المنشورات

وقدّمت الأديم لراهشيه … وألفى قولها كذبا ومينا

البيت من قصيدة لعدي بن زيد العبادي، خاطب بها النعمان بن المنذر لما كان في حبسه، وعظه بها وحذره تقلب الدهر به. والأديم: النطع واللام بمعنى إلى. والراهشان:
عرقان في بطن الذراعين. وقدمت: من التقديم أي: أتت بالنطع إلى راهشيه لما فصدتهما، وضمير «قدمت» للزبّاء. وألفى، بمعنى وجد. والمين: بفتح الميم، الكذب، والشاعر يذكر للنعمان ما آل إليه أمر جذيمة الوضّاح وغدر الزبّاء به وأخذ قصير الثأر منها.
والشاهد: كذبا ومينا: على أنّ عطف المرادف إنما يكون بالواو فإن المين هو الكذب، وقد ذكر ابن هشام البيت، للاستشهاد به على أنّ الواو تختص بعطف الشيء على مرادفه.
ولعلّه يردّ على ابن مالك الذي يرى أنّ ذلك يكون أيضا ب «أو» وذكر ابن مالك منه قوله
تعالى وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً [النساء: 112].
والبيت مثال عند علماء المعاني للتطويل، وهو أن يكون اللفظ زائدا على أصل المراد، لا لفائدة، وقال الفرّاء في
«معاني القرآن» عند قوله تعالى وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ [البقرة: 53] إن العرب لتجمع بين الحرفين بمعنى واحد، إذا اختلف لفظهما «وذكر بيت عديّ بن زيد شاهدا. واستشهد ابن هشام في «المغني» على رأيه بآيات وحديث نبويّ.
قلت: قول أهل النحو، وقول علماء المعاني، في هذا العطف، فيه نظر: لأننا لو أخذنا بقولهم، لحكمنا على اللغة العربية بالفقر، ولجاء من يقول بإمكان الاستغناء عن أكثر من نصف مفردات اللغة العربية لأنّ غيرها يؤدي معناها. وهذا باطل، فالمترادفات في اللغة لا تقوم مقام بعضها البعض البعض لأنّ في كل مفردة معنى زائدا عن أختها مع وجود الاشتراك بينهما. فالبيت الذي ذكروه شاهدا يروى «كذبا مبينا» فلا ترادف. وما ذكروه من وجود الترادف في القرآن، لا يصح أن يكون لأنه ينافي إعجاز القرآن. وقد قال أبو سليمان الخطابي في كتاب «بيان إعجاز القرآن».
«إن في الكلام ألفاظا متقاربة في المعاني يحسب أكثر الناس أنها متساوية في إفادة بيان مراد الخطاب، كالعلم والمعرفة، والحمد والشكر والبخل والشحّ، والنعت والصفة ..
الخ والأمر فيها وفي ترتيبها عند علماء اللغة بخلاف ذلك، لأن لكل لفظة منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإن كانا قد يشتركان في بعضها.». وانظر أمثلة الخصوصية للمفردات في كتاب «فقه اللغة وسرّ العربية» للثعالبي. [الهمع/ 2/ 129، والدرر/ 2/ 167، وشرح أبيات المغني/ 6/ 97].




مصادر و المراجع :

١-  شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية «لأربعة آلاف شاهد شعري»

المؤلف: محمد بن محمد حسن شُرَّاب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید