المنشورات

السكاكي

هو سراج الدين أبو يعقوب يوسف بن محمد السكاكي المتوفى سنة 626 للهجرة، احترف صناعة المعادن حتى الثلاثين من عمره، ثمّ خطر له أن يخلص للعلم فتفرّغ له وأكبّ على دراسة الفلسفة والمنطق والاعتزال والفقه وأصوله، وعلوم اللغة والبلاغة حتى أتقنها.
وللسكاكي مؤلفات مختلفة، منها كتاب «مفتاح العلوم» الذي يعدّ أهم كتبه، وقد قسّمه ثلاثة أقسام رئيسية، خص الأول منها بعلم الصرف والاشتقاق بأنواعه، والثاني بعلم النحو، وخص القسم الثالث بعلم المعاني وعلم البيان وألحق بهما مبحثا عن البلاغة والفصاحة، وآخر عن المحسنات البديعية اللفظية منها والمعنوية.
وشهرة السكاكي العلمية ترجع في الواقع إلى هذا القسم من كتابه الذي أعطى فيه للمعاني والبيان والفصاحة والبلاغة والبديع الصيغة النهائية التي عكف عليها العلماء من بعده يدرسونها ويشرحونها مرارا وتكرارا. وما أعطاه لعلوم البلاغة ليس ابتكارا خالصا له، وإنّما هو تلخيص دقيق يجمع بين أفكاره الخاصة وأفكار البلاغيين من قبله.
وقد صاغ ذلك كله صياغة مضبوطة محكمة بقدرته المنطقية في التعليل والتجريد والتعريف والتقسيم والتفريع والتشعيب. وأهم الكتب التي اعتمد عليها في النهوض بهذا العمل كتاب «نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» للفخر الرازي المتوفى سنة 606 للهجرة، وكتابا «دلائل الإعجاز» و «أسرار البلاغة» لعبد القاهر الجرجاني، وكتاب «الكشاف» للزمخشري.
وقد سبقه الفخر الرازي إلى تلخيص كتابي عبد القاهر، ولكن تلخيص السكاكي أدق وأشمل. والمقارنة بين
التلخيص تظهر أنّ السكاكي كان أكثر ضبطا وتنظيما للمسائل، مع ترتيب المقدمات وإحكام القياس.
ومع ذلك فقد خلا تلخيصه من تحليلات عبد القاهر والزمخشري التي تبهر القارئ، وتحولت البلاغة في تلخيصه إلى علم طغت فيه القواعد والقوانين على روح البيان وومضاته التي تمتع النفس. وهو في سبيل استنباط القواعد والقوانين قد استخدم المنطق بأصوله وألفاظه وأسلوبه الجاف الذي لا يحوي أي جمال. ولا عجب في ذلك فقد كان همه أن يقنن البلاغة ويقعّدها كسائر العلوم الأخرى، وهذا أمر يستعان عليه بالمنطق.
وما يعنينا هنا هو كلام السكاكي عن علم البيان، وقد عرفه بقوله:
«إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه». وفي مقدمة تلخيصه لقضايا علم البيان تعرض للكلام عن الدلالات وكان في كلامه عنها متأثرا برأي الفخر الرازي فيها. وقد قسمها إلى الدلالة الوضعية للألفاظ، والدلالة العقلية أو الالتزامية، وعن الدلالة الأولى يقول إنّه لا يجوز إرجاع الفصاحة والبلاغة إلى الدلالة اللفظية، غير أنّه قد يلابسها ما يفيد الكلام جمالا وزينة.
أمّا الدلالة العقلية أو الالتزامية فهي التي تجري في الصور البيانية وهي تختلف عن الدلالة الوضعية وهذه الدلالة العقلية أو الالتزامية إمّا أن تكون من باب دلالة اللازم على الملزوم كدلالة كثرة الرماد على الكرم في الكناية، وإما من باب دلالة الملزوم على اللازم، أي دلالة المسبب على السبب كقوله تعالى:
وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً فالرزق لا ينزل من السماء ولكن الذي ينزل مطر ينشأ عنه النبات الذي منه طعامنا ورزقنا، فالرزق هو المسبب أو الملزوم الذي دلّ على السبب أو اللازم، وذلك على نحو ما هو معروف في المجاز المرسل.
ثمّ يخلص من هذه المقدمة التي يغلب عليها أسلوب المنطق إلى أن علم البيان يتناول التشبيه والمجاز والكناية.
ومباحث التشبيه عند السكاكي تتناول أربعة موضوعات هي:
طرفاه، ووجهه، والغرض منه، وأحواله في القرب والغرابة، والقبول والرفض.
فطرفا التشبيه إما أن يدركا بالحس كتشبيه الوجه بالقمر، وإما أن يدركا بالخيال كتشبيه شقائق النعمان (1) على أغصانها بأعلام ياقوت على رماح من زبرجد. فالتشبيه الخيالي هو المعدوم الذي فرض مجتمعا من أمور كل واحد منها يدرك بالحس، فإنّ الأعلام الياقوتية المنشورة على الرماح الزبرجدية مما لا يدرك بالحس، لأنّه لا وجود لها في عالم الواقع، ولكن المادة التي تركب منها التشبيه، أي الأعلام والياقوت والرماح والزبرجد كل منها محسوس بالبصر. وإما أن يدرك طرفا التشبيه بالوهم كما إذا قدرنا صورة وهمية للموت وشبهناها بالمخلب أو الناب، وإما أن يدركا بالعقل كتشبيه العلم بالحياة، وإما أن يدركا بالوجدان كاللذة والألم والشبع والجوع. وهذه تقسيمات للتشبيه واستحدثها السكاكي متأثرا بكلام الفلاسفة وعلماء الكلام في صور الإدراك

 

مصادر و المراجع:
1-سحر البلاغة وسر البراعة
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت ٤٢٩هـ)
2-أسرار البلاغة
المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
3-الإيضاح في علوم البلاغة
المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي، المعروف بخطيب دمشق (ت ٧٣٩هـ)
4-الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز
المؤلف: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (ت ٧٤٥هـ)
5- عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح
المؤلف: أحمد بن علي بن عبد الكافي، أبو حامد، بهاء الدين السبكي (ت ٧٧٣ هـ)
6-تلوين الخطاب لابن كمال باشا دراسة وتحقيق
المؤلف: أحمد بن سليمان بن كمال باشا، شمس الدين (ت ٩٤٠هـ)
7-الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم
المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عربشاه عصام الدين الحنفي (ت: ٩٤٣ هـ)
8- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص
المؤلف: عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفتح العباسي (ت ٩٦٣هـ)
9-حاشية الدسوقي على مختصر المعاني لسعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٢ هـ) [ومختصر السعد هو شرح تلخيص مفتاح العلوم لجلال الدين القزويني]
المؤلف: محمد بن عرفة الدسوقي
10- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (ت ١٣٦٢هـ)
11-علوم البلاغة «البيان، المعاني، البديع»
المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (ت ١٣٧١هـ)
12- بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
المؤلف: عبد المتعال الصعيدي (ت ١٣٩١هـ)
13-علم البديع
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
14-علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
15- علم المعاني
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
16-البلاغة العربية
المؤلف: عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت ١٤٢٥هـ)
17-البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
18- النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
19-من قضايا البلاغة والنقد عند عبد القادر الجرجاني
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
20- أساليب بلاغية، الفصاحة - البلاغة - المعاني
المؤلف: أحمد مطلوب أحمد الناصري الصيادي الرفاعي
21-الأسلوب
المؤلف: أحمد الشايب
22- المنهاج الواضح للبلاغة
المؤلف: حامد عونى
23-خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
المؤلف: محمد محمد أبو موسى
24- البديع عند الحريري
المؤلف: محمد بيلو أحمد أبو بكر
25- شرح مائة المعاني والبيان
المؤلف: أبو عبد الله، أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي
26-البلاغة ٢ - المعاني
كود المادة: LARB٤١٠٣
المرحلة: بكالوريوس
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
27-علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید