المنشورات

ورثت مهلهلا والخير منه … زهيرا نعم ذخر الذّاخرينا

البيت لعمرو بن كلثوم من معلقته. ومهلهلا: جدّ الشاعر من قبل أمّه. وهو المذكور في حرب البسوس، أخو كليب بن وائل الذي قتله جساس، وقامت الحرب من أجله.
وزهير جدّ الشاعر من قبل أبيه، وهو جدّ بعيد وليس الجدّ الأدنى.
وقوله: ورثت: مهلهلا. أي: ورث مجد مهلهل على تقدير مضاف وكذلك زهير.
وزهيرا: يعرب عطف بيان للخير. ونعم: فعل مدح. وفاعله «ذخر» والمخصوص بالمدح زهير. أي: نعم ذخر
الذاخرين مجد زهير.
والشاهد (والخير منه) وهو مشكل: فاسم التفضيل لا يستعمل إلا بمن إذا كان نكرة، فإذا عرّف أو أضيف خلا من «من» الجارة، وقد خرجوه على أن (ال) زائدة، و «من» في «منه» تفضلية. ويجوز أن يقدّر «أفعل» آخر عاريا من اللام - يتعلق به «من» والتقدير:
«والخير خيرا منه».
قال أبو أحمد: إن النحويين قد استعجلوا في إصدار الأحكام وتعميم القواعد، ولم يكن استقراؤهم النصوص كاملا، أو أنهم استقرؤوا ما وصل إليهم فظنوا أنه كلّ ما قالته العرب، فإذا جاءتهم بعد ذلك نصوص تخالف قواعدهم عزّ عليهم أن يرجعوا عنها، وأخذوا يؤولون ما يجدونه. وقد مضى معنا في هذا الحرف بيت الشاعر:
وإن دعوت إلى جلّى ومكرمة … ... فادعينا
فجلّى، فعلى مؤنث أجلّ، وهو نكرة. ولم يقترن ب (من) فأولوه ليناسب القاعدة والبيت الشاهد: خالف القاعدة وجاء اسم التفضيل معرفا مقرونا بأل، فأوّلوه أيضا.
قلت: ولماذا لا يكون قول عمرو صحيحا، إذا صحت نسبته إليه، وبه نقول بجواز
الوجهين، وليس هناك مانع معنوي، ونحن نفهم التفضيل لو قال (خيرا) أو «الخير» فهذه القصيدة التي منها البيت، معلقة، وهم يزعمون أن المعلقات خير ما قيل من الشعر الجاهلي. ولكن لي تعليقة نقدية على هذا البيت غير ما ذكروا، وهي: أن البيت نظم بارد لا حياة فيه تهزّ المشاعر، وتزيد برودة البيت عند ما تقرأ معه البيت التالي الذي يعدد فيه بقية آبائه، وهو:
وعتّابا وكلثوما جميعا … بهم نلنا تراث الأكرمينا
فهو لم يزد على أن عدّ أسماء آبائه وأجداده، دون أن ينسب لهم عملا يحرك في نفس القارئ نوعا من التقدير لهم.
ثم إنه قال. مهلهلا، والخير منه: وما كان له أن يفاضل بين أجداده، ويجعل جدّه من ناحية أبيه خيرا من جده من ناحية أمه. وكان عليه أن يجعلهما فاضلين مع وجود التفاوت في المرتبة في النفس. وإذا كان زهير خيرا من مهلهل، فلماذا قدم مهلهلا في الذكر.
فكان بإمكانه أن يقدم المفضّل، زهيرا، ويتبعه بالمهلهل، ويستغنى عن لفظ التفضيل، وإذا كان هناك تفضيل عرفه السامع من السياق، لكونه قدّم زهيرا على المهلهل ... ولو أنه جاء باسم التفضيل دون أن يتبعه ب (من) التفضيلية، لقلنا إن اسم التفضيل، لا يراد به الزيادة في الدرجة. وأنه يريد به «الفاضل» حيث تخرج أحيانا صيغة
التفضيل عن معنى المفاضلة إلى معنى اسم الفاعل، كما قال الفرزدق:
إنّ الذي سمك السماء بنى لنا … بيتنا دعائمه أعزّ وأطول




مصادر و المراجع :

١-  شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية «لأربعة آلاف شاهد شعري»

المؤلف: محمد بن محمد حسن شُرَّاب

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید