المنشورات

تطاول هذا الليل تسري كواكبه … وأرّقني إذ لا ضجيع ألاعبه فو الله لولا الله تخشى عواقبه … لزعزع من هذا السرير جوانبه ولكنني أخشى رقيبا موكّلا … بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه مخافة ربّي والحياء يصدّني … وإكرام بعلي أن تنال مراكبه

روي: أن عمر بن الخطاب خرج ذات ليلة يطوف في المدينة، إذ مرّ بامرأة من نساء العرب، مغلقا عليها بابها وهي تقول: (الأبيات). فقال عمر لحفصة بنت عمر: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت ستة، أو أربعة أشهر. فقال عمر: لا أحبس الجيش أكثر من هذا ... وكان زوج المرأة في جيوش الفتح. والقصة لا تصحّ سندا، ولا متنا.
والشاهد في البيت الثاني: (لولا الله تخشى .. لزعزع) .. لولا: حرف شرط .. ، الله:
لفظ الجلالة مبتدأ .. والعلماء يرون أن خبر المبتدأ بعد لولا يكون محذوفا وجوبا إذا كان كونا مطلقا كالوجود والحصول .. ولكن وردت شواهد ذكر فيها الخبر ومنها الشاهد: لأن (تخشى) خبر المبتدأ. وجواب الشرط (لزعزع).
وقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا قومك حديثو عهد بكفر ...»، وعلى عادة النحويين، فإنهم يحاولون إيجاد تأويلات بعيدة، إذا وجدوا نصوصا تخالف قواعدهم ... وكان عليهم أن يعترفوا، أن كلام العرب كثير، وقد وصلهم منه شيء وغابت عنهم أشياء، فإذا ظهر فيما بعد، ما ينقض القاعدة، فلا بأس في إضافة ما كشف عنه النص الجديد ...
ولذلك نجدهم يؤولون هذا الشاهد وغيره ويعربون (تخشى) بدل اشتمال، على أن الأصل (أن يمسكه) ثم حذف أن وارتفع الفعل - أو تقدير (تخشى) جملة معترضة، ومنهم من قال، بأنها حال .. ورفض ذلك الأخفش، لأنهم لا يذكرون الحال بعدها لأنه خبر في المعنى .. ويعجبني في هذا المقام ابن مالك صاحب الألفية، الذي اتخذ الحديث الشريف مصدرا أصيلا من مصادر اللغة والنحو فقال عند حديث (لولا قومك حديثو عهد بكفر ..): تضمّن هذا الحديث ثبوت الخبر بعد لولا، وهو مما خفي على النحويين، وجعل المبتدأ بعد لولا على ثلاثة أضرب:
الأول: مخبر عنه بكون غير مقيّد نحو «لولا زيد لزارنا عمرو» فمثل هذا يحذف خبره، لأن المعنى، لولا زيد على كلّ
حال من أحواله لزارنا عمرو، فلم تكن حال من أحواله أولى بالذكر من غيرها.
الثاني: مخبر عنه بكون مقيّد، لا يدرك معناه إلا بذكره نحو «لولا زيد غائب لم أزرك». فخبر هذا النوع واجب الثبوت، لأنّ معناه يجهل عند حذفه، ومنه الحديث «لولا قومك حديثو عهد بكفر ..» فلو اقتصر في مثل هذا على المبتدأ لظنّ أنّ المراد: لولا قومك على كل حال من أحوالهم، لنقضت الكعبة، وهو خلاف المقصود، لأن من أحوالهم، بعد عهدهم بالكفر فيما يستقبل، وتلك الحال لا تمنع من نقض الكعبة.
الثالث: وهو المخبر عنه بكون مقيّد يدرك معناه عند حذفه، كقولك: «لولا أخو زيد ينصره، لغلب» فيجوز في مثل هذا إثبات الخبر وحذفه لأنّ فيها شبها ب (لولا زيد لزارنا عمرو) وشبها ب (لولا زيد غائب لم أزرك). فجاز فيها ما وجب فيهما من الحذف والثبوت .. ، اه.
ويمكن أن يقال في (لولا الله تخشى ...) ما قيل في النوع الثالث .. فلو قالت: «لولا الله لزعزع» استقام المعنى، وفهم المقصود .. ولمّا قالت: (لولا الله تخشى ..) عينت حالة من الحالات التي تعتري المسلم عند ذكر ربّه، وهي الخشية، بل إن الإخبار عن الله
(بالمخشيّ) هنا أقوى من حذف الخبر .. فالله يذكر، للخشية منه، ولرحمته، وجبروته، ونعمائه .. الخ .. ولكل حال خبر .. والمرأة هنا ذكرت الخشية من الله، لأنها في مقام وسوسة الشيطان لها بالذنب .. والله أعلم. [شرح أبيات المغني ج 5/ 122، والخزانة ج 10/ 333، وشرح المفصل/ 9/ 23].




مصادر و المراجع :

١-  شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية «لأربعة آلاف شاهد شعري»

المؤلف: محمد بن محمد حسن شُرَّاب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید