الإعلان والإبدال
من المصطلحات اللغوية الشائعة أربعة ألفاظ؛ لكل منها مدلوله الخاص، وضوابطه وأحكامه. وهذه الأربعة هي: الإعلال، القلب، الإبدال، العوض. وفيما يلي البيان: 1- الإعلال، والمراد به: تغيير يطرأ على أحد أحرف العلة الثلاثة "و، أ، ي" وما يلحق بها -وهو: الهمزة- بحيث يؤدي هذا التغير إل حذف الحرف، أو تسكينه، أو قلبه حرف آخر من الأربعة، مع جريانه في كل ما سبق على قواعد ثابتة، يجب مراعاتها. ومن الأمثلة: صوغ اسم المفعول من الفعل: "قال" وهو: "مقول". والأصل: مقوول "بضم الواو الأولى". فقلت الضمة إلى الساكن قبلها. وهذا يسمى: "إعلالا بالنقل" وترتب عليه تسكين حرف العلة الأول. واجتماع حرفين ساكنين متواليين لا يصح اجتماعهما؛ فحذف الأول منهما: وهذا يسمى: "إعلالا بالحذف"؛ وصارت الكلمة إلى: مقول، بعد هذين النوعين من الأعلال، وتحقق شروطهما. وكالفعل: "قال"، وأصله: "قول" بفتح الواو، قلبت ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ فصار الفعل: قال، وهذا: "إعلال بالقلب". وفيما يلي بيانه: 2- القلب ومعناه: تحويل أحد الحروف الأربعة السالفة إلى آخر منها؛ بحيث يختفي أحدها ليحل محله غيره من بينها؛ طبقا لضوابط محددة يجب الخضوع لها، كقلب الواو ألفا في المثال السالف، وقلب الواو المتوسطة ياء بعد كسرة في مثل: صيام، والأصل: صوام. وكقلب الياء همزة لوقوعها متطرفة بعد ألف زائدة. بناء، والأصل: بناي … و … وهذا النوع من التحويل أو القلب شائع مطرد؛ لأنه يخضع -في الأغلب- لقواعد عامة يجري على مقتضاها، فإذا عرفت أمكن الوصول إلى قلب الحرف الذي تنطبق عليه، وسهل الاهتداء إلى أصله إن كان منقلبا عن غيره. وهذا الباب معقود لعرضها، وبيان أحكام القلب الشائع المطرد، أما غير المطرد فمقصور على السماع. 3- الإبدال. ومعناه: حذف حرف، ووضع آخر في مكانه، بحيث يختفي الأول، ويحل في موضعه غيره، سواء أكان الحرفان من أحرف العلة -كالأمثلة السالفة- أم كانا صحيحين، أم مختلفين. فهو أعم من "القلب"؛ لأنه يشمل "القلب" وغيره؛ ولهذا يستغنون بذكره عن القلب، ومن أمثلة الصحيحين قول بعض العرب في: "وكنة1، وربع وتلعثم".. وقنة. وربح، وتلعذم. بقلب الكاف قافا. والعين جاء؛ والثاء ذالا. وأغلب هذا النوع من إبدال الحروف الصحيحة مقصور على السماع؛ لقلته. والأمر في معرفته موكول إلى المراجع اللغوية وحدها؛ إذ ليس له ضابط عام، ولا قاعدة مطردة. وقليل منه قياسي؛ كإبدال الدال والطاء من تاء الافتعال؛ وسيجيء2. ومثال المختلفين قولهم: كساء، وخطايا3. والأصل: كساو، وخطاءا قلبت الواو همزة في المثال الأول. وقلبت الهمزة ياء في المثال الثاني؛ طبقا لقواعد عامة مضبوطة -في الأغلب- تختص بهذا النوع، ومن الممكن أن يعتمد عليها من يريد إجراءه، وكذلك من يريد الاهتداء إلى نوع الحرف الذي اختفى، وحل غيره محله، وهذا النوع من الإبدال قياسي مطرد، وموضع ضوابطه وقواعده هذا الباب أيضا. وهناك أنواع أخرى من الإبدال توصف بأنها نادرة، أو لهجات قليلة لبعض العرب، أو مهجروة … أو غيرها هذا مما لا يعنينا هنا، فالذي يعنينا هو: "الإبدال الشائع"، أي: المطرد، الواجب إجراؤه بين حروفه معينة، وهو القياسي الذي يخضع للضوابط والقواعد العامة، ويسمونه اصطلاحا: "الإبدال الصرفي الشائع"، أو: "الإبدال الضروري، أو: اللازم"، أي: الذي لا بد من إجرائه متى تحققت ضوابطه وشروطه. ويكتفون بتسميته: "الإبدال" لأنه؛ المقصود وحده عند الإطلاق؛ بسبب قياسيته، واطراده؛ ووجوب إجرائه، فمتى ذكر اسمه من غير تقييد كان هو المراد، وكان في ذكره غني عن ذكر: "القلب". 4- العوض، أو: التعويض، ومعناه: حذف حرف، والاستغناء عنه بحرف آخر من غير تقيد في أحدهما بحرف معين، ولا اشتراط أن يحل العوض في المكان الذي خلا بحذف الأصيل؛ فقد يكون في موضعه؛ كزيادة الياء قبل الآخر في تصغير: "فرزدق" عوضا عن الدال، حيث يقال: فريزيق -جوازا- ومثل: "عدة"، وأصلها: وعد؛ حذفت الواو من الأول وجاءت تاء التأنيث في آخر الكلمة؛ عوضا عنها. ومثل: "اسم"، وأصلها: سمو1: حذفت الواو من آخر الكلمة، وجاءت همزة الوصل عوضا منها في أولها … وهكذا. والمعول عليه في معرفة العوض والمعوض عنه هو المراجع اللغوية المشتملة على الألفاظ التي وقع فيها التعويض السماعي الوارد عن العرب؛ إذ ليحس للتعويض قواعد مضبوطة تدل عليه. لكن مما يشكف عن التعويض في حروف الكلمة ويرشد إليه، الرجوع إلى جموع التكسير، أو المصادر، أو التصغير، أو نحو هذا … مما يرد الأشياء إلى أصولها -وقد سبق النص على كل منها في بابه الخاص- كالاهتداء إلى أن همزة: "ماء" منقلبة عن "الهاء" من الرجوع إلى جمع تكسيرها؛ وهو: مياه، وأمواه؛ حيث ظهرت فيه "الهاء" فكان ظهورها دليلا على أنها أصل للهمزة في: "ماء" … وكثير من هذا الجموع والمصادر والمصغرات مرجعه كتب اللغة. ونصوص ألفاظها؛ فمن العسير الاسترشاد في أمر التعويض بغير النصوص اللغوية