المنشورات

‌‌نشأة علم البيان وتطوّره

ترتبط «البلاغة العربية» في الأذهان عند ذكرها بعلومها الثلاثة المعروفة لنا اليوم وهي: علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع.
وقد يتبادر إلى بعض الأذهان أنّ هذه العلوم الثلاثة البلاغية قد نشأ كل واحد منها مستقلا عن الآخر بمباحثه ونظرياته، ولكن الواقع غير ذلك.
فالواقع أنّ البلاغة العربية قد مرّت بتاريخ طويل من التطور حتى انتهت إلى ما انتهت إليه، وكانت مباحث علومها مختلطا بعضها ببعض منذ نشأة الكلام عنها في كتب السابقين الأولين من علماء العربية، وكانوا يطلقون عليها «البيان».
وقد أخذت الملاحظات البيانات تنشأ عند العرب منذ العصر الجاهلي، ثمّ مضت هذه الملاحظات تنمو بعد ظهور
الإسلام لأسباب شتّى، منها تحضر العرب، واستقرارهم في المدن والأقطار المفتوحة، ونهضتهم العقلية، ثمّ الجدل الشديد الذي قام بين الفرق الدينية المختلفة في شؤون العقيدة والسياسة. فكان طبيعيا لذلك كله أن تكثر الملاحظات البيانية والنقدية تلك التي نلتقي بها في تراجم بعض الشعراء الجاهليين والإسلاميين في كتاب مثل كتاب الأغاني.
وإذا انتقلنا إلى العصر العباسي فإننا نجد بالإضافة إلى نمو الملاحظات البلاغية محاولات أولية لتدوين هذه الملاحظات وتسجيلها، كما هو الشأن في كتب الجاحظ، وبخاصة كتاب «البيان والتبيين». وقد أدّى إلى هذه النقلة الجديدة عوامل منها تطور الشعر والنثر بتأثير الحضارة العباسية، ورقي الحياة العقلية فيها، ومنها ظهور طائفتين من العلماء المعلمين عنيتا بشؤون اللغة والبيان، إحداهما طائفة محافظة هي طائفة اللغويين، وهؤلاء كانوا يعلمون رواية الأدب وأصوله اللغوية والنحوية، وكان اهتمامهم بالشعر الجاهلي والإسلامي أكثر من اهتمامهم بالشعر العباسي، وقد هداهم البحث في أساليب الشعر القديم من ناحيتيها اللغوية والنحوية إلى استنباط بعض الخصائص الأسلوبية على نحو ما نجد في كتاب سيبويه من مثل كلامه عن التقديم والتأخير، والحذف والذكر، والتعريف والتنكير، ونحو ذلك.
كذلك نلتقي بكتاب «معاني القرآن» للفرّاء «207 هـ»، والذي يعنى فيه بالتأويل وتصوير خصائص بعض التراكيب، والإشارة إلى ما في آي الذكر الحكيم من الصور البيانية.
ثمّ نلتقي بكتاب «مجاز القرآن» لأبي عبيدة معمر بن المثنى «211 هـ» الذي كان معاصرا للفراء، وهذا الكتاب لا يبحث في مجاز القرآن من الجانب البلاغي، وإنّما هو بحث في تأويل بعض الآيات القرآنية، وأبو عبيدة هذا هو أوّل من تكلم بلفظ المجاز، كما ذكر ابن تيمية في كتابه «الإيمان» ولكنه لم يتكلّم عن المجاز الذي هو قسيم الحقيقة، وإنّما المجاز عنده يعني بيان المعنى. ومع هذا فقد وردت في كتابه «مجاز القرآن» إشارات إلى بعض الأساليب البيانية كالتشبيه والاستعارة والكناية، وبعض خصائص التعبير النحوية التي لها دلالات معنوية من مثل الذكر والحذف والالتفات والتقديم والتأخير.
ومع ما اهتدى إليه كل من الفراء وأبي عبيدة من السمات والخصائص البيانية فإنّ مدلولاتها البلاغية لم تتبلور وتحدد في ذهن أي منهما أو أي من اللغويين والنحاة المعاصرين لهما.
أما طائفة العلماء المعلمين الأخرى التي ظهرت في العصر العباسي فهي طائفة علماء الكلام وفي طليعتهم المعتزلة الذين كانوا يدربون تلاميذهم على فنون الخطابة والجدل والبحث والمناظرة في الموضوعات المتصلة بفكرهم الاعتزالي. وكان هذا التدريب يعمق ويمتد حتى يشمل الكلام وصناعته وقيمته البلاغية والجمالية.
وقد حفظ لنا كتاب البيان والتبيين للجاحظ قدرا كبيرا من ملاحظات المعتزلة المتصلة بالبلاغة العربية، وهذه قد استقوها من مصدرين هما: التقاليد العربية، والثقافات الأجنبية التي شاعت في عصرهم واطلعوا عليها. فالثقافات الأجنبية التي أخذوا أنفسهم بدراستها وتعمّقوا في فلسفتها ومنطقها قد عادت عليهم بفائدتين لهما أثرهما في شؤون البلاغة: فائدة عقلية بحتة مصدرها دراسة الفلسفة الإغريقية التي نظمت عقولهم تنظيما دقيقا أعانهم على استنباط القضايا البلاغية، وفائدة أخرى ترجع إلى طلبهم معرفة ما في ثقافات الأمم الأخرى التي وصلت إليهم من قواعد البلاغة والبيان

 

مصادر و المراجع:
1-سحر البلاغة وسر البراعة
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت ٤٢٩هـ)
2-أسرار البلاغة
المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
3-الإيضاح في علوم البلاغة
المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي، المعروف بخطيب دمشق (ت ٧٣٩هـ)
4-الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز
المؤلف: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (ت ٧٤٥هـ)
5- عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح
المؤلف: أحمد بن علي بن عبد الكافي، أبو حامد، بهاء الدين السبكي (ت ٧٧٣ هـ)
6-تلوين الخطاب لابن كمال باشا دراسة وتحقيق
المؤلف: أحمد بن سليمان بن كمال باشا، شمس الدين (ت ٩٤٠هـ)
7-الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم
المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عربشاه عصام الدين الحنفي (ت: ٩٤٣ هـ)
8- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص
المؤلف: عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفتح العباسي (ت ٩٦٣هـ)
9-حاشية الدسوقي على مختصر المعاني لسعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٢ هـ) [ومختصر السعد هو شرح تلخيص مفتاح العلوم لجلال الدين القزويني]
المؤلف: محمد بن عرفة الدسوقي
10- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (ت ١٣٦٢هـ)
11-علوم البلاغة «البيان، المعاني، البديع»
المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (ت ١٣٧١هـ)
12- بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
المؤلف: عبد المتعال الصعيدي (ت ١٣٩١هـ)
13-علم البديع
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
14-علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
15- علم المعاني
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
16-البلاغة العربية
المؤلف: عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت ١٤٢٥هـ)
17-البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
18- النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
19-من قضايا البلاغة والنقد عند عبد القادر الجرجاني
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
20- أساليب بلاغية، الفصاحة - البلاغة - المعاني
المؤلف: أحمد مطلوب أحمد الناصري الصيادي الرفاعي
21-الأسلوب
المؤلف: أحمد الشايب
22- المنهاج الواضح للبلاغة
المؤلف: حامد عونى
23-خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
المؤلف: محمد محمد أبو موسى
24- البديع عند الحريري
المؤلف: محمد بيلو أحمد أبو بكر
25- شرح مائة المعاني والبيان
المؤلف: أبو عبد الله، أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي
26-البلاغة ٢ - المعاني
كود المادة: LARB٤١٠٣
المرحلة: بكالوريوس
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
27-علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید