التأريخ
التأريخ: تقييد الحوادث والأمور الجارية، بزمن معين مشهور، بحيث ترتبط به، وتنتسب إليه؛ سواء أكانت قد وقعت وتحققت فيه أم موقعت وتحققت في زمن آخر. وهو ضروري لضبط شئون الفرد، وتنظيم حياته الخاصة والعامة، وضروري كذلك لضبط شئون الجماعات "دولا وأمما" وما يكون بينها من معاملات، ومنذ وجد الإنسان وهو يستعين بالتأريخ وحوادثه؛ ليرشده، ويذكره. ويعينه على كشف أكثر الحقائق والوقائع التي يبغي الاهتداء إلى زمنها، ونتائجها، ولكل فرد طرييقته التي يختارها لنفسه خاصة، ويراها أنسب له، وأكثر ملاءمة، غير أن الجماعات قد اتفقت كلمتها على أن تختار كل منها مبدأ زمنيا تؤرخ به شئونها العامة، ويرجع إليه أفرادها في شؤونهم المشتركة بينهم. ولكل فرد بعد ذلك أن يرجع إليه أو إلى غيره في شؤونه الخاصة به. والعرب من هؤلاء؛ فقد اختاروا بعد الإسلام حادث الهجرة مبدأ زمنيا لتسجيل الحوادث وتاريخها، وسموا هذا المبدأ: "التاريخ الهجري"2 وساروا فيه على أسلوب مأثور عنهم؛ فإذا وقع حادث ما سجلوه بطريقتهم قولا أو كتابة، وأرخوه بالليالي لسبقها في حسابهم؛ إذ الشهور المعتمدة عندهم قمرية، وأول الشهر القمري ليلة، وآخره نهار، فإذا أراد أحدهم أن يؤرخ للحاديث الذي وقع في أول الشهر الهجري -ككتابة رسالة، مثلا- قال: كتبت لأول ليلة منه، "أي؛ في أول ليلة" أو لغرته، أو مستهلة. فإذا انتهت الليلة الأولى قال: كتبت لليلة خلت، ثم لليلتين خلتا، ثم لثلاث خلون … إلى أن تنتهي عشر ليال ثم يقول: لإحدى عشرة خلت، أو لاثنتى عشرة … إلى أن تجيء ليلة النصف فيقول: كتبت للنصف منه، أو لمنتصفه، أو لانتصافه، ويصح أن يقول: لخمس عشرة خلت، أو بقيت، "أي: عند خمس عشرة" والأول أكثر شيوعا في كلام الفصحاء، ثم لأربع عشرة بقيت، إلى أول العشرين فيقول: لعشر بقين، أو لثمان بقين … وهكذا إلى أن تبقى ليلة واحدة فيقول: لليلة بقيت، أو لسراره، أو سرره. فإن مضت وبقي نهار اليوم الأخير فإنه يقول: كتبت لآخر يوم منه، أو لسلخه أو انسلاخه، وقد يستعمل السلخ والانسلاخ لليلة الأخيرة أيضا. وإذا قال: لآخر ليلة منه أو آخر يوم منه كان هذا دليلا على أن الشهر القمري كاملا؛ أي: ثلاثين يوما، وليس من الشهور التي تنقص. هذا ويصح وضع تاء التأنيث مكان نون النسوة والعكس في كل موضع يراد فيه التحدث على عدد مدلوله جمع لا يعقل؛ بأن يكون المعدود ثلاثة أو أكثر مما لا يعقل. ولكن اتباع الوضع الذي سردناه أفضل1