المنشورات

طرفا التشبيه: إما

1- حسيّان: والمراد بالحسيّ ما يدرك هو أو مادته بإحدى الحواس الخمس الظاهرة؛ ومعنى هذا أنهما قد يكونان من المبصرات، أو المسموعات، أو في المذوقات، أو المشمومات، أو الملموسات:
أ- فيكونان من المبصرات، أي مما يدرك بالبصر من الألوان والأشكال والمقادير والحركات وما يتصل بها، كقوله تعالى: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ فالجامع البياض والحمرة. وكقول الشاعر:
أنت نجم في رفعة وضياء … تجتليك العيون شرقا وغربا
فالمخاطب الممدوح هنا شبّه بالنجم في الرفعة والضياء.
ونحو تشبيه الخد بالورد في البياض المشرب بحمرة، وتشبيه الوجه الحسن بالشمس والقمر في الضياء والبهاء، والشعر بالليل في السواد.
ب- ويكونان من المسموعات، أي مما يدرك بالسمع من الأصوات الضعيفة والقوية والتي بين بين، نحو تشبيهك صوت بعض الأشياء بصوت غيره، كتشبيه صوت المرأة الجميل بصوت البلبل، وصوت الغاضب الهائج بنباح الكلاب، وكقول امرئ القيس:
يغط غطيط البكر شد خناقه … ليقتلني والمرء ليس بقتّال
فامرؤ القيس يصور هنا غضب رجل أظهرت امرأته ميلا نحو الشاعر، فيشبه غطيط أو صوت هذا الزوج المغيظ المحنق بغطيط البكر وهو الفتيّ من الإبل الذي يشد حبل في خناقه لترويضه وتذليله.
ج- ويكونان في المذوقات، أي مما يدرك بالذوق من المطعوم، كتشبيه بعض الفواكه الحلوة بالعسل والسكر، والريق بالشهد أو الخمر، وكقول الشاعر:
كأن المدام وصوب الغمام … وريح الخزامى وذوب العسل
يعل به برد أنيابها .. … إذا النجم وسط السماء اعتدل د- ويكونان في المشمومات، أي مما يدرك بحاسة الشم من الروائح، وهذا نحو تشبيه رائحة بعض الرياحين برائحة الكافور والمسك، وتشبيه النّكهة بالعنبر، وتشبيه أنفاس الطفل بعطر الزهر، وتشبيه رائحة فم المرأة وأعطافها بعد النوم بالمسك.
هـ- ويكونان في الملموسات، أي في كل ما يدرك باللمس من الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، والخشونة والملاسة، واللين والصلابة، والخفة والثقل وما يتصل بها؛ كتشبيه اللين الناعم بالخز، والجسم بالحرير، وكقول الشاعر:
لها بشر مثل الحرير ومنطق … رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
2 - أو عقليان: والمراد بالطرفين العقليين أنهما لا يدركان بالحس بل بالعقل، وذلك كتشبيه العلم بالحياة، والجهل بالموت، فقد شبه هنا معقول بمعقول، أي أن كلا منهما لا يدرك إلا بالعقل.
3 - أو مختلفان: وذلك بأن يكون أحدهما عقليا والآخر حسيّا، كتشبيه المنيّة بالسبع، والمعقول هو المشبه، والمحسوس هو المشبه به، وكتشبيه العطر بالخلق الكريم، فالمشبه وهو العطر محسوس بالشم، والمشبه به وهو الخلق عقليّ.
والتشبيه الحسي الذي يدرك هو أو مادته بإحدى الحواس الخمس يدخل فيه أو يلحق به التشبيه «الخيالي». والتشبيه الخيالي هو المركب من أمور كل واحد منها موجود يدرك بالحسّ، لكن هيئته التركيبية ليس لها وجود حقيقي في عالم الواقع، وإنما لها وجود متخيّل أو خيالي.
ولكن لأن أجزاء التشبيه الخيالي موجودة تدرك بالحس ألحق بالتشبيه الحسي، لاشتراك الحس والخيال في أن المدرك بهما صورة لا معنى، وذلك كقول الشاعر:
وكأنّ محمرّ الشقي … ق إذا تصوّب أو تصعّد
أعلام ياقوت نشر … ن على رماح من زبرجد (1)
فالهيئة التركيبية التي قصد التشبيه بها هنا، وهي نشر أعلام مخلوقة من الياقوت على رماح مخلوقة من الزبرجد لم تشاهد قط لعدم وجودها في عالم الحس والواقع، ولكن العناصر التي تألفت منها هذه الصورة المتخيلة، من الأعلام والياقوت والرماح والزبرجد موجودة في عالم الواقع وتدرك بالحس.
ويدخل البلاغيون في التشبيه العقلي ما يسمونه بالتشبيه «الوهميّ»، وهو ما ليس مدركا بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، ولكنه لو وجد فأدرك، لكان مدركا بها، كما في قوله تعالى في شجرة الزقوم التي تخرج في أصل الجحيم: «طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ»، وكقول امرئ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي … ومسنونة زرق كأنياب أعوال؟
فالشياطين (2) والغول وأنيابها مما لا يدرك بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، ولكنها لو وجدت فأدركت لكان إدراكها عن طريق حاسة البصر ويدخل في العقلي أيضا ما يدرك بالوجدان، كاللذة والألم، والشّبع والجوع، والفرح والغضب. وما يدرك بالوجدان يعني ما يدرك بالقوى الباطنية مثل القوة التي يدرك بها الشّبع، والتي يدرك بها الجوع، وكالقوة الغضبية التي يدرك بها الغضب، وكذلك القوة التي يدرك بها الفرح والخوف وغير ذلك من الغرائر.
فمثل هذه المعاني توجد بفعل قوى باطنية تدركها النفس بها، وتسمى تلك القوى وجدانا، والمدركات بها وجدانيات. وقد سميت عقلية لخفائها وعدم إدراكها بالحواس الظاهرة، كالألوان المدركة بالعين، والطعم المدرك بالذوق

 

مصادر و المراجع:
1-سحر البلاغة وسر البراعة
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت ٤٢٩هـ)
2-أسرار البلاغة
المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
3-الإيضاح في علوم البلاغة
المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي، المعروف بخطيب دمشق (ت ٧٣٩هـ)
4-الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز
المؤلف: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (ت ٧٤٥هـ)
5- عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح
المؤلف: أحمد بن علي بن عبد الكافي، أبو حامد، بهاء الدين السبكي (ت ٧٧٣ هـ)
6-تلوين الخطاب لابن كمال باشا دراسة وتحقيق
المؤلف: أحمد بن سليمان بن كمال باشا، شمس الدين (ت ٩٤٠هـ)
7-الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم
المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عربشاه عصام الدين الحنفي (ت: ٩٤٣ هـ)
8- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص
المؤلف: عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفتح العباسي (ت ٩٦٣هـ)
9-حاشية الدسوقي على مختصر المعاني لسعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٢ هـ) [ومختصر السعد هو شرح تلخيص مفتاح العلوم لجلال الدين القزويني]
المؤلف: محمد بن عرفة الدسوقي
10- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (ت ١٣٦٢هـ)
11-علوم البلاغة «البيان، المعاني، البديع»
المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (ت ١٣٧١هـ)
12- بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
المؤلف: عبد المتعال الصعيدي (ت ١٣٩١هـ)
13-علم البديع
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
14-علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
15- علم المعاني
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
16-البلاغة العربية
المؤلف: عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت ١٤٢٥هـ)
17-البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
18- النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
19-من قضايا البلاغة والنقد عند عبد القادر الجرجاني
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
20- أساليب بلاغية، الفصاحة - البلاغة - المعاني
المؤلف: أحمد مطلوب أحمد الناصري الصيادي الرفاعي
21-الأسلوب
المؤلف: أحمد الشايب
22- المنهاج الواضح للبلاغة
المؤلف: حامد عونى
23-خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
المؤلف: محمد محمد أبو موسى
24- البديع عند الحريري
المؤلف: محمد بيلو أحمد أبو بكر
25- شرح مائة المعاني والبيان
المؤلف: أبو عبد الله، أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي
26-البلاغة ٢ - المعاني
كود المادة: LARB٤١٠٣
المرحلة: بكالوريوس
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
27-علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

28-علم البيان

المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید