المنشورات

‌‌أقسام التشبيه عند المبرد

والمبرد من أوائل العلماء الذين درسوا فن التشبيه، وهو يقسمه إلى أربعة أضرب:
1 - التشبيه المفرط: وهو التشبيه المبالغ فيه، أو المبالغ في الصفة التي تجمع بين المشبه والمشبه به، كقول الخنساء في أخيها صخر:
وإن صخرا لتأتم الهداة به … كأنه علم في رأسه نار
فجعلت المهتدي يأتم به، وجعلته كأنه نار في رأس علم، والعلم الجبل.
ومن هذا النوع في شعر المحدثين قول بشار:
كأن فؤاده كرة تنزّي … حذار البين إن نفع الحذار
وقول أبي نواس الحسن بن هانئ في صفة الخمر فإذا ما اجتليتها فهباء … تمنع الكفّ ما تبيح العيونا (1)
أكل الدهر ما تجسّم منها … وتبقّى لبابها المكنونا
فهي بكر كأنها كل شيء … يتمنى مخيّر أن يكونا
في كؤوس كأنهن نجوم … جاريات بروجها أيدينا
طالعات من السّقاة علينا … فإذا ما غربن يغربن فينا
فهذا تشبيه مفرط يصفه المبرد بأنه غاية على سخف كلام المحدثين!.
2 - التشبيه المصيب: ويفهم من الأمثلة التي أوردها المبرد أنه يعني به ما خلا من المبالغة وأخرج الأغمض إلى الأوضح، كقول امرئ القيس في طول الليل:
كأن الثريا علّقت في مصامها … بأمراس كتان إلى صمّ جندل (2)
فهذا التشبيه في ثبات الليل، لأنه يخيل إليه من طوله كأن نجومه مشدودة بحبال من الكتان إلى صخور صلبة، وإنما استطال الليل لمعاناته الهموم ومقاساته الأحزان فيه. وكقوله في ثبات الليل:
فيا لك من ليل كأن نجومه … بكل مغار الفتل شدت بيذبل (3) فهو هنا يشبه نجوم الليل في ثباتها وعدم تحركها كما لو كانت قد شدت بشيء مفتول قوي إلى جانب هذا الجبل.
وقد ذكر ابن رشيق أمثلة للتشبيه المصيب منها قول النابغة في وصف المتجردة:
نظرت إليك بحاجة لم تقضها … نظر السقيم إلى وجوه العوّد
وقول عدي بن الرقاع العاملي:
وكأنها وسط النساء أعارها … عينيه أحور من جآذر جاسم
وسنان أقصده النعاس فرنّقت … في عينه سنة وليس بنائم
وقول صريع الغواني:
فغطت بأيديها ثمار نحورها … كأيدي الأسارى أثقلتها الجوامع (1)
3 - التشبيه المقارب: كقول ذي الرمة:
ورمل كأوراك العذارى قطعته … وقد جللته المظلمات الحنادس
وهذا من نوع التشبيه المقلوب الذي يجعل فيه المشبه مشبها به فالعادة أن أعجاز النساء أو أوراك العذارى تشبه بكثبان الرمال ولكن الشاعر هنا قلب التشبيه طلبا للمبالغة.
ومن المقارب الحسن قول الشماخ:
كأن المتن والشرخين منه … خلاف النصل سيط به مشيج يريد سهما رمى به فأنفذ الرميّة وقد اتصل به دمها، والمتن متن السهم، وشرخ كل شيء حده، فأراد شرخي الفوق (1) وهما حرفاه، والمشيج المختلط.
4 - التشبيه البعيد: وهو الذي يحتاج إلى تفسير، وعند المبرد أن هذا النوع هو أخشن الكلام، كقول الشاعر:
بل لو رأتني أخت جيراننا … إذ أنا في الدار كأني حمار
فإن الشاعر أراد الصحة، وهذا بعيد، لأن السامع إنما يستدل عليه بغيره. وقال الله عز وجل- وهو من البين الواضح-: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً في أنهم قد تعاموا عن التوراة وأضربوا عن حدودها وأمرها ونهيها حتى صاروا كالحمار الذي يحمل الكتب ولا يعلم ما فيها.
ويلاحظ على هذا التقسيم الذي أورده المبرد للتشبيه أمور منها: أن هذه الأنواع الأربعة هي صفات لبعض التشبيهات، وأنه لم يضع حدودا تميز كل نوع عما عداه. وترك هذا لحدس القارئ وتخمينه، وأنه قد حكم على بعض الأمثلة التي أوردها بالحسن أو القبح دون أن يعلل لما استحسنه أو استقبحه. ولكنه في عصره المبكر وفي المراحل الأولى للبلاغة والنقد لم يكن ينتظر منه أن يتوسع في دراسة التشبيه بأكثر مما فعل

 

مصادر و المراجع:
1-سحر البلاغة وسر البراعة
المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (ت ٤٢٩هـ)
2-أسرار البلاغة
المؤلف: أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الأصل، الجرجاني الدار (ت ٤٧١هـ)
3-الإيضاح في علوم البلاغة
المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي، المعروف بخطيب دمشق (ت ٧٣٩هـ)
4-الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز
المؤلف: يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (ت ٧٤٥هـ)
5- عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح
المؤلف: أحمد بن علي بن عبد الكافي، أبو حامد، بهاء الدين السبكي (ت ٧٧٣ هـ)
6-تلوين الخطاب لابن كمال باشا دراسة وتحقيق
المؤلف: أحمد بن سليمان بن كمال باشا، شمس الدين (ت ٩٤٠هـ)
7-الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم
المؤلف: إبراهيم بن محمد بن عربشاه عصام الدين الحنفي (ت: ٩٤٣ هـ)
8- معاهد التنصيص على شواهد التلخيص
المؤلف: عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد، أبو الفتح العباسي (ت ٩٦٣هـ)
9-حاشية الدسوقي على مختصر المعاني لسعد الدين التفتازاني (ت ٧٩٢ هـ) [ومختصر السعد هو شرح تلخيص مفتاح العلوم لجلال الدين القزويني]
المؤلف: محمد بن عرفة الدسوقي
10- جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن مصطفى الهاشمي (ت ١٣٦٢هـ)
11-علوم البلاغة «البيان، المعاني، البديع»
المؤلف: أحمد بن مصطفى المراغي (ت ١٣٧١هـ)
12- بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة
المؤلف: عبد المتعال الصعيدي (ت ١٣٩١هـ)
13-علم البديع
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
14-علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
15- علم المعاني
المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)
16-البلاغة العربية
المؤلف: عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي (ت ١٤٢٥هـ)
17-البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
18- النظم البلاغي بين النظرية والتطبيق
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
19-من قضايا البلاغة والنقد عند عبد القادر الجرجاني
المؤلف: حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ رئيس قسم البلاغة بجامعة الأزهر (ت ١٤٢٩ هـ)
20- أساليب بلاغية، الفصاحة - البلاغة - المعاني
المؤلف: أحمد مطلوب أحمد الناصري الصيادي الرفاعي
21-الأسلوب
المؤلف: أحمد الشايب
22- المنهاج الواضح للبلاغة
المؤلف: حامد عونى
23-خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني
المؤلف: محمد محمد أبو موسى
24- البديع عند الحريري
المؤلف: محمد بيلو أحمد أبو بكر
25- شرح مائة المعاني والبيان
المؤلف: أبو عبد الله، أحمد بن عمر بن مساعد الحازمي
26-البلاغة ٢ - المعاني
كود المادة: LARB٤١٠٣
المرحلة: بكالوريوس
المؤلف: مناهج جامعة المدينة العالمية
الناشر: جامعة المدينة العالمية
27-علوم البلاغة «البديع والبيان والمعاني»
المؤلف: الدكتور محمد أحمد قاسم، الدكتور محيي الدين ديب

28-علم البيان

المؤلف: عبد العزيز عتيق (ت ١٣٩٦ هـ)

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید