المنشورات

كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا … لما سبقتني بالبكاء الحمائم

وقبل البيت:
لقد هتفت في جنح ليل حمامة … على فنن وهنا وإني لنائم
البيتان للشاعر نصيب بن رباح، مولى عبد العزيز بن مروان. وجنح الليل: ما مال من الليل ووهنا بعد ساعة من الليل، وقوله: لما سبقتني: اشتمل على جواب القسم وجواب «لو». [المرزوقي 1289، والعيني ج 4/ 473].
قال أبو أحمد: وقد كثر في شعرهم ذكر شجو الحمام ونوحه وذكره إلفه، فقال عديّ بن الرّقاع:
فلو قبل مبكاها بكيت صبابة … بلبنى شفيت النفس قبل التّندّم
ولكن بكت قبلي فهاج لي البكا … بكاها فقلت: الفضل للمتقدّم
وقال حميد بن ثور:
وما هاج هذا الشّوق إلا حمامة … دعت ساق حرّ ترحة وترنّما
وساق حرّ: الذكر من القماريّ، سمي بصوته.
وقال الشماخ:
كادت تساقطني والرّحل إذ نطقت … حمامة فدعت ساقا على ساق
و «ساقا» يريد هو ذكر القماريّ. ولذلك قال بعضهم: إنّ «حرّ» هو فرخها.
وقال الكميت:
تغريد ساق على ساق يجاوبها … من الهواتف ذات الطّوق والعطل
أراد بالساق الأول، الحمامة، والثاني: ساق الشجرة.
وقال آخر:
ناحت مطوّقة بباب الطاق … فجرت سوابق دمعي المهراق
والمطوّقة: الحمامة التي في رقبتها طوق. والطاق: البناء.
وقال أبو فراس:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة … أيا جارتا هل تشعرين بحالي
ويربطون غالبا بين صوت الحمام والحزن لفراق الوطن والأحبّة، ويسمعون في صوت الحمام نحيب الفقد، وشجو الثكالى، وأنين المتيمين، ولكن أبا تمام الحكيم نبّه الشعراء إلى الحقيقة عند ما قال:
لا تشجينّ لها فإنّ بكاءها … ضحك وإن بكاءك استغرام
ولكن من الذي أعلم أبا تمام أن بكاءها ضحك، أليست الحمامة خلقا من خلق الله، يمكن أن تتألم للفقد، وتحسّ بالوجد، وقد أخبرنا الله أن هذه المخلوقات أمم أمثالنا، وربما كان لها، ما لنا من الفكر والأحاسيس، وفي القرآن قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ .. الآية [النمل: 18] وهذا يدل على الوعي بالكوارث، ومعرفة طرق الوقاية منها. وإن كان لها عقل مدبّر، فمن الأقرب أن يكون لها أحاسيس. وإذا كنّا لا نفرق بين صوت الحزن، وصوت الفرح، فلا يعني ذلك أنه غير موجود. بل هو موجود، ولذلك تعددت أحاسيس الشعراء بصوت الطيور، فمنهم من يراه نواحا، ومنهم من يراه خطبة، ومنهم من يراه غناء، ومنهم من رآه سجعا، ومنه
أخذوا اسم الكلام المسجوع. والموضوع طويل، وممتع يستحقّ أن تكتب فيه رسالة بل كتاب.




مصادر و المراجع :

١-  شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية «لأربعة آلاف شاهد شعري»

المؤلف: محمد بن محمد حسن شُرَّاب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید