المنشورات
البقَاعي
النحوي، المفسر: إبراهيم بن عمر بن حسن الرُباط بن علي بن أي بكر الخرباوي البقاعي، برهان الدين، وكنى نفسه (أبا الحسن)، ويقال: إنه لُقْب (ابن عويجان) تصغيرًا من (أعوج).
ولد: سنة (809 هـ) تسع وثمانمائة.
من مشايخه: التاج بن بهادر في الفقه والنحو، وقرأ على ابن الجزري وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
* الوجيز: "صاحب تلك العجائب والنوائب والقلاقل، والمسائل المتناقضة المتعارضة. ممن صنَّف، وانتقى، وحدَّث، ودرّس، وشارك في الجملة، ولكن أهلكه التيه، وحب الشرف والسمعة، وأنزل نفسه محلًا لم ينته لِعُشْره، بحيث زعم أنه قيّم العصريين بكتاب الله وسنة رسوله، وأنه أبدى ببديهته جوابًا مكث التقي السبكي واقفًا عنه أربعين سنة، وأنه لا يخرج عن الكتاب والسنة، بل هو متطبع بطباع الصحابة، مع رميه للناس بما يقابله الله عليه، حتى إنه طعن في حافظ الشام ابن ناصر الدين إلى غيره من الأكابر، كالقاياتي والنويري، وما سَلِمَ منه أحد، وليس بثقة ولا صدوق".
ثم قال: "والمعروف من عادته أنه إذا تكلم أحد فيه يصبر ويحتسب، فإذا فعل هو المندوب، وجب على الناس الذب عنه. وكيف لا، وأغلب أحواله سعيه في نفع أصحابه، لاسيما الشاميين. ما كان إلا كهفًا لهم، كانوا يترددون إليه لمَّا كانوا محتاجين إليه وهو في بلد العز لينتفعوا به، فأقلّ ما له عندهم أن يفعلوا معه ما كان يفعل معهم، وأهون من ذلك تركه، وما هو عليه من نفع عباد الله بالتدريس والتذكير بالميعاد، ونحو هذا" أ. هـ.
* الضوء اللامع: "وما أحسن قول شيخ الحنابلة وقاضيهم العز الكناني، وكان قديمًا من أكبر أصحابه مما سمعه منه غير واحد من الثقات: والله إنه لم يتبع سنة واحدة وإنه لأشبه بالخوارج في تنميق المقاصد الخبيثة وإخراجها في قالب الديانة".
ثم قال: "وما أحقه بما ترجم هو به النويري المشار إليه حيث قال: مما قرأته بخطه فيه رأيته من أفجر عباد الله يظهر لمن يجهله أثوابًا من الدين وتنسكًا يملك به قلبه ويغتال عليه دينه ... وقلبه ممتلئ مكرًا وحسدًا وكبرًا وله في كل من ذلك حكايات تسود الصحائف وتبيض النواص .. ".
ثم قال السخاوي: وما علمت أحدًا سلم من آذاه لا الشيوخ ولا الأقران ولا من يليهم من كل بلد دخله بالنظم وبالنثر .. ".
وقال: "كان كلامه في المدح والقدح غير مقبول عند المتقين من أئمة المعقول والمنقول".
* البدر الطالع: "برع في جميع العلوم وفاق الأقران، لا كما قال السخاوي .. وله كتاب في التفسير جعله بالمناسبة بين الآى والسور، وقد جوز في هذا الكتاب النقل من الإنجيل والتوراة، .. ومن محاسنه التي جعلها السخاوي من جملة عيوبه بسبب الخلاف بينهما ما نقله عنه: أنه قال في وصف نفسه أنه لا يخرج عن الكتاب والسنة بل هو متطبع بطباع الصحابة. وهذه منقبة شريفة ومنقبة منيفة" أ. هـ.
* فهرس الفهارس: "وكان البقاعي المذكور من أكابر أصحاب ابن حجر" أ. هـ.
* أعلام الفكر: "كان مؤرخًا وأديبًا، غزير الكتابة وعالمًا بالحساب، والمساحة والهندسة، ونظم الشعر في بعض المناسبات" أ. هـ.
* قلت بعد اطلاعنا على تفسيره "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" وجدناه يذهب في تأويلاته للأسماء والصفات مذهب الأشعرية وذلك واضح فيما نقلناه وانتخبناه من مواضع من تفسيره هذا ..
قال في تفسيره (1/ 82) عن الاستواء:
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} أي وشرف على ذلك جهة العدو بنفس الجهة والحسن والطهارة وكثرة المنافع، ثم علق إرادته ومشيئته بتسويتها من غير أدنى عدول ونظر إلى غيرها، وفخم أمرها بالإبهام ثم التفسير، والإفراد الصالح لجهة العلو تنبيهًا على الشرف، وللجنس الصالح للكثرة، ولذلك أعاد الضمير جمعًا، فكان خلق الأرض وتهيئتها لما يراد منها قبل خلق السماء، ودحوها بعد خلق السماء؛ على أن ثم للتعظيم لا للترتيب فلا إشكال، وتقديم الأرض هنا لأنها أدل لشدة الملابسة والمباشرة. وقال الحرالي: أعلى الخطاب بذكر الاستواء إلى السماء الذي هو موضع التخوف لهم لنزول المخوفات منه عليهم فقيل لهم: هذا المحل الذي تخافون منه هو استوى إليه، ومجرى لفظ الاستواء في الرتبة والمكانة أحق بمعناه من موقعه في المكان والشهادة؛ وبالجملة فالأحق بمجرى الكلِم وقوعها نبأ عن الأول الحق، ثم وقوعها نبأ عما في أمره وملكوته، ثم وقوعها نبأ عما في ملكه وإشهاده؛ فلذلك حقيقة اللفظ لا تصلح أن تختص بالمحسوسات البادية في الملك دون الحقائق التي من ورائها من عالم الملكوت، وما به ظهر الملك والملكوت من نبأ الله عن نفسه من الاستواء ونحوه في نبأ الله عن نفسه أحق حقيقة، ثم النبأ به عن الروح مثلًا واستوائها على الجسم ثم على الرأس مثلًا واستوائه على الجثة فليس تستحق الظواهر حقائق الألفاظ على بواطنها بل كانت البواطن أحق باستحقاق الألفاظ؛ وبذلك يندفع كثير من لبس الخطاب على المقتصرين بحقائق الألفاظ على محسوساتهم".
وقال في الاستواء في سورة الأعراف (3/ 40): {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أي أخذ في التدبير لما أوجده وأحدث خلقه أخذًا مستوفى مستقصى مستقلًا به لأن هذا شأن من يملك ملكأ وياخذ في تدبيره وإظهاره أنه لا منازع له في شيء منه وليكون خطاب الناس على ما ألفوه من ملوكهم لتستقر في عقولهم عظمته سبحانه، وركز في فطرهم الأولى من نفي التشبيه منه، ويقال: فلان جلس على سرير الملك، وإن لم يكن هناك سرير ولا جلوس، وكما يقال في ضد ذلك: فلان ثل عرشه، أي ذهب عزه وانتقض ملكه وفسد أمره، فيكون هذه كناية لا يلتفت فيه إلى أجزاء التركيب، والألفاظ على ظواهرها كقولهم للطويل: طويل النجاد، وللكريم: عظيم الرماد.
ولما كان سبحانه لا يشغله شأن عن شأن، ابتدأ من التدبير بما هو آية ذلك بمشاهدته في تغطية الأرض بظلامه في آن واحد، فقال دالًا على كمال قدرته المراد بالاستواء بأمر يشاهد كل يوم على كثرة منافعه التي جعل سبحانه بها انتظام هذا الوجود".
وقال في الاستواء أيضًا والعرش في بداية سورة طه (9/ 5):
[فقال: {عَلَى الْعَرشِ} الحاوي لذلك كله {اسْتَوَى} أي أخذ في تدبير ذلك منفردًا، فخاطب العباد بما يفهمونه من قولهم: فلان استوى، أي جلس معتدلًا على سرير الملك، فانفرد بتدبيره وإن لم يكن هناك سرير ولا كون عليه أصلًا، هذا روح هذه العبارة، كما أن روح قوله عليه الصلاة والسلام الذي رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما "القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف شاء" أنه سبحانه وتعالى عظيم القدرة على ذلك، وهو عليه يسير خفيف كخفته على من هذا حاله، وليس المراد أن هناك إصبعًا أصلًا -نبه على ذلك حجة الإسلام الغزالي، ومنه أخذ الزمخشري أن يد فلان مبسوطة كناية عن جواد وإن لم يكن هناك يد ولا بسط أصلًا".
أما في الرؤية فقد قال (1/ 136):
"وقال تعالى: (وُجُوة يَوْمَئِذٍ نَاظِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23] وقال عليه الصلاة والسلام: "إنكم ترون ربكما فالاسم المذكور لمعنى الرؤية إنما هو الرب لما في اسم الله تعالى من الغيب الذي لا يذكر لأجله إلا مع ما هو فوت لا مع ما هو في المعنى نيل، وذلك لسر من أسرار العلم بمواقع معاني الأسماء الحسنى فيما يناسبها من ضروب الخطاب والأحوال والأعمال، وهو من أشرف العلم الذي يفهم به خطاب القرآن حتى يضاف لكل اسم ما هو أعلق في معناه وأولى به وإن كانت الأسماء كلها ترجع معاني بعضها لبعض".
وقال في صفة الصبغة (1/ 256): "وجعل الحرالي {صَبْغَةَ اللهِ} أي هيئة صبغ الملك الأعلى التي هي حلية المسلم وفطرته كما أن الصبغة حلية المصبوغ حالًا تقاضاها معنى الكلام، وعاب على النحاة كونهم لا يعرفون الحال إلا من الكلم المفردة ولا يكادون يتفهمون الأحوال من جملة الكلام، وقال: الصيغة تطوير معاجل بسرعة وحيه، وقال: فلما كان هذا التلقين تلقينًا وحيًا سريع التصيير من حال الضلال المبين الذي كانت فيه العرب في جاهليتها إلى حال الهدى المبين الذي كانت فيه الأنبياء في هدايتها من غير مدة جعله تعالى صبغة كما يصبغ الثوب في الوقت فيستحيل من لون إلى لون في مقابلة ما يصبغه أهل الكتاب باتباعهم المتبعين لهم في أهوائهم في نحو الذي يسمونه الغِطاس {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ} أي الذي له الكمال كله {صِبْغَةً} لأنها صبغة قلب: لا تزول لثباتها بما تولاها الحفيظ العليم، وتلك صبغة جسم لا تنفع، وفيه إفهام بما يختص به الذين آمنوا من انقلاب جوهرهم نورًا، كلما قال عليه الصلاة والسلام: اللهم اجعلني نورًا! فكان ما انقلب إليه جوهر الأئمة انصبغت به قلوب الأمة".
وقال فِي معنى الكرسي (1/ 497):
"ثم بين ما في هذه الجملة من إحاطة علمه وتمام قدرته بقوله مصورًا لعظمته وتمام علمه وكبريائه وقدرته بما اعتاده الناس في ملوكهم: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} ومادة كرس تدور على القوة والاجتماع والعظمة والكرس الذي هو البول والبعر المبلد مأخوذ من ذلك. وقال الأصفهاني: الكرسي ما يجلس عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد، وقال الحرالي: معنى الكرعى هو الجمع، فكل ما كان أتم جمعًا فهو أحق بمعناه، ويقال على المرقى للسرير الذي يسمى العرش الذي يضع الصاعد عليه قدمه إذا صعد وإذا نزل وحين يستوي إن شاء: كرسي، ثم قال: والكرسي فيه صور الأشياء كلها جميعًا بدت آيته في الأرض التي فيها موجودات الأشياء كلها، فما في الأرض صورة إلا ولها في الكرسي مثل، فما في العرش إقامته ففي الكرسي أمثلته، وما في السماوات إقامته ففي الأرض صورته، فكان الوجود مثنيًا كما كان القرآن مثاني إجمالًا وتفصيلًا في القرآن ومدادًا وصورًا في الكون، فجمعت هذه الآية العلية تفصيل المفصلات وانبهام صورة المداديات بنسبة ما بين السماء وما منه، وجعل وسع الكرسي وسعًا واحدًا".
وقال في صفة (اليد) (2/ 496):
" {وَقَالتِ الْيَهُودُ} معبرين عن البخل والعجز جرأة وجهلًا بأن قالوا ذاكرين اليد لأنها موضع القدرة وإفاضة الجود والنصرة: {يدُ اللهُ} أي الذي يعلم كل عاقل أن له صفات الكمال {مَغْلُوْلَةٌ} أي فهو لا يبسط الرزق غاية البسط، وهذا كناية عن البخل والعجز من غير نظر إلي مدلول كل من ألفاظه على حياله أصلًا، كما قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29]، ولم يقصد من ذلك غير الجود وضده، لا غل ولا عنق ولا بسط أصلًا، بل صار هذا الكلام عبارة عما وقع مجازًا عنه، كأنهما متعاقبان على معنى واحد، حتى لو جاد الأقطع إلى المنكب لقيل له ذلك، ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة، منه الاستواء (وقالت: في السماء) المراد منه -كما قاله العلماء- أنه ليس مما يعبده المشركون من الأوثان، قال في الكشاف: ومن لم ينظر في علم البيان عمي عن تبصر حجة الصواب في تأويل أمثال هذه الآية، ولم يتخلص عن يد الطاعن إذا عبثت به".
وذكر الكلام فقال (3/ 108):
"فقال {وَكَلَّمَهُ} أي من غير واسطة {رَبَّهُ} أي المحسن إليه بأنواع الاحسان المتفضل على قومه بأنواع الامتنان، والذي سمعه موسى عليه السلام عند أهل السنة من الأشاعرة هو الصفة الأزلية من غير صوت ولا حرف، ولا بعد في ذلك كما لا بعد في رؤية ذاته سبحانه وهي ليست بحسم ولا عرض ولا جوهر، وليس كمثله شيء، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سبحانه كلمه في جميع الميقات وكتب له الألواح، وقيل: إنما كلمه في أول الأربعين، والأول أولى".
وقال في قوله تعالى: {وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً} [هود: 63]، في (3/ 549):
"أي أوامر هي سبب الرحمة".
وقال في "القرب" (7/ 155):
"ولما كان العالم بالشيء كلما كان قريبًا منه كان علمه به أثبت وأمكن، قال ممثلًا لعلمه ومصورًا له بما نعلم أنه موجبه: {وَنَحْنُ} بما لنا من العظمة {أَقرَبُ إِلَيهِ} قرب علم وشهود من غير مسافة {مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ} لأن أبعاضه وأجزاءه تحجب بعضها بعضًا، ولا يحجب علم الله شيء، والمراد به الجنس" أ. هـ.
قلت: وما نقلناه من تأويلات لأسماء الله تعالى وصفاته مما يدل على توجهه الأشعري في إثبات وتأويل تلك الصفات، ومن أراد المزيد فليراجع تفسيره المذكور .. والله أعلم بالصواب.
قلت: ولقد كان برهان الدين البقاعي، ممن تصدوا إلي الصوفية، وقد ألف في الردِّ على أبي عربي كتابًا يفضح فيه مقالات ابن عربي في وضوحه وما اعتقده من الزندقة والكفر، وسماه "تنبيه الغبي في تكفير ابن عربي"، وهو في ذلك تسديدًا على الصوفية في اعتقادهم على ما اعتقده ابن عربي، وقد ذكر "عبد الرحمن الوكيل" في مقدمته للكتاب، وقد سماه "مصرع التصوف" من أنه -أي البقاعي، قد بنى كفر وزندقة ابن عربي نقلًا من وضوحه: مع تعليقات بسيطة عليه أو نقولات من العلماء الذين كفروا ابن عربي أو احطوا عليه، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية بنقل دين منه.
وفاته: في (18 رجب) سنة (885 هـ) خمس وثمانين وثمانمائة.
من مصنفاته: "ما لا يستغني إن الإنسان في ملح اللسان"، و"الضوابط والإشارات لأجزاء علم القراءات"، و"نظم الدرر في تناسب الآي والسور" في التفسير.
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير
والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من
طرائفهم»
7 سبتمبر 2023
تعليقات (0)