المنشورات

هل تذكرون إلى الدّيرين هجرتكم … ومسحكم صلبكم رحمان قربانا

البيت لجرير يهجو الأخطل النصراني من قصيدته التي مطلعها:
بان الخليط ولو طوعت ما بانا … وقطّعوا من حبال الوصل أقرانا
والشاهد. «رحمن» فهو معمول لقول محذوف وهذا القول المحذوف مصدر فيكون فيه إعمال المصدر وهو محذوف.
فقوله: رحمن: منادى بحرف نداء محذوف، وجملة النداء مقول لقول محذوف والتقدير: وقولكم يا رحمان.
قلت: هذا هجاء تافه. وما كان لجرير أن يشغل الناس به، لأنهم يعرفونه ولا يطربون لذكره. وهو أيضا، هجاء لا يؤذي الأخطل وبني تغلب، لأنهم يفعلونه وهم مؤمنون به، ويرون فيه عادة مستحسنة يربون أولادهم عليها.
ولو كان جرير بارعا في الهجاء - كما يزعم النّقاد - لجاءنا بما لم نعرف، وبما يعرفه المهجو ويكتمه، لأنه يرى فيه منقصة. وهجاء النصراني بنصرانيته، لا يعدّه النصراني عيبا، والإسلام الذي يؤمن به جرير، خيّر النصراني بين البقاء على دينه ونصرانيته، وبين الجزية، والجزية ليست عقوبة، ولكنها ضريبة حماية لهم، ولذلك، عند ما فتح خالد ابن الوليد حمص، وأخذ الجزية من أهلها، ثم سحب قواته منها، أعاد الجزية إلى أهلها، لأنّ ضريبة الجزية لا تجب إلا على من يكونون في حماية المسلمين. ولو أبيح للأخطل أن يجيب جريرا بمثل ما يهجوه به لعاب جريرا وقومه، بما يراه النصارى عيبا. فالمعركة الأدبية هنا ليست متكافئة. ومع ذلك كله، فإن هجاء النصارى وعيبهم بدينهم، ليس من المنهج الإسلامي، لأن الإسلام أبقاهم على دينهم وكفل لهم حماية أماكن عبادتهم. ولو نهج المسلمون المنهج الإسلامي الصحيح - بعد الصدر الأول - لاختار النصارى دين الإسلام، ولم يبق نصرانيّ.




مصادر و المراجع :

١-  شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية «لأربعة آلاف شاهد شعري»

المؤلف: محمد بن محمد حسن شُرَّاب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید