تمييز العدد
العدد لفظ مبهم، أي: لا يوضح بنفسه المراد منه، ولا يعين نوع مدلوله ومعدوده؛ فمن يسمع كلمة: ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة … أو غيرها من ألفاظ العدد لا يمكن أن يدرك النوع المقصود من هذا العدد، ولا أن يميزه من بين الأنواع الكثيرة المحتملة؛ أهو ثلاثة كتب، أم أفلام، أم أيامن أم دراهم، أم دنانير، أم غيرها من مئات الأشياء الأخرى … ، فلو قلنا: ثلاثة كتب، أو أربعة أيام، أو خمسة شهور … أو … ، لزال الإبهام وانكشف الغموض عن مدلول العدد، وصار المراد واضحا؛ بفضل الكلمة التي جاءت؛ فبينت نوعه، وميزته من غيره، أي: أنها عينت المعدود بعد أن كان مبهما مجهولا؛ ولذا يسميها النحاة: "تمييز العدد" -سواء أكانت منصوبة أم مجرورة، على التفصيل الذي سنعرفه- وهذا معنى قولهم: العدد مبهم يزيل إبهامه التمييز، "أي: المعدود". ولهذا التمييز أحكام؛ تختلف باختلاف أقسام العدد: أ- فالأعداد المفردة2 التي عرفناها ثلاثة أنواع: نوع لا يستعمل -في الأغلب- مع تمييز له وهو واحد، واثنان؛ فلا يقال: جاء واحد ضيف، ولا أقبل اثنا ضيفين؛ ولا نحو هذا؛ لأن ذكر التمييز "ضيف … ضيفين … " مباشرة يغني عن ذكر العدد قبله، إذ يبين النوع مع الدلالة على الوحدة، أو على الزوجية المحددة باثنين؛ فلا حاجة إلى العدد قبله، ولا فائدة منه. وقد يضاف هذا النوع لغرض آخر سنعرفه1. ونوع يحتاج إلى تمييز مفرد مجرور بالإضافة؛ وهو لفظ: مئة، وألف، ومثناهما، وجمعهما. "فالمراد هو: جنس المائة والألف"2 ومن الأمثلة قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} -يبلغ ارتفاع هرم الجيزة الأكبر نحو مائتي ذراع-3 وكقولهم عند رؤية أشباح بعيدة: هذه مئو رجل، أو مئات رجل وقوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} حراس المدينة ألفا حارس، وجيشها تسعة آلاف جندي. ولا يصح الفصل بين هذا النوع وتمييزه في حالة الاختيار. ونوع يحتاج إلى تمييز مجرور بالإضافة، متصل به -أيضا- ويكون في الأغلب جمع تكسير للقلة4، وهذا النوع هو: "ثلاثة، وعشرة، وما بينهما، وكذا كلمة: بضع وبضعة الملحقتين به" -طبقات لما تقدم5 عنهما- نحو: الصيف ثلاثة أشهر، فضيت خمسة أيام في الريف، وقوله تعالى: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} 6، 7 … و … فالأصل في تمييز هذا النوع من العدد المفرد أن يستوفي أربعة أمور مجتمعة؛ هي: أن يكون جمعا، للتكسير، مفيدا للقلة، مجرورا بالإضافة المباشرة "أي: الخالية من الفصل"