المنشورات
ابن دقيق العيد
النحوي، اللغوي، المفسر، المقرئ: محمّد بن عليّ بن وهب بن مطيع، أبو الفتح، ابن دقيق العيد، القشيرى، تقي الدين، المنفلوطي المصري المالكي الشافعي.
ولد: سنة (625 هـ) خمس وعشرين وستمائة.
من مشايخه: الشيخ عز الدين بن عبد السلام وابن عبد الدايم وغيرهما.
من تلامذته: قاضي القضاة شمس الدين محمّد بن أحمد بن حيدرة وقاضي القضاة شمس الدين محمّد بن أحمد بن علان وغيرهما.
كلام العلماء فيه:
• الطالع السعيد: "الشيخ الإمام علامة الأعلام، وراوية فنون الجاهلية وعلوم الإسلام ذو العلوم الشرعية والفضائل العقلية، والفنون الأدبية والمعارف الصوفية والباع الواسع في استنباط المسائل ... بالجملة فالاستغراق في مناقبه يخرج عن الإمكان ويحوج إلى توالي الأزمان وكتب له "بقية المجتهدين" وقريء بين يديه، فأقر عليه، ولا شك إنه من أهل الاجتهاد وما ينازع في ذلك إلا من هو من أهل العناد .. وأخبروني بقوص أنه لعب الشطرنج في صباه، مع زوج أخته الشيخ تقي الدين ابن الشيخ ضياء الدين فأذنوا بالعشاء فقاما فصليا ثم قال الشيخ: تعود، فقال صهره، إن عادت العقرب عدنا لها، فلم يعد يلعبها"أ. هـ.
• السير: "الإمام العلامة الحافظ المجتهد شيخ الإسلام".
وقال: "ذكره الحافظ الحجة قطب الدين بن منير فقال: كان إمام أهل زمانه، وممن فاق بالعلم والزهد على أقرانه، عارفًا بالمذهبين، إمامًا في الأصلين، حافظًا متقنًا للحديث وعلومه، يضرب به المثل في ذلك، وكان آية في الحفظ والإتقان والتحري، شديد الخوف، دائم الذكر، لا ينام في الليل إلا قليلًا، يقطعه فيما بين مطالعة، وتلاوة وذكر وتهجد، حتى صار السهر له عادة، وأوقاته كلها معمورة، لم ير في عصره مثله".
ثم قال: "كان مجموع الفضائل جم المحاسن، يرى طريقة السلف ويكف عن التأويل، سمعت ذلك منه، وله أدب ونظم وخط منسوب" أ. هـ.
• معجم شيوخ الذهبي: "قاضي القضاة بالديار المصرية وشيخها وعالمها الإمام العلامة الحافظ القدوة الورع شيخ العصر ... كان علامة في المذهبين عارفًا بالحديث وفنونه سارت بمصنفاته الركبان" أ. هـ.
• فوات الوفيات: "الإمام العلامة شيخ الإسلام .. أحد الأعلام وقاضي القضاة .. وكان إمامًا متفننًا محدثا مجودا فقيهًا مدققًا أصوليًا أديبًا شاعرًا نحويًّا ذكيًا غواصًا على المعاني مجتهدًا وافر العقل كثير السكينة بخيلًا بالكلام تام الورع شديد التدين .. وكان قد مهره الوسواس في أمر المياه والنجاسات .. وكان كثير التسري والتمتع" أ. هـ.
• المقفى: "قاضي القضاة، حاكم الحكام، حجة الإسلام، مفتي الأنام، شيخ الإسلام بقية المجتهدين، القائم بوظيفة السنة النبوية في العالمين" أ. هـ.
• الديباج: "له يد طولى في علم الحديث، وعلم الأصول، والعربية وسائر الفنون" أ. هـ.
• قلت: ومن كتاب المترجم له "أحكام الأحكام عمدة الأحكام" -بقلم المحقق-: "إن ذكر التفسير فمحمد فيه عمود المذهب أو الحديث فالقشيري فيه صاحب الرقم المعلم والراز المذهب، أو الفقه فأبو الفتح العزيز الإمام الذي إليه الإجتهاد ينسب، أو الأصول فأين ابن الخطيب من الخطيب وهل يقرن المخطيء بالمصيب؟ أو الآداب فإن اقتصرت قلت نابغة زمانه .. " أ. هـ.
قلت: وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن ابن دقيق العيد في مسألة الأسماء والصفات ما نصه: "تقول في الصفات المشكلة أنها حق وصدق على المعنى الذي أراده الله، ومن تأولها نظرنا فإن كان تأويله قريبًا على مقتضى لسان العرب لم ننكر عليه، وإن كان بعيدًا توقفنا عنه ورجعنا إلى التصديق مع التنزيه. وما كان منها معناه ظاهرًا مفهومًا من يخاطب العرب حملناه عليه لقوله {عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} فإن المراد به في استعمالهم الشائع حق الله فلا يتوقف في حمله عليه، وكذا قوله (إن قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن) فإن المراد به إرادة قلب ابن آدم مصرفة بقدرة الله وما يوقعه فيه وكذا قوله تعالى {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} معناه ضرب الله بنيانهم، وقوله {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} معناه لأجل الله وقس على ذلك"أ. هـ.
قلت: علق عليه الحافظ ابن حجر بقوله: "وهو تفصيل بالغ قل من تيقظ له" أ. هـ.
ثم نذكر ما أورده الحافظ ابن حجر في "الفتح" عند شرحه لحديث وفيه: (إن الله لا يستحي من الحق ... ) الحديث قال الحافظ:
(والمراد بالحياء هنا معناه اللغوي، إذ الحياء الشرعي خير كله. وقد تقدم في كتاب الإيمان أن الحياء لغة: تغير وانكسار، وهو مستحيل في حق الله تعالى، فيحمل هنا على أن المراد أن الله لا يأمر بالحياء في الحق، أو لا يمنع من ذكر الحق. وقد يقال: إنما يحتاج إلى التأويل في الإثبات ولا يشترط في النفي أن يكون ممكنًا لكن لما كان المفهوم يقتضي أنه يستحيي من غير الحق عاد إلى جانب الإثبات فاحتيج إلى تأويله، قاله ابن دقيق العيد) أ. هـ.
قال المحقق في تعليقه على قول: ( ... إنما يحتاج إلى التأويل في الإثبات):
(والصواب أنه لا حاجة إلى التأويل مطلقًا، فإن الله يوصف بالحياء الذي يليق به ولا يشابه فيه خلقه كسائر صفاته. وقد ورد وصفه بذلك في نصوص كثيرة فوجب إثبات له على الوجه الذي يليق به. وهذا قول أهل السنة في جميع الصفات الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة، وهو طريق النجاة، فتنبه واحذر. والله أعلم) أ. هـ.
قلت: والذي قاله المحقق هو عينُ الصواب .. والله تعالى الموفق.
وقال صاحب كتاب: (تقي الدين محمّد بن عليّ ابن دقيق العيد، عصره-حياته- علومه- وأثره في الفقه": "كان رحمه الله متصوفًا، سالكًا طريق العقل والحق والهداية فيه، مطبقًا لروح الشريعة ونصوصها، متخلقًا بآدابها بالظاهر والباطن، مؤمنًا بأن التصوف عمل سلوكي وأخلاقي ينبع من أصول الإسلام، فكان يسلك في تصوفه التصوف الحق الذي قوامه: الزهد في الدنيا، ومراقبة الله، وعدم الغفلة عن ذكر الله عز شأنه.
فلم يكن رحمه الله من فريق المتصوفة النظريين، الذين اعتنقوا مذاهب ونظريات هي إلى الفلسفة أقرب منها إلى الدين، ولم يذكر أنه أسند إليه مشيخة إحدى الطرق الصوفية، كما أنه لم تسند إليه إحدى الزوايا أو الخوانق.
وقوله الذي نقلناه عنه: "ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلًا إلا أعددت له جوابًا بين يدي الله".
بل إن أوضح دليل على صحة تصوفه سيرته العطرة، وأخلاقه الفاضلة التي ذكرنا قسمًا منها.
ومما يدل على صفاء تصوفه أيضًا وأتباعه منطق العقل فيه، ما ذكره الأدفوي والإسنوي والسبكي وغيرهم، إنه لما جاء الخبر بورود التتار إلي الشام في سنة (680 هـ) ورد المرسوم من الملك المنصور قلاوون وهو بالشام أن يجمع أهل العلم بمصر لقراءة البخاري والدعاء عقبه، فقرؤوه إلى أن بقي شيء منه، فاخروا ما بقي إلا أن يتموه في يوم الجمعة، فلما كان يوم الجمعة رأوا ابن دقيق العيد في الجامع، فسلموا عليه، فقال ما فعلتم ببخاريكم، قالوا بقي ميعاد أخرناه، لنختمه اليوم، فقال: انفصل الحال من أمس العصر، وبات المسلمون على كذا .. فقالوا نخبر عنك؟ فقال: نعم، فجاء الخبر بعد أيام بذلك، وكان النصر فيه للمسلمين، فقوله ما فعلتم ببخاريكم يريد أن يبين لهم أن النصر قد تم قبل الانتهاء منه، وإنه إنما تم بأمر الله بإعداده من قوة، ومن رباط الخيل، ثم بالتوكل عليه، وليس منه قراءة البخاري ونحوه.
وقد أنكر على ابن العربي آراءه في التصوف وحكم بكفره. كما وأنكر على كل من حاد عن العقل في تصرفاته وأحكامه من المتصوفة فقال:
من عذيري من معشر هجروا العقـ ... لَ وحادوا عن طرقه المستقيمة
لا يرون الإنسان قد نال حظًا ... من صلاح حتى يكون بهيمة
فهو من هذين البيتين ينكر على بعض المتصوفة الذين يخرجون في بعض تصرفاتهم عن حكم العقل والدين، ويطلبون من مريديهم إطاعتهم في ذلك إطاعة عمياء، وعدم مناقشتهم فيما يصدر منهم من أفعال أو أقوال أو أوامر" أ. هـ.
وفاته: سنة (702 هـ) اثنتين وسبعمائة.
من مصنفاته: "الإلمام" وينقل عن شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية أنه قال: أنا جازم أنه ما وضع في هذا الفن مثله وقال: هو كتاب الإسلام. و "الإمام" و"علوم الحديث" وغيرها.
مصادر و المراجع :
١- الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير
والإقراء والنحو واللغة «من القرن الأول إلى المعاصرين مع دراسة لعقائدهم وشيء من
طرائفهم»
16 سبتمبر 2023
تعليقات (0)