد يستلزمه، أو لا يستلزمه -طبقات للبيان السالف- إلا أن كان غرضهم أن ذلك الامتناع هو الكثير الغالب. والصواب ما ردده سيبويه من أنها: "حرف يدل على ما كان سيقع لوقوع غيره"، أي: لما كان سيقع في الماضي؛ لوقوع غيره في الماضي أيضا. وهذه العبارة صحيحة دقيقة، لا تحتاج إلى تأويل أو تقدير، أو زيادة