المنشورات

ابن كثير

المفسر: إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القيسي البصروي الشيخ عماد الدين.
ولد: سنة (700 هـ) سبعمائة أو بعدها بيسير، وقيل (701 هـ) إحدى وسبعمائة.
من مشايخه: ابن الشحنة، والمزي، والدبوسي، وابن تيمية وغيرهم.
من تلاميذه: ابن حِجّي، وغيره.
كلام العلماء فيه:
* المعجَم المختص للذهبي: "فقيه، متقن، ومحدث متقن، ومفسر نقال، وله تصانيف مفيدة يدري الفقه، ويفهم العربية والأصول، ويحفظ جملة صالحة، من المتون والتفسير، والرجال وأحوالهم، سمع مني، وله حفظ ومعرفة، يدمج قراءته" أ. هـ.
* الدرر: "كان كثير الاستحضار، حسن المفاكهة ... كان من محدثي الفقهاء" أ. هـ.
* إنباء الغمر: "قال ابن حِجي: ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه، وقد لازمته ست سنين" أ. هـ.
* ذيل العبر لابن العراقي: "وكان كثير الاستحضار للمتون، والتفسير، والتاريخ، حسن الخلق، كثير التواضع، مقتصًا للإفادة وسمع منه الناس كثيرًا، وحضرت عليه مع والدي، ... وكانت له خصوصية بالشيخ تقي الدين ابن تيمية ومناضلة عنه، واتباع له في كثير من آرائه، وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق، وامتحن بسبب ذلك وأوذي .. " أ. هـ.
* طبقات الحفاظ: "العمدة في علم الحديث معرفة صحيح الحديث، وسقيمه، وعلل واختلاف طرقه ورجاله جرحًا وتعديلًا، أما العالي والنازل ونحو ذلك فهو من الفضلات لا من الأصول المهمة" أ. هـ.
* الدارس: "ولي مشيخة أم الصالح، بعد موت الذهبي، ومشيخة دار الحديث، مدة يسيرة ثم أخذت منه" أ. هـ.

* قلت: وقال المحقق لكتاب "البداية والنهاية": "من البديهي أن يتصف إنسان، حصّل علوم يحصره على أيدي كبار المؤرخين، والمحدثين، والمفسرين، والحاسبين، بصفات قلّما ينافسه فيها الآخرون! ".
وقال أيضًا: في وصف أخلاقه: "يتحاشى الإدلاء برأي في القضايا السياسية، على سنة المشايخ والعلماء في عهود الانحطاط، فلذلك امتنع ابن كثير عن الإفتاء في قضية ظن أن طالب الفتوى، قد يستفيد منها في أحداث انقلاب على السلطان، أو ثورة عليه، كما امتنع عن الإفتاء ضد قاض، لأن في الفتوى تشويشًا على الحكام، وبقدر ما كان متحفظًا في إبداء آرائه السياسية حول التغيير، كان صريحًا في التعامل مع الآخرين" أ. هـ.
* قلت: المعروف عن ابن كثير -رحمه الله تعالى- بعقيدته السلفية، واتصافه بأحد رجالات الدعوة إلى الاعتقاد الصحيح الذي كان عليه سلف الأمة، ... وهو غني عن التعريف بذلك .. والله تعالى الموفق.
ثم نذكر ما أورد صاحب كتاب "المفسرون" للمغراوي من قول حول تفسيره وعقيدته من خلال الأسماء والصفات وتفسيره إياها، ونقلنا كلام المغراوي بالنص للفائدة في معرفة قول السلف الذي ينتمي إليه ابن كثير من قول المذاهب والطرف الآخر.
قال المغراوي في كتابه "المفسرون" حول عقيدة ابن كثير في الأسماء والصفات: "للحافظ ابن كثير رسالة قيمة سماها (العقائد) بين فيها عقيدته، قال ما لفظه: فإذا نطق الكتاب العزيز، ووردت الأخبار الصحيحة بإثبات السمع، والبصر، والعين، والوجه، والعلم، والقوة، والقدرة، والعظمة، والمشيئة، والإرادة، والقول، والكلام، والرضا، والسخط، والحب، والبغض، والفرح، والضحك، وجب اعتقاد حقيقة ذلك، من غير تشبيه بشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاء إلى ما قال سبحانه وتعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، من غير إضافة، ولا زيادة عليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، ولا إزالة لفظ عما تعرفه العرب وتصرفه عليه، والإمساك ما سوى ذلك أ. هـ. نقلًا عن علاقة الإثبات والتفويض بصفات رب العالمين (1).
وأما في التفسير، فمعظم الصفات أثبتها ابن كثير وبين فيها مذهب السلف، وبعضها فسّرها تفسيرًا إجماليًا، والقليل منها فسرها باللازم، تبعًا لابن جرير في ذلك فرحمة الله عليه رحمة واسعة" أ. هـ.
ثم ذكر المغراوي تفسير ابن كثير لعدد من الأسماء والصفات قائلًا:
1 - صفة الاستهزاء: "قال عند قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
وقال ابن جرير: أخبر تعالى أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة، في قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَينَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} الآية.
وقوله: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} الآية [آل عمران: 178].
قال: فهذا وما أشبهه من استهزاء الله تعالى ذكره، وسخريته، ومكره، وخديعته، للمنافقين وأهل الشرك به عند قائل هذا القول، ومتأولي هذا التأويل قال: وقال آخرون: فالاستهزاء بهم توبيخه إياهم، ولومه لهم على ما ركبوا من معاصيه والكفر به. قال: هذا وأمثاله على سبيل الجواب، كقول الرجل لمن يخدعه إذا ظفر به، أنا الذي خدعتك، ولم يكن منه خديعة ولكن قال ذلك إذا صار الأمر إليه قالوا: وكذلك قوله تعالى: ومكروا {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54] و {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} على الجواب والله لا يكون منه المكر ولا الهزء.
والمعنى أن النكر والهزء حاق بهم، وقال آخرون قوله تعالى {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (*) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}. وقوله: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وما أشبه ذلك، إخبار من الله تعالى أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء ومعاقبهم عقوبة الخداع، فأخرج خبره عن جزائه إياهم، وعقابه لهم، مخرج خبره عن فعلهم الذي عليه استحقوا العقاب في اللفظ، وإن اختلف المعنيان، كما قال نعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}، وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ} فالأول ظلم، والثاني عدل، فهما وإن اتفق لفظهما، فقد اختلف معناهما، قال: وإلى هذا المعنى وجهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك، قال: وقال آخرون إن معنى ذلك، أن الله أخبر عن المنافقين أنهم إذا خلوا إلى مردتهم قالوا إنا معكم على دينكم في تكذيب محمّد - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به وإنما نحن بما نظهر لهم من قولنا لهم مستهزئون، فأخبر تعالى أنه يستهزى بهم، فيظهر لهم من أحكامه في الدنيا يعني من عصمة دمائهم وأموالهم، خلاف الذي لهم عنده في الآخرة، يعني من العقاب والنكال.
ثم شرع ابن جرير يوجه هذا القول وينصره، لأن المكر، والخداع، والسخرية، على وجه اللعب والعبث، منتف عن الله عزَّ وجلَّ بالإجماع، وأما على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة، فلا يمتنع ذلك، قال: وبنحو ما قلنا فيه، روى الخبر عن ابن عباس، وحدثنا أبو كريب، حدثنا أبو عثمان، حدثنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} قال: يسخر بهم للنقمة منهم (1) ".
2 - صفة الحياة: "قال عند قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً} الآية. ومعنى الآية، أنه تعالى أخبر أنه لا يستحيي، أي لا يستنكف. وقيل لا يخشى أن يضرب مثلًا ما أيّ مثل كان، بأي شيء كان صغيرًا كان أو كبيرًا (2).


التعليق:
كان على ابن كثير أن يثبت الصفة اللائقة بالله تبارك وتعالى، ثم يذكر لوازمها من الترك والاستنكاف وغيرهما".
3 - صفة الاستواء: "وقد أعرب ابن كثير عن سلفيته في هذه الصفة عند قوله تعالى من سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} فقال: فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدًّا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح، مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديمًا وحديثًا، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف، ولا تشبيه، ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهن، منفي عن الله فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير، بل الأمر كما قال الأئمة، منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري، قال: من شبه الله بخلقه كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلاله، ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى.
وهذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير، هو أعمدة القواعد السلفية في إثبات الصفات مع التنزيه وترك التشبيه والتعطيل، فلله دره ما أحسن تعبيره، وما أغزر علمه! ! وأدق فهمه) (1).
4 - صفة الكلام: "أما ابن كثير فقد ذهب في مسألة الكلام مذهب السلف الصالح عند قوله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَال رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}.
فقد حكى الأقوال في الآية فقال ما لفظه: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}، وهذا أيضًا مقام رفيع في العظمة، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي فسمع أهل السموات كلامه، ارتعدوا من الهيبة، حتى يلحقهم مثل الغشي، قاله ابن مسعود - رضي الله عنه - ومسروق وغيرهما، ثم ذكر بقية الأقوال، ثم قال: وقد اختار ابن جرير القول الأول أن الضمير عائد على الملائكة، وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه، لصحة الأحاديث فيه والآثار، ثم ذكر الأحاديث، منها حديث أبي هريرة، ومنها حديث ابن عباس ومنها حديث حديث النواس بن سمعان، قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمّد بن عوف، وأحمد بن منصور بن يسار الرمادي، والسياق لمحمد بن عوف قال: حدثنا نعيم بن حماد حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عبد الله بن أبي زكريا، عن رجاء بن حيوة، عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أراد الله تبارك وتعالى أن يوحي بأمره، تكلم بالوحي فإذا تكلم، أخذت السموات رجفة، -أو قال رعدة شديدة- من خوف الله تعالى، فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا، وخروا لله سجدًا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل عليه الصلاة والسلام فيكلمه الله بالوحي بما أراد، فيمضي به جبريل عليه الصلاة والسلام على الملائكة كلما مرّ بسماء سماء يسأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل، فيقول - عليه السلام -: قال الحق. وهو العلي الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله تعالى من السماء والأرض)، وكذا رواه ابن جرير، وابن خزيمة عن زكريا بن أبان المصري عن نعيم بن حماد به.
وقال ابن أبي حاتم سمعت أبي يقول: ليس هذا الحديث بالتام عن الوليد بن مسلم رحمه الله (1).
التعليق:
فاختيار ابن كثير لرأي الإمام ابن جرير، وتأكيده لذلك بروايته الأحاديث الدالة على أن الله تعالى يتكلم بحرف وصوت، يدل صراحة على مذهبه السلفي".
5 - صفة الوجه: "قال عند قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ (*) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون، ويموتون أجمعون، وكذلك أهل السموات إلا ما شاء الله ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم، فإن الرب - تعالى وتقدس لا يموت بل هو الحي الذي لا يموت أبدًا" (2).
6 - صفة الإتيان والمجيء: "قال عند قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [البقرة: 210].
يقول تعالى مهددًا للكافرين بمحمد صلوات الله وسلامه عليه: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} يعني يوم القيامة لفصل القضاء بين الأولين والآخرين، فيجزى كل عامل بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، ولهذا قال تعالى: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} كما قال تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (*) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (*) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر: 21 - 23].
وقال: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} الآية.
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير ها هنا، حديث الصور بطوله من أوله. عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث مشهور، وساقه غير واحد من أصحاب المسانيد وغيرهم، وفيه أن الناس إذا اهتموا لموقفهم في العرصات تشفعوا إلى ربهم بالأنبياء واحدًا واحدًا من آدم فمن بعده، فكلهم يحيد عنها، حتى ينتهوا إلى محمّد - صلى الله عليه وسلم - فإذا جاؤوا إليه، قال: أنا لها، أنا لها، فيذهب فيسجد لله تحت العرش، ويشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء بين العباد فيشفعه الله، ويأتي في ظلل من الغمام بعدما تنشق السماء وينزل من فيها من الملائكة ثم الثانية، ثم الثالثة، إلى السابعة، وينزل حملة العرش والكروبيون، قال: وينزل الجبار عزَّ وجلَّ في ظلل من الغمام  والملائكة، ولهم زجل من تسبيحهم يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت سبحان ذي العزة والجبروت سبحان الحي الذي لا يموت سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبوح قدوس سبحان ربنا الأعلى، سبحان ذي السلطان والعظمة، سبحانه سبحانه أبدًا أبدًا (1)، ثم ذكر حديثًا رواه ابن مردويه ثم ذكر عن أبي العالية، هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام، والملائكة يقول والملائكة يجيئون في ظلل من الغمام، والله تعالى يجيء فيما يشاء، وهي في بعض القراءات {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} والملائكة في ظلل من الغمام، هي قبله {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} (2).
وقال عند قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (*) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}.
يعني لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق، محمّد - صلى الله عليه وسلم -، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحدًا بعد واحد، فكل يقول لست بصاحب ذاكم، حتى تنتهي النوبة إلى محمّد - صلى الله عليه وسلم - فيقول: أنا لها، فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء فيشفعه الله تعالى في ذلك، وهي أول الشفاعة، وهي المقام المحمود، كما تقدم بيانه في سورة سبحان، فيجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء كما يشاء والملائكة يجيئون بين يديه صفوفًا صفوفًا (3).
التعليق:
هذه التفسيرات التي ذكرها الإمام ابن كثير في تفسير سورة البقرة، وفي سورة الفجر، صريحة بأن الشيخ ابن كثير يثبت صفة المجيء والإتيان، ولا سيما أنه أكد ذلك بما نقله عن الإمام ابن جرير في ذكره لحديث الصور، وهو صريح في هذه الصفة، لا يحتمل التأويل، فرحمة الله عليه رحمة واسعة".
7 - تفسير الكرسي: "قال عند قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} الآية. قال بعد سياق الأقوال والآثار، وقد زعم بعض المتكلمين على علم الهيئة من الإسلاميين، أن الكرسي عندهم، هو الفلك الثامن، وهو فلك الثوابت الذي فوقه الفلك التاسع، وهو الفلك الأثير، ويقال له الأطلس، وقد رد ذلك عليهم آخرون، وروى ابن جرير من طريق جبير عن الحسن البصري أنه كان يقول: الكرسي هو العرش، والصحيح أن الكرسي غير العرش، والعرش أكبر منه، كما دلت على ذلك الآثار والأخبار، وقد اعتمد ابن جرير على حديث عبد الله بن خليفة عن عمر في ذلك، وعندي في صحته نظر والله أعلم (4).


التعليق:
والصواب ما صح عن ابن عباس وغيره، أن الكرسي موضع القدمين وفيه إثبات الصفة لله تعالى، لأن هذا لا يقال من قبل الرأي على أنه قد روي مرفوعًا عند أبي الشيخ في العظمة".
8 - صفة المحبة: "قال عند قوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205]. وقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} أي لا يحب من هذه صفاته، ولا من يصدر منه ذلك (1).
وقال عند قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 31 - 32].
هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في نفس الأمر، حتى يتبع الشريعة المحمدية، والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) (2).
ولهذا قال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض العلماء الحكماء، ليس الشأن أن تُحِب، إنما الشأن أن تُحَب وقال الحسن البصري، وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية فقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (3).
التعليق:
الحافظ ابن كثير يثبت صفة المحبة على ما هو ظاهر من تفسيراته لآيات المحبة، فقد فسرها على ظاهرها، ولم يؤول شيئًا منها جزاه الله خيرًا".
9 - صفة اليد: "قال عند قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْويَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67] قال هم الكفار، الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم فمن آمن أن الله على كل شيء قدير، فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك، فلم يقدر الله حق قدره، وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية الكريمة والطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف" (4).
10 - صفة الفوقية: "قال عند قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18] أي هو الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجبابرة، وعنت له الوجوه، وقهر كل شيء، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله، وكبريائه، وعظمته، وعلوه، وقدرته، على الأشياء واستكانت وتضاءلت بين يديه، وتحت قهره وحكمه (1).
التعليق:
وهذه الآية من أدلة العلو لله تعالى، وكان ينبغي للحافظ ابن كثير أن يبين ذلك بيانًا شافيًا، وإن كان أشار إلى ذلك إشارة خفيفة في تفسير الآية فرحمة الله عليه".
11 - إثبات الرؤية: "قال عند قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103].
فيه أقوال للأئمة من السلف، أحدها لا ندركه في الدنيا، وإن كانت تراه في الآخرة، كما تواترت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير طريق ثابت في الصحاح والمسانيد والسنن، كما قال مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "من زعم أن محمدًا أبصر ربه فقد كذب". وفي رواية "على الله فإن الله تعالى قال: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} " رواه ابن أبي حاتم، من حديث أبي بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي الضحى، عن مسروق، ورواه غير واحد عن مسروق، وثبت في الصحيح وغيره عن عائشة من غير وجه، وخالفها ابن عباس فعنه إطلاق الرؤية، وعنه أنه رآه بفؤاده مرتين، والمسألة تذكر في أول سورة النجم إن شاء الله.
وقال ابن أبي حاتم: ذكر محمّد بن مسلم، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا يحيى بن معين قال: سمعت إسماعيل بن علية يقول: في قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} قال: هذا في الدنيا.
وذكر أبي عن هشام بن عبد الله أنه قال: نحو ذلك، وقال آخرون: لا تدركه الأبصار، أي جميعها وهذا مخصص بما ثبت من رؤية المؤمنين له في الدار الآخرة.
وقال آخرون من المعتزلة، بمقتضى ما فهموه من الآية أنه لا يرى في الدنيا والآخرة، فخالفوا أهل السنة والجماعة في ذلك، مع ما ارتكبوه من الجهل بما دلّ عليه كتاب الله، وسنة رسوله.
فأما الكتاب فقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (*) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23]، وقال تعالى عن الكافرين {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} قال الإمام الشافعي: فدل هذا على أن المؤمنين لا يحجبون عنه تبارك وتعالى.
وأما السنة، فقد تواترت الأخبار عن أبي سعيد، وأبي هريرة وابن جرير وصهيب وبلال، وغير واحد من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة في العرصات، وفي روضات الجنات، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه آمين.
وقيل المراد بقوله {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} أي: العقول. رواه ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين، عن الفلاس، عن ابن مهدي، عن أبي الحصين يحيى بن الحصين، قارئ أهل مكة أنه قال ذلك وهذا غريب جدًّا، وخلاف ظاهر الآية، وكأنه اعتقد الإدراك في معنى الرؤية والله أعلم.
وقال آخرون: لا منافاة بين إثبات الرؤية ونفي الإدراك فإن الإدراك أخص من الرؤية، ولا يلزم من نفي الأخص انتفاء الأعم ثم اختلف هؤلاء في الإدراك المنفي ما هو فقيل: معرفة الحقيقة،
فإن هذا لا يعلمه إلا هو وإن رآه المؤمنون، كما أن من رأى القمر فإنه لا يدرك حقيقته وكنهه وماهيته، فالعظيم أولى بذلك، وله المثل الأعلى، قال ابن علية في الآية: "هذا في الدنيا" رواه ابن أبي حاتم.
وقال آخرون: الإدراك أخص من الرؤية، وهو الإحاطة، قالوا: ولا يلزم من عدم الإحاطة عدم الرؤية، كما لا يلزم من إحاطة العلم، عدم العلم، قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110]، وفي صحيح مسلم (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) (1)، ولا يلزم من عدم الثناء، فكذلك هذا.
قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} قال: لا يحيط بصر أحد بالملك.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد، حدثنا أسباط عن سماك، عن عكرمة، أنه قيل له: لا تدركه الأبصار قال: ألست ترى السماء قال: بلى، قال: فكلها ترى وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في هذه الآية {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} وهو أعظم من أن تدركه الأبصار، ثم ذكر بقية الأقوال والآثار". (2)
12 - صفة العين: "قال عند قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [هود: 37] (بأعيننا) أي بمرأى منا. (3)
قال عند قوله تعالى: {وَأَلْقَيتُ عَلَيكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَينِي} [طه: 39] قال أبو عمران الجوني تربى بعين الله، وقال قتادة: تغذى على عيني، وقال معمر بن المثنى: ولتصنع على عيني بحيث أرى، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يعني أجعله في بيت الملك لينعم ويترف وغذاؤه عندهم غذاء الملك فتلك الصنعة. (4)
التعليق:
وهذه الآيات من أعظم الأدلة على إثبات صفة العين لله تعالى، فكان ينبغي للحافظ ابن كثير أن يبين الصفة، ثم يذكر اللوازم التي هي الرؤية، والعلم، والحفظ والإدراك وغير ذلك من اللوازم".
13 - صفة المعية: "قال عند قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَينَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4].
أي رقيب عليكم شهيد على أعمالكم، حيث كنتم، وأين كنتم؟ من بر، أو بحر، في الليل أو النهار، في البيوت أو في القفار، الجميع في علمه على السواء، وتحت بصره وسمعه، فيسمع كلامكم ويرى مكانكم، ويعلم سركم ونجواكم كما قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هود: 5]، وقال تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد: 10]. فلا إله غيره، ولا رب سواه وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل لما سأله عن الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (1).
وروى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي، من حديث نصر بن خزيمة بن جنادة بن علقمة، حدثني أبي عن نصر بن علقمة عن أخيه عن عبد الرحمن بن عائذ، قال: قال عمر جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: زودني حكمة أعيش بها، فقال: (استح الله كما تستحي رجلا من صالح عشيرتك). هذا حديث غريب، وروى أبو نعيم من حديث عبد الله بن علوية العامرى مرفوعًا، (ثلاث من فعلهن فقد طعم الإيمان إن عبد الله وحده، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام، ولم يعط، الهرمة، ولا الردية، ولا الشريطة، اللئيمة، ولا المريضة ولكن من أوسط أموالكم)، وقال رجل: يا رسول الله ما تزكية المرء نفسه. فقال: (يعلم أن الله معه حيث كان).
وقال نعيم بن حماد رحمه الله: حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي عن محمد بن مهاجر، عن عروة بن رويم عن عبد الرحمن بن غنم عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث ما كنت) غريب وكان الإمام أحمد رحمه الله ينشد هذين البيتين:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما تخفي عليه يغيب
وقال عند قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إلا هُوَ مَعَهُمْ أَينَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7]، وقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إلا هُوَ رَابِعُهُمْ} الآية. أي من سر ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، إلا هو معهم أينما كانوا، أي مطلع عليهم، يسمع كلامهم وسرهم ونجواهم، ورسله أيضًا تكتب ما يتناجون به مع علم الله به وسمعه له.
كما قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [التوبة: 78].
وقال تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80].
ولهذا حكى غير واحد الإجماع على أن المراد بهذه الآية، معية علمه تعالى، ولا شك في إرادة ذلك، ولكن وسمعه أيضًا مع علمه بهم وبصره، نافذ فيهم، فهو سبحانه وتعالى مطلع على خلقه

لا يغيب عنه من أمورهم شيء (1) " أ. هـ.
وفاته: سنة (774 هـ) أربع وسبعين وسبعمائة.
من مصنفاته: "التفسير الكبير"، و"البداية والنهاية" وغير ذلك.






مصادر و المراجع :

١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من طرائفهم»

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید